ما أكثر المنتقدين ... وما أقل فعلهم
أسامة عبدالستار موسى الفرا
التفاصيل
ما أكثر المنتقدين ... وما أقل فعلهم
بقلم : أبو يسار
26/9/2009
دأبت الفصائل والأحزاب الفلسطينية على توجيه السهام لبعضها البعض خارج الغرف المغلقة ، وعلى الفضائيات ووسائل الإعلام المختلفة ، سعياً منها للتنافس بالكلمات فقط ، لاسيما وأن معظم هذه الفصائل والأحزاب قد فقدت قدرتها على الفعل الوطني ، ولم يعد وجودها مؤثراً على الصعيد السياسي ، ولإحساسها بهذه الحقيقة ولتؤكد وجودها فقد باتت تتناول أي حدث أو فعل سياسي بالتشريح أحياناً والتجريح أحياناً أخرى ، بحثاً منها عن موقع تتمكن من خلاله ممارسة الإعلان والدعاية لاسمها الذي أخذ الزمن في طي صفحاته ، وتتناسى قيادات هذه الفصائل والأحزاب أن الدعاية من خلال النقد الجارح لا تضمن لها البقاء أو الاستمرارية ، وأنها ستظل فاقدة لحضورها الوطني طالما ظلت بعيدة عن الفعل السياسي في الوسط الجماهيري الفلسطيني والعربي معاً ، كما أن كثيراً من هذه الفصائل والأحزاب لا زالت ترى أنها تشكّل ثقلاً سياسياً في الساحة الفلسطينية ، وأن بعضها يعتقد أنه ما زال بيضة القبّان ، رغم أن الواقع السياسي قد أثبت أنها لم تعد تملك لا الفعل ولا التأثير في الوسط الجماهيري .
بعض هذه الفصائل أعضاء في منظمة التحرير الفلسطينية ، ولها ممثلين في اللجنة التنفيذية وهي أعلى هيئة قيادية لمنظمة التحرير ، وبإمكان هذه الفصائل والأحزاب أن تمارس النقد أو الاعتراض والمعارضة معاً داخل أطر منظمة التحرير ، لا أن تمارس ذلك عبر وسائل الإعلام والفضائيات ، وكأنها ترسل رسائل لجماهير الشعب بأنها لازالت موجودة ، في الأيام القليلة الماضية لبّى الرئيس أبو مازن رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ورئيس السلطة الوطنية ورئيس دولة فلسطين دعوة الرئيس الأمريكي باراك حسين أوباما لحضور لقاء يشارك فيه رئيس حكومة المستوطنين والفصل العنصري بينيامين نتنياهو ، وقد تصرف الرئيس أبو مازن كرجل دولة وسياسي مسؤول ، وكان لابد أن يحضر هذا اللقاء ، ولو رفض الدعوة لكان تصرفه بعيداً عن المسؤولية ويضر بالمصلحة الوطنية ، ولا أدري ما الضرر من حضور هذا اللقاء الذي لا يعني عودة المفاوضات ، ولا يعني أكثر من كونه لقاءاً بروتوكولياً عادياً استغله الرئيس أبو مازن في تثبيت موقفه أمام الرئيس الأمريكي وكذلك شروطه لاستئناف المفاوضات ، والجدير ذكره أن أسهل الأمور على الرئيس أبو مازن هو أن يرفض اللقاء ، وحينها ستكون القضية الفلسطينية هي الخاسر الأكبر ، ولكن التصرف العقلاني السليم والمسؤول الذي مارسه الرئيس حرم العدو من الاستمرار في الكذب والدعاية ضدنا كفلسطينيين ، وكشف الكذّاب الأكبر نتنياهو أما حليفه وداعمه الإدارة الأمريكية ، ثم لهؤلاء المنتقدين المتفرجين ما الذي سيخسره الرئيس أبو مازن ونحن كفلسطينيين من حضور هذا اللقاء ؟طالما أن موقفنا واضح وشروطنا واضحة ، ولماذا لا تكون الإدارة الأمريكية الحليف العضوي للكيان الصهيوني شاهد على ذلك؟، يضاف إلى ذلك أننا ارتضينا بالمفاوضات طريقاً للحل النهائي وسلّمنا بذلك منذ 13/9/1993م، وكل الفصائل الفلسطينية الممثلة في منظمة التحرير الفلسطينية والغير ممثلة فيها ( حركة حماس ) قد وافقت على حل الدولتين وفق حدود الرابع من حزيران 1967 وحق اللاجئين في العودة والقدس ، إذن لماذا هذا الصراخ وهذه المزايدات على الرئيس أبو مازن ؟ هل يريد هؤلاء القول بأنهم موجودين ؟أم هل هي للتوافق مع أجندات خارجية ؟ والله ما هكذا تورد الإبل وبالتحديد يا فصائل منظمة التحرير الفلسطينية.
