تقرير جولدستون.. وهذا الضجيج؟
أسامة عبدالستار موسى الفرا
التفاصيل
تقرير جولدستون.. وهذا الضجيج؟
بقلم/ العميد يوسف الفرا "أبو يسار"
التاريخ: 12-10-2009
أثار سحب تقرير القاضي ريتشارد جولدستون حول الحرب التي شنها العدو الصهيوني على غزة ضجيجاً محلياً وإقليمياً وقعقعة تشبه طحن الهواء، وكأن بقاؤه كان سيضع قادة العدو في قفص الاتهام في محاكم جرائم الحرب الدولية، ولا بد أن نناقش هذه القضية بعقلانية وموضوعية بعيداً عن الصراخ والاستغلال السياسي، واستخدامها للهروب من استحقاقات وطنية ضرورية تمس المصالح الفئوية لبعض القوى السياسية، ولا شك أن هذا المقال سيثير حفيظة كثيرين من ذوي النظرة الأحادية والضيقة كونهم لم يقرءوا التقرير ومدى جدواه عملياً لا معنوياً، والجدير ذكره أن القاضي ريتشارد جولدستون يهودي من جنوب أفريقيا وله ابنه صهيونية مستوطنة تعيش في الكيان الصهيوني، ولا بد أن نذكر أيضاً أن القاضي جولدستون قد كتب تقريره بمهنية شابها عدم قدرته على النسيان أنه يهودي، فقد ساوى في تقريره المذكور بين الضحية والجلاد واتهم طرفي الحرب (المعتدي الظالم، والمعتدى عليه) بارتكابهما جرائم حرب ضد الإنسانية، فكيف لنا أن نستوعب أن جيشاً من أقوى جيوش العالم ويمتلك أحدث الأسلحة والتقنية قذف قطاع غزة الذي لا تتجاوز مساحته 327 كيلو متر مربع ويعيش فيه أكثر من مليون ونصف نسمة بملايين الأطنان من القذائف الصاروخية المتعددة والفتاكة وما نتج عنها من دمار شامل لآلاف البيوت والمؤسسات والبنى التحتية، وما رافق ذلك من قتل المواطنين الأبرياء والذين تجاوز عددهم الألفين، يضاف لهم أكثر من عشرة آلاف جريح معظمهم من النساء والأطفال، بينما لم يفقد العدو أكثر من ثلاثة عشر قتيلاً بينهم بعض المدنيين، وعدداً قليلاً جداً من البيوت التي تضررت، كيف لنا أن نستوعب أن بضع مئات من المقاتلين الفلسطينيين سلاحهم محدود وبدائي يعتمد على التصنيع المحلي محدود الفعالية والتأثير ولا يصيب أهدافه بدقة، يتساووا مع ذلك الجيش المجرم الذي لم يفرق بين امرأة وعجوز وطفل وشاب، بين مدرسة أو مستشفى أو جامع أو محطة وقود أو برجاً سكنياً وموقعاً عسكرياً أو مركزاً للشرطة؟.
ولا بد لنا أيضاً أن نؤكد أن هذا التقرير لو قدرّ له أن يناقش ضمن لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة في الدورة السابقة التي انعقدت في جنيف، لما نال النصاب لأن الإدارة الأمريكية ويدعمها الإتحاد الأوروبي لن يصوتوا ضد الكيان الصهيوني، وإن حصل على النصاب في الجمعية العمومية ليُحال إلى مجلس الأمن، فسيكون أمامه الفيتو الأمريكي، فعلى الصعيد العملي لن يقدم لنا هذا التقرير نصراً فقدناه بسبب سوء إدارة القيادة الفلسطينية وقصر نظرها في هذا الجانب، فكل ما كان سيترتب على تقرير القاضي جولدستون (لو) ظل للمناقشة هو إجراء معنوي لا يسمن ولا يُغني من جوع بالنسبة لنا، ولا بد أن نذكّر بكم القرارات التي صدرت عن مجلس الأمن والجمعية العمومية للأمم المتحدة والمتعلقة بالصراع العربي الصهيوني، وكم قراراً منها جرى تنفيذه بدءاً بقرار 242 القاضي بضرورة انسحاب العدو إلى حدود الرابع من حزيران 1967 ومرواً بقرارات حق العودة لللاجئين، والقدس، ووقف الاستيطان، والعديد من القرارات التي لا تعني للعدو أكثر من كونها حبر على ورق، العدو يمتلك القوة ويمتلك الدعم الأمريكي والفيتو الجاهز دائماً في مجلس الأمن، وكل قرار يصدر أو سيصدر عن هيئة الأمم المتحدة بجمعيتها العمومية أو مجلس أمنها بعيداً عن الفصل السابع من ميثاقها ضد العدو الصهيوني سيظل حبراً على ورق ، ولا بد من التذكير أن القرارات التي تصدر تحت الفصل السابع لا تصدر ضد الكيان الصهيوني وإنما ضد الدول التي لا ظهر لها كالعراق ويوغسلافيا السابقة والسودان، أما الكيان الصهيوني فإن الإدارة الأمريكية تظله بظلها في مجلس الأمن وتغطيه دائماً بالفيتو، نحن ندرك ذلك والأشقاء العرب أيضاً، ويدركه كذلك العدو الصهيوني، وعندما تنتهي سياسة الكيل بمكيالين لدى الإدارة الأمريكية المنحازة وبعض دول الإتحاد الأوروبي كألمانيا وبريطانيا وفرنسا حين ذاك يمكننا النظر لقرارات مجلس الأمن والجمعية العمومية، وعندما تتخلص هيئة الأمم المتحدة من هيمنة الدول الكبرى بتعديل ميثاقها الذي يعطي الدول الكبرى حق النقض والاعتراض (الفيتو) كما طالب بذلك الزعيم العربي الليبي معمر القذافي في خطابه الشهير أمام اجتماع الجمعية العمومية في الدورة الأخيرة التي انعقدت الشهر الماضي في نيويورك، حينها يمكننا أن نعّول على قرارات الأمم المتحدة، ودون ذلك فستبقى المسألة كما هي ولن نحصل إلاّ على قرارات ذات تأثير معنوي، وهذا لن يفيدنا بشيء، وببساطة عندما يكون الإنسان جائعاً ويجد من يواسيه بالكلام ويتضامن معه ويؤكد له أنه حزين من أجله، ولا يقدم له رغيفاً يقيه حفر الجوع في بطنه، هل سيشعر بالشبع؟.
