التجارة المحرمة
أسامة عبدالستار موسى الفرا
التفاصيل
لقاء السبت
التجارة المحرمة
بقلم : أبو يسار
في ظل العولمة ، وانفتاح العالم على بعضه ، وقصر المسافات عبر الانترنت ، باتت التجارة المحرمة تشكل السلاح الفتّاك الذي يهدد هذا العالم المترامي الأطراف ، وقد يذهب البعض سريعاً عن هذا الموضوع معتقداً بأنه يدور حول التهريب ، وبالتالي فهو لا يعنيه.
وفي الحقيقة فإن موضوع التجارة المحرمة بات يعني كل فرد يعيش على هذه الأرض ، لأنه يهدد العالم مجتمعاً ، فالمسألة ليست مسؤولية دولة أو شعب أو جماعة بعينها ، وإنما هي مسؤولية دولية جماعية لاتقاء شر هذا الوباء المنتشر في العديد من البلدان.
يشرف على هذه التجارة ما هو معروف باسم المافيا ، والمافيا هي منظمة إجرامية دولية عالية التنظيم والمركزية حديدية التشكيل وتتسم بالسرية المطلقة تتبع أحدث الطرق في التنظيم والإدارة والتسليح والاتصالات ، ولديها إمكانيات بشرية نوعية وميزانية مالية تضاهي ميزانية عدة دول مجتمعة ، لاسيما وهي تتحكم في آلاف مليارات الدولارات وتملك العديد من العلاقات مع أنظمة وحكام تمكنها من غسيل أموالها لاستخدامها في البنوك والمشاريع المختلفة وتتمركز رؤوس هذه المنظمة الإجرامية في أهم العواصم والمدن العالمية كنيويورك وشيكاغو وروما وصقلية وجنوه وباريس وموسكو وبانكوك وبوخارست وليما سول والبيرو وكولومبيا وكوستاريكا ولها مندوبين في العديد من الدول العربية كتونس ومصر والمغرب ولبنان وفلسطين المحتلة ( إسرائيل ) والبحرين ، وفي كثير من الأحيان تتعاون هذه المنظمة مع العديد من أجهزة المخابرات العالمية مقابل مصالح متبادلة ومتشابكة ولهذا فهي تجد الحماية والغطاء في العديد من الدول .
ويتفرع نشاط هذه المنظمة إلى ثلاث قنوات أساسية تدر من خلاله أموالاً طائلة ، وهذه النشاطات كلها تجارة غير مشروعة تتناقض مع القوانين الدولية والشرعية وحقوق الإنسان ، وقد أكد الأمين العام المساعد للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في تقريره المقدم لمجلس الأمن يوم الاثنين 16-2-2009م أن الخطر الأكبر الذي يواجه هيئة الأمم المتحدة وشعوب العالم والأكثر خطورة على الإنسان هي منظمات الجريمة التي تمارس التجارة المحرمة ، وطالب مجلس الأمن بضرورة التحرك لوقف هذا الغول الذي لا يرحم وحثه على توحيد الجهود لمواجهة نشاطات هذه المنظمات المجرمة، وقد صنف التقرير المذكور هذه المنظمات الإجرامية بالعدو الأول للدول والإنسان معاً .
فيما تتاجر هذه المنظمة الدولية ( المافيا ) ؟.. باختصار إن ما يدرّ هذه المليارات هو التجارة في البشر ثم المخدرات ثم السلاح ، وهذه السلع الثلاث تتقاسمها المافيا عبر قنواتها الثلاث الأساسية ، حيث يتخصص كل قسم من هذا الثالوث في سلعة بعينها ، قسم يتخصص في تجارة البشر أي تجارة الجنس والرقيق الأبيض وينشط هذا القسم في جنوب شرق آسيا بالإضافة إلى لبنان والعراق ومصر وتونس والمغرب في المنطقة العربية وروسيا وأوكرانيا ورومانيا وبولندا في أوروبا والحبشة والصومال وكينيا ونيجيريا والكنغو في إفريقيا والبيرو والبرازيل والأرجنتين وكولومبيا والإكوادور وتشيلي في أمريكا الجنوبية.
