...

انتبه ... هذا فلسطيني ؟


أسامة عبدالستار موسى الفرا 


التفاصيل

انتبه ... هذا فلسطيني ؟
 

بقلم : أبو يسار
20/10/2012

 

هذه عبارة لا يعرفها كثير من الفلسطينيين، وإنما يحسوا بها ويلامسوها على أرض الواقع كلما مروا من منفذ حدودي أو مطار أو ميناء في حدود ما نعتقد أنه الوطن العربي الكبير الذي حلم به جيلنا ولا زال يحلم بأن يراه وطناً واحداً بلا حدود فاصلة تفصل بين أبناء الأمة الواحدة من المحيط إلى الخليج، ( انتبه هذا فلسطيني ) عبارة تظهر على شاشات الحواسيب أمام ضباط الجوازات في كل المنافذ الحدودية العربية، ينظر ضابط الجوازات لصاحب جواز السفر شزرا ويطلب منه الانتظار ويلقي بجواز السفر خلفه ليتناوله ضابط أمن آخر يقف في الخلف وما على الفلسطيني أياً كانت صفته إلا الجلوس في صالة الانتظار ينتظر رحمة ضابط الأمن أو المخابرات، ورحمة الضابط مهمة جداً، فهو الذي سيسمح بالدخول أو عدمه وهو الذي يأمر بالإبعاد أو الترحيل أو التوقيف أو العودة مع استخدام قذارة اللسان التي يتميز بها رجال الأمن على الحدود، معاذ الله من ألسنتهم فالكرابيج أرحم منها بكثير، وللعلم فإن الأنظمة العربية تختار أسوء رجال أمنها خلقاً للخدمة في المنافذ الحدودية سواء كانت برية أو بحرية أو جوية ؟! (وما أجمل وأرق هؤلاء المخلوقات – رجال الأمن – فيما لو كان المسافر أمريكياً أو أوروبياً أو إسرائيليا حيث ينقلبوا إلى ملائكة رحمة .. سبحان الله )، إنهم أقرب إلى البرمجة الآلية .. مع الفلسطيني ذئاب شرسة ومع الآخرين خراف وديعة.

الفلسطيني منذ نكبة 1948 يعاني كل أشكال القهر والذل أمام هؤلاء في نقاط الحدود، يتعرضوا لجلد ألسنتهم التي هي أشد من السوط، الفلسطيني منذ النكبة محروم من جواز سفر، وخضع لاختراع أجهزة الأمن العربية ( التي تتلمذت كلها وبلا استثناء على أيدي المعلم البريطاني والفرنسي والايطالي ) – اختراع اسمه وثيقة سفر للاجئين الفلسطينيين لا تصلح للمرور في الدولة التي أصدرتها ؟!، وثيقة سفر للاجئين الفلسطينيين تصدر عن وزارة الداخلية في كل من مصر ولبنان والعراق وسوريا، لا تصلح للسفر أو حتى المرور في أي قطر عربي باستثناء سوريا.
هكذا ظل الفلسطيني أسير هذه الوثيقة التي لا تصلح لشيء إلا كبطاقة تعريف، حتى بزوغ شمس السلطة الوطنية الفلسطينية والتي بدورها أصدرت جواز السفر الفلسطيني، تفاءل الفلسطينيون أخيراً..هذا جواز سفر..( ويا فرحة ما تمت كما تقول العجائز )، لأن جواز السفر هذا لا يمنح إلا للفلسطيني المقيم في غزة أو الضفة أي المسجل في الأحوال المدنية الإسرائيلية أي الحامل للهوية الصادرة عن الإدارة المدنية الإسرائيلية، أما فلسطينيو الشتات في لبنان ومصر وسوريا والعراق وكل بقاع الأرض ظلوا وسيظلوا محرومين من الحصول على جواز السفر الفلسطيني لعدم امتلاكهم الهوية ؟( جدتي الحاجة عائشة رحمها الله كانت تقول من خرج من داره قل مقداره ) ويبدو أن مقولتها هذه لا زالت تلاحق أولئك الفلسطينيين الذين غادروا ديارهم عام 1948 إلى دول الجوار سواء كان ذلك بإرادتهم أو رغماً عنهم.
ورغم اعترافنا بأن جواز السفر الفلسطيني قد حل مشكلة الكثير من أبناء قطاع غزة على وجه الخصوص ( لأن أبناء الضفة الغربية يتمتعون بجواز المملكة الأردنية الهاشمية ولا يعانوا من مشاكل وثيقة السفر )، إلا أنه (الجواز الفلسطيني) لم يحل المشكلة على الحدود لدى الكثير من أقطار العربان، لأنه عبارة انتبه .. هذا فلسطيني .. لا زالت تلاحق الفلسطيني أينما حل أو وطئت قدميه.

