عام ونيف على رحيل بي نظير الشهيدة
أسامة عبدالستار موسى الفرا
التفاصيل
لقاء السبت
عام ونيف على رحيل بي نظير الشهيدة
بقلم : أبو يسار
تعودت أن أطل عليكم صباح السبت من كل أسبوع ، وكنت أرغب في استكمال مقالي السابق حول المجرم جورج بوش ، ولكنني آثرت تأجيل هذا لثلاثة أسباب ، الأول يخصني حيث أنني لم أستكمل بعض البيانات عن هذا المجرم ، والثاني يخصكم أعزائي القراء رحمةً بكم لما تسببه لكم سيرة هذا المجرم من ألم وقرف واشمئزاز وقهر ، فقررت أن أريحكم مؤقتاً من رائحة هذا المجرم المنتنة والكريهة ، ولكن شقيقاً عراقياً حراً يعمل في حقل الصحافة نفس بعضاً من قهرنا حينما قذف المجرم بوش أما كاميرات التلفزة ، بحذائه فأدخل بعضاً من السرور على نفوسنا المغتاظة مما نراه عندنا وحولنا ( سأُفرد له مقالاً خاصاً ) ، قهر في الخارج وقهر في الداخل يمارسه ذوي القربى وما أشده من قهر ، وافتراء على الحجاج حيث منعوا من أداء فريضة الحج كونهم ذاهبين للتدريب على المتفجرات والتفخيخ؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!،
وتبذير ومغالاة في الصرف وأقمشة ورايات وملصقات لو صرفت ميزانيتها في الاتجاه الصحيح لغطت احتياجات عشرين ألفاً من الأسر المحتاجة في حدها الأدنى ، لاسيما ونحن نغرق في نور الكهرباء ونصدر ما يفيض عنا من غاز الطهي لجيراننا ، ونستحم بالحليب واللبن ونطعم ما نربي من ماشية وطيور التفاح والفراولة والكمثرى حيث تفيض عن حاجتنا فلا نجد لها تصريفاً؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!.
والسبب الثالث هو رغبتي في فتح بوابة تفوح منها رائحة المسك والعود والعنبر نتنفسها أنا وأنتم معاً فنشعر بالراحة والانتعاش ، إنها الرائحة المنبعثة من سيرة الشهيدة الصديقة بي نظير بوتو والتي سأتناولها في مقال من جزأين وفاء لهذه السيدة الكريمة الأبية والجميلة التي عرفتها وخبرتها عن قرب ، فعسى أن يسعفني القلم لأوفيها حقها بما يتناسب وروحها الكريمة.
ولدت بي نظير ذو الفقّار علي بوتو في منتصف شهر أغسطس من عام 1953 في مدينة لاركانا بمقاطعة السند ، وهي الابنة البكر للشهيد الزعيم ذو الفقّار علي بوتو زعيم حزب الشعب الباكستاني ورئيس الوزراء عقد السبعينات في القرن الماضي والذي كان مؤيداً ومناصراً للقضية الفلسطينية وعموم القضايا العربية فكان أول حاكم باكستاني (غير عربي) يقف بقوة إلى جانب الحق العربي في عملية الصراع العربي الصهيوني ، كان مناصراً حقيقياً للثورة الفلسطينية التي منحها في فترة حكمه كل الدعم السياسي والعسكري حيث فتح أبواب الجامعات الباكستانية الأكاديميات العسكرية للطلبة الفلسطينيين فخرجت المئات من الكوادر المدنية والعسكرية ( أطباء ، مهندسين ، كيميائيين ، ضباط ) وهذا لم يرق لأعداء الثورة الفلسطينية ( الإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني ) حيث رتبوا انقلاباً عسكرياً نفذه في عام 1979 الجنرال ضياء الحق الذي كان يشغل قائد الجيش آنذاك واعتقل الشهيد ذو الفقّار وأعدم في محاكمة مسرحية عسكرية اشتهر بعدها الجنرال المذكور سيء الصيت والصورة باسم ضيّاع الحق .
كان لبي نظير الابنة آنذاك 26 ربيعاً ، وكان عليها وهي التي يعني أسمها باللغة الأوردية ( لا مثيل لها ) أن تواجه المسؤولية الثقيلة وأن تتحمل عبئ ما تركه والده الشهيد من إرث سياسي ليس في مقدور فتاة جميلة شابة أن تحمله .
ولكنها وهي ابنة القدر كما أحبت أن تطلق على نفسها تصدت للمسؤولية عندما أصرت قيادة حزب الشعب أن تسلمها قيادة الحزب خلفاً لوالدها الشهيد ، لاسيما وهي الحاصلة على الشهادة العليا في الاقتصاد والعلوم السياسية من جامعة أكسفورد.
بعيد مقتل الجنرال ضياع الحق الحاكم العسكري لباكستان الذي عطل الحياة السياسية عقداً كاملاً من الزمن ( 1979 – 1988 ) خاضت بي نظير الانتخابات في العام 1988 وفازت مع حزبها في تلك الانتخابات ، الأمر الذي دفعها لتولي رئاسة الحكومة لتكون بذلك أول سيدة ( فتاة ) تترأس الوزارة في باكستان ولم يكن عمرها آنذاك قد تجاوز 35 ربيعاً.