أنا كقارئ ومتابع بإمكاني استيعاب مواقف حركة حماس لاسيما وأنها حركة انقلابية انقلبت على شرعية الرئيس أبو مازن واستخدمت السلاح ضده واستولت على غزة وفصلتها عن الضفة ومنعت السلطة الشرعية ومنظمة التحرير من ممارسة أي نشاط سياسي أو جماهيري في قطاع غزة لأهداف معلنة تخصها أهمها الاستيلاء على السلطة كلها في غزة والضفة معاً ، ولكن الغير مستوعب هو جنوح بعض فصائل منظمة التحرير لمهاجمة التصرف المسؤول للرئيس أبو مازن وانتقاده عبر الفضائيات ووسائل الإعلام وكأنه مارس سلوكاً مشيناً ، وأخص بالذكر كلاً من الجبهة الشعبية والديموقراطية وحزب الشعب ( الشيوعي سابقاً )، وهم من شكل ائتلافاً في الانتخابات التشريعية الأخيرة ولم يحصلوا مجتمعين إلا على 4 مقاعد؟، وبالرغم من ذلك فلا نستطيع أن نلغي الدور النضالي والسياسي العظيم الذي مارسته تلك الفصائل في العقود السابقة ومشاركتهم الفعلية والعملية في النهوض بالقضية الفلسطينية من خلال تمثيلهم في منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ، والتي تحظى باعتراف معظم دول العالم لاسيما روسيا والصين واليابان والولايات المتحدة الأمريكية ودول الإتحاد الأوروبي مضافاً إليهم دول أمريكا اللاتينية والعالم الإسلامي وأفريقيا.
فالجبهة الشعبية ( لديها مقعدين في المجلس التشريعي ) ومنذ أن فقدت مؤسسها وقائدها وحكيمها المناضل الكبير جورج حبش ورفيق دربه وساعده الأيمن الأمين العام الثاني الشهيد أبو علي مصطفى ثم أمينها العام الثالث المناضل الأسير أحمد سعدات المغيّب في سجون العدو الصهيوني قد فقدت مركزيتها ، وباتت بلا رأس ، والمراقب بات يرى التخبط والتناقض في المواقف والتصريحات الصادرة عنها ، سواء كانت تصدر في رام الله أو غزة أو دمشق ، وكأن للجغرافيا دور مهم في ما يصدر مسؤوليها ، الجبهة الشعبية لها عضو في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وبإمكانه التعبير بكل صراحة ووضوح عن مواقفها وسياساتها ووجهة نظرها واعتراضها ضمن إطار اللجنة التنفيذية التي يرأسها الرئيس المناضل أبو مازن ، فلماذا إذن الصراخ خارج الأطر؟ومن نريد أن نٌسمع هذا الصراخ ومن نريد أن نٌرضي ؟ لا يجيب على هذا السؤال إلا إذا مركزت الجبهة الشعبية قيادتها لتعود إلى سابق عهدها ، وأريد أن أذكّر هنا بالدور الريادي للراحل المناضل القائد والحكيم جورج حبش عندما كان يختلف وبشدة مع الراحل أبو عمار داخل الأطر والغرف المغلقة ، ثم يخرجا معاً فيقدم الحكيم أبا عمار قائلاً لا كلمة إلا كلمة قائد الثورة ولا قائد إلا أبو عمار .. هل كان ذلك العمل والفعل يصغّر الحكيم ؟ لا.. لقد كان يٌحسب له ويزيد من احترامه وقدره وجماهيريته.نحن بحاجة إلى أمثال الحكيم.
أما الجبهة الديموقراطية ( لديها مقعد واحد في التشريعي ) والتي لم يبقى منها إلا اسمها وأمينها العام المناضل نايف حواتمة وهي ممثلة أيضاً في اللجنة التنفيذية ، وهي بحاجة ملحة للعودة إلى الجذور ، العودة إلى السلوك التنظيمي والسياسي في التعبير عما تريد داخل أطر منظمة التحرير ، وبعيداً عن المنابر الخارجية والتي لا يستفيد منها إلا أعداء منظمة التحرير وأعداء الديموقراطية والتعددية السياسية ، الشموليون الراغبون في الاستيلاء على السلطة بقوة السلاح ليعيدونا إلى الظلام والوراء والجهل معاً .
يبقى حزب الشعب أو الشيوعي سابقاً ( له مقعد واحد في التشريعي ) والممَثل أيضاً في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ، والذي لم تتجاوز نضالاته في كل مراحل النضال الفلسطيني منذ نشأته وحتى الآن مرحلة النضال السلبي ، فهو لم يمارس الكفاح المسلح ولا يؤمن به ، وهذه وجهة نظر قيادته لسنا بصدد نقاشها ، ولكن ما يجب أن تعيه قيادة هذا الحزب أنه لا يجوز أن تقوم بتوجيه سهام النقد والتجريح لقائد ومناضل مارس كل أشكال النضال منذ العام 1958 وكان له شرف الانتماء لحركة رائدة طليعية فجرت الكفاح المسلح وقادت الثورة الفلسطينية 1/1/1965 وحتى يومنا هذا ، هذا القائد والمناضل هو اليوم رئيس دولة فلسطين ومنظمة التحرير والسلطة الوطنية، ويمارس مهامه وصلاحياته بما يمليه عليه ضميره وإحساسه بثقل المسؤولية الوطنية والصالح العام الفلسطيني قبل ما يمليه عليه انتمائه للحركة الرائدة المفجرة للثورة حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتــــــــــح .
من يريد إثبات وجوده فساحة العمل السياسي تتسع للجميع ، والمنافسة الشريفة والنظيفة في العمل السياسي هي المطلوبة أما تلك المرتبطة بالبحث عن الذات دون فعل فلن تجدي ولن تطوّر ، ولن يكون لها أي مردود إلا سلباً سواء على الخاص أو العام ، وكذلك التي تريد أن ترضي أطرافاً إقليمية أو تتساوق مع أجندات خارجية فلن تزيد المعزول إلا عزله ، واسألوا القيادة العامة في دمشق وانظروا لحالها البائس المثير للشفقة . الله أسأل أنه يهدينا لما فيه الخير والصواب.