ومن جانب آخر قد يعتقد البعض أنني بصدد الدفاع عن سلوك وتصّرف القيادة الفلسطينية عندما أقدمت على سحب التقرير وحجبه عن النقاش في لجنة حقوق الإنسان المنبثقة عن هيئة الأمم المتحدة في جنيف بداية الشهر الجاري، لا شك أنه تصرف خاطئ ومسيء بالنسبة لنا كفلسطينيين وأضّر بالقضية معنوياً لاسيما أمام الدول الشقيقة والصديقة الداعمة لنضال شعبنا الفلسطيني، وهو بلا شك يعّبر عن سوء التقدير وخطأ الحسابات السياسية للقيادة الفلسطينية، ولكنه لا يعطي الحق لذوي المصالح الفئوية المحدودة لاتهام تلك القيادة بالعمالة والخيانة والتواطؤ مع العدو بل ذهب بعض هؤلاء الفئويين والشموليين باتهام حركة فتح التي فجرت الثورة منذ نصف قرن وقادت الكفاح المسلح وقدمت عشرات الآلاف من الشهداء وفي مقدمتهم معظم قياداتها المؤسسة بالانحراف والعمالة والتساوق مع العدو.. يجب أن ندرك أن هناك فرقاً كبيراً بين قيادة أخطأت الحسابات والتقدير وهي القيادة الفلسطينية الشرعية على رأسها المناضل أبو مازن بالطبع وقيادة عميلة خائنة أوجدها العدو وهي مفترضة في ذهن البعض وغير موجودة في وضعنا الفلسطيني، علينا تحريّ الدقة والابتعاد عن القذف والافتراء، ونظل بشراً خطاؤون، وعندما نكتشف أننا أخطأنا علينا أن نعود لرشدنا ونعترف بأننا أخطأنا في حساباتنا، ثم نتراجع عن هذا الخطأ دون خجل، فليس عيباً عندما ندرك أخطاءنا ونعود عنها، وإنما العيب أن نظل مُصّرين على الاستمرار في الخطأ، وهذا ما أقدمت عليه القيادة الشرعية الفلسطينية، عندما اكتشفت خطأها وسوء تقديرها عادت وتراجعت وطالبت بإعادة تقرير جولدستون للمناقشة في لجنة حقوق الإنسان للأمم المتحدة، فلماذا نظل مصّرين على اتهاماتنا وافتراءاتنا على قيادتنا التي تتعرض لسكاكين العدو ومؤامرات الشقيق، ولماذا هذا الاستغلال البشع من قبل جماعات بعينها ولحسابات مصلحيه بحتة لخطأ ارتكبته القيادة الفلسطينية نتيجة سوء حساباتها؟ وهل نسيت تلك الجماعات والتي تعرف نفسها جيداً ما سبّبه سوء تصرفاتها وتقديراتها وحساباتها من أضرار فادحة للقضية الفلسطينية برمتها ولقطاع غزة تحديداً؟ وعلينا أن نجد دائماً عذراً للشقيق والأخ، بعيداً عن التفسيرات الخبيثة والمضرّة وبعيداً عن القذف والشتم والافتراء، وعلينا عدم استغلال الأخطاء لمصالح سياسية فئوية محدودة.
من جانب آخر لا بد أن نؤكد أن الخلافات الفئوية لا يجب أن تؤثر على المصلحة الوطنية، لأن الوطن أكبر من كل الفئات والجماعات والأشخاص، كل هؤلاء إلى زوال أما الوطن فهو الباق، وإذا كان طلب تأجيل مناقشة تقرير جولدستون خطأ مارسته القيادة الفلسطينية، فإن طلب تأجيل التوقيع على وثيقة المصالحة الوطنية التي أعدتها الشقيقة مصر يعتبر خطيئة لا تغتفر، وبكل المقاييس والحسابات فإن الأضرار الناجمة عن تأجيل مناقشة تقرير جولدستون لا يمكن أن تتساوى وبالمطلق مع حجم الخسائر والأضرار الناجمة عن تأجيل المصالحة الوطنية والتي لن تخدم إلا العدو، والعدو فقط، فهل من يقظة ونظرة موضوعية ووقفة مع النفس لأولئك المتوجسين من المصالحة والخائفين على مصالحهم الذاتية والفئوية المحدودة؟.
ربنا أصلح حالنا وأهدنا وأرفع الغل من صدورنا.