...

مباراة الجزائر مصر..طبول حرب


أسامة عبدالستار موسى الفرا 


التفاصيل

مباراة الجزائر مصر..طبول حرب

 

بقلم : أبو يسار

13/11/2009م

 

 

منذ شهر والماكنات الإعلامية في مصر والجزائر تطحن كلاماً مسموماً .. غباره سمم كل الأجواء والنفوس العربية ، وهذا للأسف دليل القطرية المفرطة التي تحكم عقول العرب بنخبهم السياسية ومثقفيهم ، ولو كانت هذه الماكنات التي تصرف عليها الأنظمة ملايين الدولارات تطحن قمحاً لأشبعت كل جياع مصر والجزائر والسودان وفلسطين معاً ، ولو كانت هذه الماكنات توجه نشاطها لنصرة القضية الفلسطينية وموضوع القدس التي تُهوَّد على مرأى هؤلاء الممولين لهذه الماكنات والمشرفين عليها وبهذا الحجم الذي سُخرت في هذه الماكنات للطحن في موضوع مباراة كرة قدم تجمع الفريق الجزائري مع نظيره المصري ، لكان حال القدس غير حالها الذي هي عليه الآن.

واللافت للنظر أن كل وسائل الإعلام الحكومية والخاصة ( إذاعة مرئية ومسموعة وصحافة ) في كلا القطرين ( مصر والجزائر ) قد سُخِّرت لدق طبول الحرب بين القبيلة المصرية ونظيرتها الجزائرية .. داحس والغبراء ..، في القديم استمرت الحرب بين قبيلتين عربيتين أربعون عاماً بسبب ناقة ، واليوم تدق طبول الحرب بين داحس الجزائر وغبراء مصر ومنذ أكثر من شهر بسبب لعبة كرة قدم .. كان يجب أن تجمع وتُوحِّد لا أن تشعل حرباً وتفرّق .

لكن العقل العربي المغرق في مستنقع القبليّة والقطرية والعاجز عن الانتقال من هذا المستنقع إلى بستان القومية والعروبة جرّاء ثقافة تشرّبها من أعداء العروبة لا يزال مصراً ومن أجل مصالح فئوية محدودة يعتقد أنه يحققها بمحافظته على ثقافة القطر والقبيلة ، وللأسف فهو لا زال يسيطر على مقاليد الأمور في مختلف الأقطار العربية ، منذ أكثر من شهر وهؤلاء المفرّغين من أي ثقافة قومية وبعيدة عن روح الرياضة التي يجب أن تسود بين شباب العرب يقرعون طبول الحرب ، فعلى الصعيد العربي لو صعد الفريقين الجزائري أو نظيره المصري إلى نهائيات كأس العالم فهذا يكفي شباب العرب لأن فريقاً عربياً تمكن من الوصول للنهائيات ، ولكن ثقافة داحس والغبراء تصر على الاستمرار في تخريب عقول شباب العرب وذلك بالتأكيد بفضل ما زرعه أعداء العروبة في عقول هؤلاء المتربعين على كراسي الحكم في الأمصار العربية.

والجدير ذكره أن كرة القدم لعبة شعبية ويحبها ويشجعها الكبار والصغار ، النخب من المثقفين والعامة من الناس، وبدل أن تكون أداة جامعة يصر أهل السياسة القبليون على تحويلها إلى أداة مفرِّقة ، تخرّب أي تقارب عربي عربي متوقع ، وهذا ما يريده لنا الأعداء.

النخب السياسية الحاكمة في الأقطار العربية التي أفلحت في تخريب كل الوسائل الجامعة للأمة العربية كالفن والثقافة والعقيدة واللغة والأماني المشتركة والاقتصاد ، وحولت أبناء الأمة الواحدة إلى قبائل متصارعة تتقاتل على أتفه الأسباب ، ويا ليت صراعهم كان على الكلأ والنار والماء ، ولو كان ذلك لالتمسنا لها عذراً ، ولكن أن تصل الأمور بهؤلاء لإيصالنا لحرب بسبب الرياضة الجامعة لا المفرقة ، فهذا يجعلنا نرثي لما وصل إليه حالنا من انحطاط وتدني في الفكر والثقافة ، الرياضة لا تعرف التعصب ، وكرة القدم تحديداً لعبة تعشقها جموع الأمة في الحضر والبادية ، لماذا الإصرار على تحويلها إلى لعبة لإفساد العقول وتخريبها ؟! أما آن الأوان أن نخرج من فكر داحس والغبراء ؟، أليس الأفضل لأولئك الإعلاميين في مصر والجزائر أن يذكروا هذا الجيل من الشباب المُجهّل في الجزائر ومصر وعموم أمصار العرب بدور مصر عبد الناصر في نصرة واحتضان الثورة الجزائرية إبان الاستعمار الفرنسي ، لقد قدمت مصر في نهاية الخمسينات وحتى استقلال الجزائر في منتصف الستينات كل الدعم المادي واللوجستي والتسليحي والتدريب للثورة الجزائرية ، وقد شارك المصريون في عملية التحرير وبعد التحرير في بناء الدولة الجزائرية عبر ميادين الصحة والتعليم والبترول والجيش والتسليح ، وهذا ما يًقّر به أهل الجزائر ويعرفوه جيداً ، فلماذا الإصرار الآن على شطب هذا التاريخ المشرّف وتحويله لصراعات بين شعبين شقيقين بسبب مباراة كرة قدم ؟!، إن هذا ما يريده لنا أعداؤنا ، وما لا تريده شعوبنا المغلوبة على أمرها الممنوعة من ممارسة حقوقها في تقرير مصيرها .

واللافت للنظر أن نسبة عالية من أبنائنا هنا في فلسطين مشغولون ومنذ أكثر من شهر بمباراة مصر والجزائر ، وهي شغلهم الشاغل ، وقد استحوذت على عقولهم حيث باتت زادهم وماءهم اليوم ، وقد شغلتهم عن كل مشاكل حياتهم اليومية الحياتية والسياسية ، شغلتهم عن القدس وعن الصراع الداخلي الذي قسّم الوطن وفرق الجماعة وحتى عن مشاكلهم الخاصة؟!، واللافت أيضاً هو تعصبهم للفريق المصري ؟!، وقد حاولتُ أيجاد سبب لذلك فلم أتمكن من الوصول لذلك ، والواجب على هؤلاء الشباب أن ينظروا للجزائر ومصر بنفس العين ، الجزائر ومصر بالنسبة لنا شقيقان قدما لنا الدعم والحماية والرعاية ، مصر احتضنت قضيتنا وثورتنا حتى العام 1970 ، ولكنها بعد ذلك وبسبب تغير أداة الحكم فيها تركتنا نقول يا وحدنا ، أما الجزائر وهذا ما يجب أن يعرفه شبابنا فقد ظلت ولا زالت رغم بعدها الجغرافي حاضنة للثورة والقضية الفلسطينية ، والثقافة السائدة في الجزائر شعبياً ورسمياً " نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة "،فلماذا الانحياز لمصر على الجزائر؟ وبالنسبة لنا كلاهما شقيق نحبه ونقدره ، ومن يفوز يُمثّل شباب العرب.