وأكثر ما يعاني الفلسطيني ( بالتحديد أبناء غزة الذين يشكلون الغالبية من حملة الجواز الفلسطيني ) أثناء مروره عبر الأراضي المصرية كونه مضطراً للعبور من مصر إلى أي مكان في هذه الدنيا، من المفروض أن يجد الترحاب والمساعدة من الضباط المصريين العاملين بالمعابر، ولكنه لا يجد إلا المعاملة بازدراء وقسوة وغلاظة، أليس هذا من العيب؟، أم أن هذه هي أخلاق العرب والمسلمين معاً؟!، بالقطع إنها ليست ثقافة العرب ولا المسلمين بل ثقافة الفرعون وثقافة كامب ديفيد التي غزت مصر بعد تولي السادات للحكم والتعبئة التي مورست في مصر ضد الشعب الفلسطيني. إنها ثقافة اليهود التي غزة عقول جيل ما بعد السادات.
كثير من الفلسطينيين يمرون من مصر إلى بلدان أخرى يحملون تأشيرات الدخول لتلك البلدان بالإضافة إلى تذاكر الطائرات ولكنهم يتعثروا بفعل فاعل في المعابر المصرية لا لسبب إلا للقهر والإذلال من ضابط مخابرات أو ضابط أمن دولة ( الذي يسمى الآن الأمن الوطني ) إذا عرضته للبيع في سوق النخاسة لا تجد من يشتريه بملاليم أو سنتات، ولكونهم مماليك للسلطان أي عبيد فمن القطع أن تكون اخلاقهم أخلاق العبيد لا أخلاق الحر الكريم الذي لا يرضى الظلم ولا القهر ولا الذل لحر كريم مثله.
لقد تفاءل أبناء غزة بعد غروب شمس مبارك في مصر معتقدين أن القادم الجديد سيكون أفضل وأن وضع المعابر سيتغير إلى الأفضل وأن المعاناة في تلك المعابر ستنتهي وسيحل محلها الترحاب وحسن المعاملة والاستقبال الحسن، ولكن بعد مرور أكثر من عام ونيف على ما سمي بالثورة المصرية تبخر هذا التفاؤل المتسرع وبات كسحابة صيف لا تندي ولا ينزل منها مطراً، وقال الفلسطينيون في نفوسهم ( وكأنك يا أبو زيد ما غزيت )، بل قال البعض منهم علانية ( راح مبارك .. جاء المرسي .. هوّ هوّ نفس الكرسي )، ضابط المخابرات في المعابر هو نفسه قد يتغير شكله ولكن لم يتغير فكره أو ثقافته، وضابط أمن الدولة تغير فيه اسمه ليصبح ضابط الدفاع الوطني، أما الفكر والثقافة والسلوك فظلت كما هي وهذه هي الأجدر لأن تتغير وتتبدل.
حينما يقرر أي نظام عربي تدريس الثقافة العروبية والقومية ومفهوم الأمن القومي العربي وسلوك وأخلاق ومنهج الإسلام في الكليات العسكرية والشرطية ومدارس الشرطة ومعاهد الأمن .. حينها سيجد الفلسطيني تحديداً ( المسجل خطر في كل المنافذ العربية ) المعاملة الحسنة والترحاب في كل أقطار العرب، وقبل ذلك سنظل نحلم فقط، ولكننا لن نكفر بالعروبة ولا بالقومية العربية ولا بأمة العرب المقسّمة رغماً عنها، وسنظل الشوكة في حلق هؤلاء المماليك والانكشارية وسلاطينهم.