انهيار الدولار , بداية النهاية للإمبراطورية الأمريكية
أسامة عبدالستار موسى الفرا
التفاصيل
انهيار الدولار . . بداية النهاية للإمبراطورية الأمريكية بقلم:يوسف الفرا (أبو يسار) للدولار فعل خاص ، ظل هذا الفعل طيلة العقود الماضية متصاعداً ، فالدولار يغطي العالم من أقصى شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه من حيث التعامل في الأسواق والتبادل التجاري بين الدول والعمليات البنكية والأرصدة والقياسات المالية ، والصناعات وعلى رأسها صناعتي النفط والسلاح ، والقروض والمساعدات . . وحتى ميزانيات الدول يجري ترصيدها بهذا الدولار . وهذا يعني أن الاقتصاد العالمي يعتمد على الدولار ، وهنا يكمن سر قوة الولايات المتحدة الأمريكية ومدى نفوذها العالمي وهيمنتها على القرار الدولي. وتجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية قد تمكنت من هزيمة عدوها اللدود الاتحاد السوفيتي في نهاية القرن الماضي اقتصادياً وبسلاحها الفتاك الدولار دون اللجوء لحرب نووية أو حرب النجوم كما كان يعتقد الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون . وهذا ما دفع الولايات المتحدة الأمريكية للتفرد بالقرار الدولي دون شريك أو معارض ، الأمر الذي لفت انتباه العديد من الدول لهذا الموضوع مما دفعها للاهتمام بهذا الجانب لتجد لنفسها مكاناً في عملية الصراع الدولي على البقاء والتأثير في القرار ومن ثم النفوذ ، وشمل ذلك حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية وشركاؤها في حلف الناتو ، فالدول الأوربية رأت أن تكون شريكاً منافساً لا تابعاً للولايات المتحدة من خلال تكوينها مجلس الوحدة الأوربية وما نتج عنه من خطوات عملية للوحدة الاقتصادية وإيجاد نظام مالي مشترك لهذه الدول يجعلها منافساً قوياً على الصعيد الاقتصادي العالمي للولايات المتحدة الأمريكية ، إضافة إلى المارد الصيني الذي تعلّم من تجربة سقوط الاتحاد السوفيتي واستفاد منها في زمن قياسي فبادر إلى عملية هجوم اقتصادية داخل حدود الولايات المتحدة الأمريكية حيث غزاها بصناعاته وبضائعه لا بسلاحه النووي أو صواريخه وطائراته ، والجدير بالذكر أن حجم التبادل التجاري بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية يبلغ في اليوم الواحد خمسة مليارات دولار ، مع الإشارة إلى أن الولايات المتحدة هي الطرف المستورد من الصين وليس العكس. في ظل هذا النمو الاقتصادي الأوربي من جهة ، والصيني الجنوب شرق آسيوي من جهة أخرى ، تراجع الاقتصاد الأمريكي الذي كان يشكل ما يربو على 30% من الاقتصاد العالمي حتى بدايات القرن ، الأمر الذي انعكس على الدولار الذي كان يغطي العالم من حيث التعامل المالي ليسقط إلى قاع سلة العملات ليطفو فوقه كاملاً من اليورو والين الياباني والفرنك السويسري مما دفع العديد من الدول للتفكير بالتخلّي عن الدولار واعتماد اليورو أو الين أو الفرنك السويسري في كل عملياتها الاقتصادية وتبادلاتها التجارية واستثماراتها ، وهذا ما زاد في سرعة انهيار الدولار عالمياً من جهة وارتفاع أسعار النفط بشكل جنوني من جهة أخرى ، الأمر الذي رتّب على الولايات المتحدة الأمريكية أعباءاً اقتصادية تمثلت في زيادة الدين الأمريكي إلى رقم خيالي بلغ اثني عشر ألفا وتسعمائة مليار دولار؟! , ليس هذا فحسب فالولايات المتحدة باتت معرضة لانهيار اقتصادي شامل إذا ما تخلى العالم كلياً عن الدولار في تعاملاته واعتمد اليورو واليّن والفرنك في تعاملاته الاقتصادية ، قد يسأل البعض لماذا ؟ إنها مجرد تغيير عملة بعملة أخرى؟ ، والإجابة ليست بهذه البساطة وليست عملية استبدال عملة بأخرى ، ففي حال تخلي العالم عن الدولار سيصبح هذا الدولار مجرد ورق تطبعه أمريكا لاستخدامه داخلياً كأي عملة محلية في أي دولة أخرى ولا أريد أن أقول أنه سيصبح كالروبل السوفيتي في نهاية القرن الماضي أو حتى الدينار العراقي في هذه الأيام. الاتحاد السوفيتي لم ينهار عسكرياً . . إنما انهار اقتصادياً وتحول إلى دويلات صغيرة لا يُذكر منها إلاّ روسيا والتي رأت قيادتها مؤخراً أنها لن تكون دولة عظمى إلا إذا رسّخت أقدامها اقتصادياً فبدأت تعود للمنافسة عبر شركاتها ومصانعها واستثماراتها من جديد في آسيا وأفريقيا وأمريكيا اللاتينية. كل هذا يأتي على حساب أو فاتورة الولايات المتحدة الأمريكية وإذا استمر هذا الحال ، وهذا ما نراه فإن الولايات المتحدة تخطو بسرعة تجاه مصير يشبه لحد بعيد مصير الاتحاد السوفيتي الذي انهار وتمّزق بفعل انهيار اقتصاده رغم امتلاكه أكبر ترسانة سلاح نووي لم تمتلكها أمريكا في حينه. وما يسّرع في هذا أيضاً هو السياسة الخرقاء التي تتبعها الإدارة الأمريكية وما ارتكبته من حماقات حمّل الاقتصاد الأمريكي أعباءاً كبيرة جراء غزوها لكل من أفغانستان والعراق ، فحرب أفغانستان تستنزف سنوياً من الاقتصاد الأمريكي تسعمائة وستون مليار دولار ، بينما استنزفت حرب العراق منذ بدأتها الإدارة الأمريكية الخرقاء في مارس 2003 وحتى الآن ثلاثة آلاف مليار دولار ، ولازالت عملية الاستنزاف مستمرة كشلال ماء ينحدر من أعلى الجبل إلى قاع الوادي ، فرٌب ضارة نافعة ، وعسى أن تكون نتائج ربيع بغداد 2003 على أمريكيا كنتائج ربيع براغ 1968 على الاتحاد السوفيتي ، والتي كانت بداية النهاية للاتحاد السوفيتي الذي انتهى فعليّاَ خلال ثلاثة عقود فيما بعد. كل المؤشرات الاقتصادية كالارتفاع الجنوني لأسعار النفط وكذلك أسعار القمح والأرز (وهما المادتان الأساسيتان في الغذاء) مقابل الدولار ، إضافة إلى الهبوط الحاد لسعر الدولار في سلة العملات مقابل الذهب والفضة تشير إلى تراجع كبير في الاقتصاد الأمريكي تبّشر بانهيار متسارع لهذه الإمبراطورية وإن بعد حين.