سارت بي نظير بوتو على خطى ونهج والدها ، ولم يعجب ذلك العديد من القوى المحلية والإقليمية والدولية التي لا تريد الخير لباكستان حيث تآمرت تلك القوى على إخراجها من الحكم بعد عامين من توليها رئاسة الحكومة.
إبان رئاستها الأولى تزوجت بي نظير من شاب باكستاني هو آصف زرداري ( رئيس باكستان الحالي ) من عائلة ثرية بإقليم السند الذي تتمي إليه بي نظير بوتو.
غادرت بي نظير بوتو باكستان مجبرة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة في العام 1991 لتعيش في منفاها القريب من باكستان لتظل على صلة مع قيادات وكوادر حزبها في الداخل ، ولتكون في ضيافة المرحوم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة والذي كان يكن لوالدها الشهيد معزة وتقدير خاص.
وبعد فشل خصومها المحليين في إثبات ادعاءاتهم عليها بالفساد ، وتبرئتها من قبل المحكمة العليا عادت مرة أخرى إلى باكستان ، وخاضت الانتخابات مجدداً 1993 والتي فازت فيها بأغلبية ساحقة دفعتها لتولي رئاسة الحكومة مجدداً ولتعود مرة أخرى بباكستان إلى خطى ونهج الشهيد ذو الفقًار علي بوتو.
وتستمر بي نظير أو ابنة القدر في قيادة باكستان بكل شجاعة وقدرة واتزان سياسي لثلاث أعوام أخرى للتعرض من جديد لمؤامرات قوى الظلام المحلية التي أجبرت الرئيس الباكستاني آنذاك فاروق ليجري لإقالة حكومة السيدة بي نظير في نهاية العام 1995 بتهم فساد أيضاً؟؟!! وهي نفس الاسطوانة التي تتكرر في باكستان .
وضعت بي نظير تحت الحراسة ، وقدمت للمحاكمة مرة أخرى بتهم الفساد ؟؟! ، ولكن عدالة القدر .. عدالة الله تنصف تلك السيدة الفاضلة الجليلة وتبرئ المحكمة العليا مجدداً السيدة بي نظير من كل التهم التي حاولت عصابات الظلام في باكستان إلصاقها بها ، وبالرغم من ذلك لم تتحمل تلك القوى الظلامية المتأسلمة وجود ابنة القدر في باكستان ، لتنفى مجدداً إلى دبي وفي ضيافة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مع زوجها وأولادها ووالدتها ، وتستمر السيدة الجليلة في قيادة حزب الشعب من منفاها لمدة عقداً كاملاً من الزمن تعرضت حلالها بلادها باكستان لأحداث جسام حيث قام الجنرال مشرف بانقلاب عسكري في العام 1999 ليقضي على الحياة السياسية في باكستان وينصب نفسه حالكماً عسكرياً ، الأمر الذي أسهم بقوة في نمو الجماعات الظلامية الإرهابية ، تنامت قوى الظلام وتنامت القبلية والجماعات المسلحة وباتت باكستان مرتعاً للفساد .. فساد الجيش والجماعات المتأسلمة والعصابات والقلائل ، ونتيجة لضغوط إقليمية ودولية على الحاكم العسكري الجنرال مشرف ولإدراكه متأخراً أن باكستان ذاهبة إلى المجهول قرر العودة للحياة السياسية من جديد وتنازل عن قيادة الجيش ليكون رئيساً مدنياً يدعوا لإجراء انتخابات.
وهنا تقرر المرأة الناضجة الشجاعة بي نظير بوتو أن تغادر منفاها عائدة إلى بلادها بمفردها التي تحولت بعد عقد من الحكم العسكري إلى غابة من العصابات الظلامية الإجرامية.
عادت بي نظير إلى قدرها في أكتوبر من عام 2007 ، لتخوض الانتخابات مجدداً وهي تعلم مدى خطورة ذك على حياتها ، وتدرك أيضاً أن أعداء الحرية والديمقراطية باتوا كثر ، وهي متأكدة أنها عائدة للمواجهة مع تلك القوى المجرمة التي تقتل وتغتال وتفجر لتُسكن باكستان في الظلام ، ابنة القدر بي نظير عادت لقدرها وهي تعرف أن الجنرال مشرف يتربص بها وأن العديد من رؤوس الفساد يتربصون بها ، وأن قوى الظلام والإرهاب تتربص بها ، كل ذلك لم يثنها عن دورها وعن رسالتها وعن عهدها لوالدها وعن حبها لبلدها وشعبها .
لم تكن عودتها من أجل كرسي رئاسة الحكومة بل من أجل حبها لباكستان ومن أجل حبها للتضحية ، ومن أجل حبها لوالدها الشهيد الذي قضت وهي حريصة على الوفاء له بحمل رسالته وفكره والاستمرار على نهجه.
هكذا كانت ابنة القدر الشهيدة .. كان بإمكانها أن تتجنب كل ذلك وتعيش كسيدة تهتم بنفسها وأولادها وبيتها في دبي التي وفرت لها كل سبل الراحة ، لكن نداء الواجب لم يترك لها فرصة الراحة والحياة بعيداً عن المتاعب ، عادت لبلادها وهي ابنة القدر لتكون على موعد مع القدر تقضي شهيدة وترقد بهدوء في حضن والدها الشهيد .
لك الجنة يا بي نظير يا ابنة ذو الفقار لك الحب والدعاء والرحمة أيتها الجليلة .
يتبع الجزء الثاني......