...

كلام عن الإرهاب .. -1-


أسامة عبدالستار موسى الفرا 


التفاصيل

كلام عن الإرهاب .. -1-

بقلم : أبو يسار

12/2/2010م

 

تختلف الدول والهيئات الدولية والمنظمات المجتمعية والحركات السياسية في مفهومها لمعنى الإرهاب ، فكل دولة أو هيئة أو منظمة أو حركة تقول بالمعنى الذي يتواءم مع أفكارها وأهدافها ويتفق مع ولا يتعارض مع مصالحها.

والإرهاب موضوع شاق ومتسع ولا يمكن تعريفه بدقة ، ولكن يمكن تشخيصه ومن ثم تصنيفه وتقسيمه إلى أنواع بتنا نراها ونلمسها بوضوح يعفينا من العودة للتعريفات النظرية المختلف عليها أصلاً ، ويعفينا أساساً من العودة إلى أساتذة علم الاجتماع أو القانون ، ويمكننا أن نسلط الضوء على عدة أنواع من الإرهاب الممارس فعلاً الآن والذي مورس أيضاً منذ عدة عقود ..

  • إرهاب الدولة
  • إرهاب الجماعات السرية المسلحة

فإرهاب الدولة ينقسم إلى شقين الأول تمارسه دول تمتلك القوة ضد دول ضعيفة وسنعرض لذلك في مقال منفصل لاحقاً ، والثاني تمارسه الدولة ضد المواطن عبر أجهزتها الاستخبارية المتعددة والتي من المفترض أن تكون لحماية أمن الوطن والمواطن أي حماية الدولة بكل مكوناتها من الاختراقات والنشاطات المعادية ، ولكنها تحولت لحماية النظم الحاكمة ، ومن من ؟؟ من المواطن! ، وهنا لا بد أن ندخل في عملية الارهاب الفكري المتعلقة بحرية الرأي وحق المواطن في التعبير والاختيار بعيداً عن إرادة النظم الحاكمة ، والتي كثيراً ما يدفع المواطن ثمناً باهظاً لها كزجه في سجون تلك النظم الحاكمة والمتحكمة في مصير الوطن والمواطن لاعتراضه على سياسة نظام أو حكومة وأكثر من يتعرض لهذا النوع من الارهاب هم المفكرون والكتاب والصحفيون والناشطون في الهيئات الحقوقية والمغردون دائماً خارج سرب الحكومة ، وهذا يحدث بشكل سافر وبشع في ما يسمى بدول العالم الثالث وتعتبر دولنا العربية النموذج الصارخ للإرهاب الفكري وما أكثر سجناء الرأي في الوطن العربي ولاسيما في تونس وسوريا والمغرب والعراق ومصر والبحرين والسودان وليبيا ، والقاعدة هنا أن من لم يكن مع النظام الحاكم فهو ضده ، وهذا يعني أنه عدو تمارس عليه قوانين المتابعة والملاحقة والاستدعاء الدائم لأجهزة أمن النظام والحجز ومن ثم تقديمه لمحاكم أمن الدولة التي تقضي بتغييبه خلف الشمس في أحدى الزنازين الرطبة والمعتمة .

واللافت للنظر أن الكل يتحدث عن الإرهاب وضرورة مقاومة هذا المرض الخبيث في الوقت الذي يمارس فيه هذا الكل الإرهاب بطرقه الخاصة وحسب رؤيته وبأساليب لا تختلف عنها في دولة تزعم أنها تتبع نظاماً ديموقراطياً كالعديد من دول الغرب والكيان الصهيوني ، ودول تعلن بدون حياء أن نظمها دكتاتورية بحتة ، والمفارقة أن دولة تدّعي أنها راعية للديموقراطية ترعى وتدعم بل وتحمي دولة دكتاتورية عنصرية والأمثلة واضحة وكثيرة يعرفها المواطن العادي بشكل جيد .

