...

لا يستقـيم الظـل..والعـود أعـوج


أسامة عبدالستار موسى الفرا 


التفاصيل

صفحة جديدة 1

لا يستقـيم الظـل..والعـود أعـوج

                                                                                         بقلم/ أبو يسار

30/11/2009

     بعيد احتلال العراق للكويت وبالتحديد في منتصف شهر آب/أغسطس من العام 1990م، إلتقيت في لندن الكاتب العروبي الجزائري محي الدين عميمور، والذي شغل أيضاً منصب وزير الثقافة في الجزائر لفترة ليست بالقصيرة، وكان معنا الشاعر العراقي الثائر مظفر النواب، وأثناء حوارنا لما آلت إليه أحوالنا كعرب لفت إنتباهي جملة قالها الأستاذ محي الدين، ولا زلت أتذكرها عند كل حدث عربي، فألمس صحتها، وهي تعبير بسيط جداً، وبعيده عن كل التعقيدات والفلسفة التي يجتهد بعض المثقفين والكتاب في اللجوء إليها لتحليل وتفسير ما يحدث على الساحة العربية ليزيدوا الأمر تعقيداً وغموضاً مبتعدين عن الحقيقة التي تغضب حكوماتنا وحكامنا الإنعزاليين الذين لا يستطيعوا رؤية ما هو أبعد من حدود قصورهم المحاطة بأسوار عالية تحجب عنهم رؤية الشارع بنبضه وأحداثة ليظلوا يعيشون في أوهامهم القطرية.. موقعة الجزائر- مصر الكروية أعادتني بالذاكرة لمقولة الأستاذ محي الدين عميمور وهي (لا يستقيم الظل والعود أعوج) هذا التعبير البسيط والتشبيه البليغ للحال العربي يحدد ويشخُص المرض المزمن الذي تعاني منه الأمة، وفي نفس الوقت يطرح العلاج والحل لمن يبحث عن حلول.

والعود هنا هو الحكومات العربية الجاثمة على صدورنا، أما الظل فهو الإعلام المعبر عن سياساتها.. وطالما أن الإعلام حكومي فهو بالنتيجة ليس حراً، لذا نراه إنعكاساً لما تريده الحكومات التي تمتلك كل وسائله من إذاعة وتلفزة وصحافة، وإذا كانت حكوماتنا عوجاء فكيف نريد من ظلها أن يستقيم؟.

     حكوماتنا في الأقطار العربية حكومات قطرية بل فئوية وطائفية وعشائرية لا زالت تعيش في فكر مضر وذبيان وعبس وتغلب التي كانت تغزو وتنهب وتسلب وتتقاتل لأتفه الأسباب، ولم يكن يهمها إلا القبيلة واسمها في الوقت الذي كان يخضع بعضها للفرس وبعضها الأخر للروم ويستقوي أحدهما على الآخر بالفرس أو الروم، واليوم ونحن في الألفية الثالثة يتكرر المنظر القديم.. حكومات تثور على بعضها لأتفه الأسباب، تتقاتل من أجل أغنية هابطه أومغنية أو ممثلة ساقطة، ومن أجل مقاله كُتبت هنا في صحيفة ضد حاكم أو وزير أو مسئول هناك ومن أجل مباراة كرة قدم، ولكنها لم تتقاتل ولم تحرك جيوشها ولم تسحب سفرائها إحتجاجاً ضد العدو الصهيوني عندما دمًر لبنان مراراً وأراق دماء اللبنانيين، ولا عندما دمًر غزة وأراق دماء الفلسطينيين، ولا عندما دنًس الأقصى في القدس ومنع المسلمين من زيارته وأداء الصلاة فيه، ولا عندما هوًد القدس، وبنى آلاف الوحدات السكنية التي تطوق الأقصى، ولا عندما بنى جدار الفصل العنصري وابتلع ثلثي أراضي الضفة الغربية، ولا عندما داس الجيش الأمريكي أرض العراق ودمرها وشرد أهلها وحولها من دولة عصرية حديثة إلى خرابة بدون ماء وكهرباء وحتى غذاء؟! هي نفسها تلك الحكومات التي كانت في الجاهلية قبل نزول الرسالة على سيدنا محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه.. وهي نفسها لا زالت تستقوي على بعضها اليوم بالفرس والروم أيضاً وإن تغيرت الأسماء؟، شيوخ قبائلنا في الماضي السحيق وكانوا هم الحكام تركوا الفرس والروم يعبثون بأرضنا ومصالحنا، وحكامنا اليوم وهم إمتداد لهؤلاء الشيوخ يتركون الآن الفرس والروم بأسمائهم الجديدة المعروفة لنا جميعاً يستبيحون أرضنا وثرواتنا ويهدرون دماءنا ومصالحنا لم يتغير الحال في الجوهر وإن تغير في الشكل، ولا زلنا كشعوب مغلوبة على أمرها نتساءل لماذا وكيف؟ وأين تكمن الحلول؟ والإجابة تتلخص في مقولة الأستاذ محي الدين عميمور وتساؤله كيف نطالب بإستقامة الظل والعود أعوج؟، فطالما ظلت حكوماتنا عوجاء سيظل الإعلام أعوج وستبقى الثقافة عوجاء وكذلك الفن والتعليم والإقتصاد والسياسة، وطالما بقي هذا الحال مستمراً فلن نزداد إلا إعوجاجاً.

     حكوماتنا غير الرشيدة ولا أستثني منها أحداً عوجاء، ولكنها لا ترى إعوجاج رقبتها كالجمل الذي يرى كل شيء حوله إلا إعوجاج رقبته، حكوماتنا ترى عيوب معارضيها وليس لديها القدرة على رؤية عيوبها، كما أنها ترى عيوب أقرانها وتنقدها بشده ولكن عندما تصل الأمور إلى عيوبها هي تقيم الدنيا طبلاً وزمراً وزئيرا، حكوماتنا المتربعة على عروش الفساد ونهب الثروات والبوليس الحديدي الذي يحمي كراسيها تقف عاجزة عن أي فعل تجاه عدو غاصب أو غازٍ معتدٍ قادم للنيل من أرضنا وكرامتنا وشرفنا وعقيدتنا، بينما تتحول إلى أسد غاضب تجاه بعضها البعض عند أي هفوة أو زلة لسان أو مباراة كرة قدم؟.. أليس شيئاً يدعو للعجب ويثير الإستغراب (أسد عليً وفي الحروب نعامةُ) هذا أفضل ما نوصفهم به.. خيًبهم الله وأغاب شمسهم.

     وتعقيباً على الحرب التي قادها جنرالات الإعلام المصري على الجزائر وبالتبادل لا بد من طرح سؤال برسم التعليق لكل أبناء الأمة العربية.. لو كانت الجزائر أو مصر تلعب مع الكاميرون أو غانا على سبيل المثال وخسرت المباراة.. هل كان ما حدث قبل وبعد مباراة الجزائر-مصر سيحدث؟.. الجواب متروك للقراء الأعزاء، وأعان الله أمة العرب ومنحها أجر الصابرين والعاجزين عن أي فعل في ظل وجود حكومات فاسدة وعاجزة.