وبأساليب مختلفة من خلا عملاء يزورون الوثائق ويضللون الفتيات وذويهن بعقود عمل أو زواج مزورة ثم يتحكموا بمصير هؤلاء المساكين من البشر ويجبروهم على العمل كيفما أرادوا في أسواق الدعارة العالمية المنتشرة في العديد من أقطار العالم علناً ، أو سراً كما يحدث في عواصم دول الخليج .
والقسم الثاني يتخصص في تجارة المخدرات ومركزه في أمريكا اللاتينية وجنوب ووسط آسيا ويشرف على زراعة وتصنيع وتسويق المخدرات عبر العالم وبطرق متعددة كثيراً ما يجري تسهيلها عبر أجهزة حكومية رسمية لأهداف سياسية واقتصادية معاً .
أما القسم الثالث فيتخصص في بيع وتجارة السلاح المهرب لجماعات متطرفة أو متمردة أو منشقة أو خارجة عن القانون ، ويساعد المافيا في هذا الجانب أيضاً أجهزة حكومية ولنفس الأسباب السياسية لخلق الفتن والمشاكل الداخلية للعديد من الدول ، ويقف خلف هذا النشاط عدد من الأجهزة الاستخبارية في مقدمته جهاز المخابرات المركزية الأمريكية والموساد الصهيوني ، ولو نظرنا إلى المتمردة في أمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا لوجدنا أصابع المخابرات الأمريكية تعبث في عملية تسليح هذه الجماعات لأهداف سياسية بحتة.
والخوف لدينا هنا في الأراضي الفلسطينية من سلاحين خطيرين قد تتمكن أجهزة العدو الاستخبارية باستخدامهما من النفاذ لمجتمعنا مستغلة عوامل اجتماعية كحالة الفقر والحاجة التي يعاني منها مجتمعنا الفلسطيني لأن هناك ما يقارب نصف عدد السكان يعيشون تحت خط الفقر ، ففي غزة ما يزيد عن مائة ألف أسرة أربابها من العمل المنقطعين عن العمل منذ 10 سنوات ولا دخل لهم بشكل مطلق وهذه بحده الأدنى يشكل ما يقارب نصف سكان غزة ، والموساد الصهيوني المتعاون مع المافيا في العديد من الأنشطة قد يستغل حاجة هؤلاء الفقراء المعدمون من خلال مندوبي المافيا في أخطر تجارة وهي تجارة الجنس والرقيق الأبيض وهو نفس ما فعله مع أهلنا في مخيمات لبنان نهاية السبعينات وبداية الثمانينات بالإضافة إلى تجارة المخدرات ، والفقر ملعون كمرض السرطان الخبيث ، وهو أخطر آفات العصر كونه يشكل أوسع البوابات للتجارة المحرمة ، لقد قال الإمام عليه رضي الله عنه (( لو كان الفقر رجلاً لقتلته )) ، هل يلفت هذا الموضوع نظر القيادة السياسية الفلسطينية وهل وضعت هذه القيادة خططاً ولو متواضعة لمواجهة هذا الخطر المدمر ؟، أتمنى كمواطن أن يكون لدى القيادة السياسية المنشغلة بالعديد من القضايا الصغيرة وقتاً تفكر فيه بمصير شعبها لأن الإنسان هو الثروة قبل الأرض ، والأرض بلا إنسان يعمرها ويحميها تظل بوار ، الإنسان أغلى بكثير من الأرض ، هل تفهم القيادة الفلسطينية هذه الحقيقة ؟! ربما .. إن كانت تفهم فعليها مواجهة ذلك قبل فوات الأوان كي لا تضيع الأرض والإنسان معاً.