  عندنا في الوطن العربي تتفنن وتبدع أجهزة الأمن بمختلف تسمياتها في ملاحقة المواطن الرافض والمعارض لسياسة النظام بخلق وتلفيق تهم جاهزة له تحاسب عليها القوانين الموضوعة والمعدلة حسب مصلحة النظام الحاكم ، وقد تلجأ تلك الأجهزة إلى عمليات قذرة وحقيرة لتشويه سمعة وصورة المعارض تمسه في شرفه ،وقد أثبتت الأجهزة في العديد من الأقطار العربية قدرة عالية في هذا الجانب وقدمت الكثيرين من الرموز الوطنية المعارضة لمحاكم جنائية في قضايا مخلة بالشرف لكسر هذه الرموز في الشارع الوطني بل أبعد من ذلك لتحطيمها نهائياً وفي جعبتي العشرات من الأمثلة أتحفظ عن ذكرها لكي لا أقع في المحظور ، بالإضافة إلى اللجوء لعمليات التصفية الجسدية التي تمارسها الأنظمة في كثير من الحالات والتي طالت العديد من الرموز السياسية المعروفة والذين تمت تصفيتهم بطرق غامضة وغيّبهم النسيان .

الأجهزة الأمنية في الكثير من الأقطار ميكافيلية .. الغاية عندها تبرر الوسيلة ، لا تتعامل بأخلاق ومبادئ وقيم ، وكل ما يهمها خدمة الحاكم للحصول على رضاه وهباته وما يمنحه لها من امتيازات ، كل هذا على حساب المواطن الغلبان الذي يجب أن يمشي جنب الحائط ويقول لنفسه أنا لا أرى ولا أسمع ولا أتكلم ؟!،للإرهاب سحر تمارسه تلك الأجهزة علينا نحن المواطنون ، في الوقت الذي نرى فيه أجهزة العدو تسرح وتمرح في بلداننا العربية بكل أريحية وحرية ، فهي لا تضر بأمن الحاكم ، وطالما ظل الحاكم بخير فنحن والوطن بخير ؟!.

إرهاب الدولة داخل الوطن يتجاوز المواطن ليطال كل القوى والحركات السياسية المعارضة للنظم الحاكمة ، وهنا لا بد من الإشارة إلا أن هذه المعارضة تظل في إطار القانون وما تكفله دساتير البلاد لها أي تبقى في حدود المعارضة السياسية سواء بممارسة حقها داخل ما يسمى مجالس الشعب ( البرلمانات )أو في المجتمع ، ولا تلجأ للسلاح لحل خلافاتها مع النظم الحاكمة ، وبالرغم من ذلك فإنها تتعرض لأساليب الترهيب المتعددة من قبل النظام الحاكم يمارسها عليها بواسطة أجهزته الاستخبارية أحياناً أو بواسطة وسائله الإعلامية المتعددة في أحيان أخرى ، إضافة لدور المال الذي تتحكم في خزائنه النظم الحاكمة ، فكثيراً ما يّهدد الإنسان بقطع عيشه أو طرده من عمله وإغلاق كل المنافذ في وجهه أي باختصار خنقه أو لي ذراعه ليتراجع عن أرائه ومواقفه السياسية ، وهذا يؤشر إلى أساليب الارهاب المتعددة الذي تمارسها النظم الحاكمة ضد مواطنيها ومعارضيها السياسيين ، والذين اعتقدوا أن الديموقراطية تضمن لهم حق الاعتراض وإبداء الآراء المخالفة لسياسة تلك النظم التي لا تحتمل صوتاً معارضاً ، وتجدر الإشارة لظاهرة مهمة برزت في العديد من دول العالم الثالث ومن ضمنها دول عربية يمارس فيها الارهاب أثناء الدورات الانتخابية للتأثير على آراء المواطنين في العملية الانتخابية ، حيث تطلق الحكومة قطعان من البلطجية المسلحين بالجنازير والسكاكين والعصي لينتشروا في المقرات الانتخابية ويمارسوا التهديد والوعيد والضرب إذا لزم الأمر لفرض مرشح الحكومة وجماعة النظام وإبعاد مرشحي المعارضة ، أشكال الارهاب متعددة وتتفنن النظم الحاكمة عبر أدواتها وأجهزتها القمعية التي تبدع يومياً في اكتشاف طرق جديدة ، كالتنصت على المكالمات الهاتفية والتسجيلات السرية عبر زرع الأجهزة في أماكن الإقامة والسكن والعمل ، والتصوير السري والتفتيش في المطارات والموانئ ومنافذ العبور بواسطة الأشعة والكلاب المدربة ، ترهيب وإرهاب معاً يتجدد ويتطور بشكل يومي وتتعاون كل النظم الحاكمة الزاعمة منها بأنها ديموقراطية والمعترفة منها بأنها دكتاتورية في تطوير أساليب الارهاب ضد الوطن والمواطن لتظل في السلطة أطول وقت ممكن ولا عزاء للوطن ولا عزاء للمواطن .

* يتبع الجزء الثاني ..