صرخة مضادة وسط ضجيج غزة الصاخب
أسامة عبدالستار موسى الفرا
التفاصيل
صرخة مضادة وسط ضجيج غزة الصاخب
قد يبدو هذا المقال غريباً وغزة تلملم جراحها وتنتشل أشلاء ضحاياها الأبرياء ؛ سيكتب الكثير عن صمود غزة وعصيانها على جبروت الغزاة وهذا أقل ما تستحق ، ولكن لأجل غزة و كل فلسطيني ح...
قد يبدو هذا المقال غريباً وغزة تلملم جراحها وتنتشل أشلاء ضحاياها الأبرياء ؛ سيكتب الكثير عن صمود غزة وعصيانها على جبروت الغزاة وهذا أقل ما تستحق ، ولكن لأجل غزة و كل فلسطيني ح...
ر وشريف لن أدفن رأسي في الرمل كم تعودنا في ظروف مأساوية كهذه ولن انضم إلى جوقة المداحين الهتافين دون النظر إلى بعض الحقائق المؤلمة .
العام 1988 في خضم الإنتفاضة الأولى والمكان رفح ، صديق لي يمشي مع زميل له ، في إتجاه مكان عملهما ، يقترب منهما إثنان من نشطاء الإنتفاضة الأولى ، في لمح البصر تنطلق الرصاصات لتقتل زميل صديقي ، الرجل يلفظ أنفاسه الأخيرة ، يمسك بصديقي داخل سياره الإسعاف يئن بلهجته الغزاوية آخر كلماته : أمانه ياخو تقول للناس ؛ أنا مش عميل يا خو . لم يكن الرجل عميلاً ويصدر بعدها الإعتذار ، قتل بطريق الخطأ ، بعد أن صدر البيان الأول يمجد هذه العملية . كالعادة لم تتخذ أي إجراءات لمحاسبة هؤلاء القتلة حتى وإن كانوا مناضلين . قصة من عشرات القصص وربما أكثرها بلاغة ذلك القائد الشاب الذي تفاخر بأنه قتل 36 عميلاً ثبت بعدها أن سبعة منهم على الأقال كانوا ابرياء ، لم يكتف هذا المغوار بذلك بل قتل احد العملاء أمام مصور صحيفة معاريف ألإسرائيلية لإثبات بطولته والتعريف بوطنيته . بالطبع لم يحاسب بل ارسلت القيادة الفلسطينية طائرة خاصة لأخذه من القاهرة إلى تونس فالهدف ، وهذا للأسف ديدن جميع التنظيمات ، هو عدد الأتباع المؤثرين كهذا ، الذين يستطيعون السيطرة على الشارع والكوادر، وهذا ما أضعف حركتنا المقاومة كثيراً .
تذكرت هذه القصة وأن أشاهد بهلع مثل الكثير من الفلسطينيين جثث العملاء وهي تسحل خلف الدراجات النارية ، خلال الهجوم الاسرائلي الوحشي ، في شوارع غزة في إحتفالية أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها همجية بكل المقاييس سواء الدينية ، ممن يدعي الفاعلين اتباعها ، أم غيرها و التي لا يمكن أن تقر هكذا جريمة .
تزداد قسوة المحتل وبطشه ومعهما تتكرر اخطاءنا بل وتنمو باضطراد : في رام الله وخلال الإنتفاضة الثانية قتل عميل وسحل في الشوارع وعلقت جثته في دوار المنارة وفي الخليل سحل ثلاثة عملاء في الشوارع وكله بالطبع تحت أعين الصحافة الأجنبية و التي منها من يفرك يديه فرحاً بمشاهد وحشية كهذه ويستغلها ضدنا وقضيتنا العادلة أيما إستغلال ؛ نعم وحشية ، لم أخطئ التعبير. لنفترض أن هؤلاء كانوا بالفعل عملاء بل ولنؤكد : كانوا عملاء ؛ هل هذه هي أخلاقنا ، يقتلون دون محاكمة ، بلا قاضي ، دفاع ، أي بإختصار بلا عادلة .
نعم كلنا غضب بل وحقد على العملاء وجلنا يتمنون انقراضهم ونتفهم فوره الدم ولكن أهذا هو المجتمع الذي نريد تحرير وطننا لنبنيه ؛ إن لم نسأل هذه الأسئلة الآن فمتى ؟؛ هكذا وبكل بساطة أصبح نشطاءنا المناضلين وكلاء نيابة ، قضاة ومنفذين ؛ لو يعلم هؤلاء أي سلاح اعطوه لعدونا وآلته الإعلامية الضخمة المدعومة دولياً والتي يناضل الكثير منا ضدها ؛ لو يعلمون مقدار الضرر الذي سببوه ؛ لو يعلمون أنهم وضعوا كل مناصر لعذابات شعبنا وجراحة في خندق الدفاع ، و لو لحظة ، بدلاً من الهجوم ؛ لو يعلمون الأذى الذي تسببوا به لجراحات الضحايا الأبرياء الذين يستحقون العدالة بدل الإدانة ، لربما لفكروا ولو للحظة وراجعوا أنفسهم.
أهذا ما نريد لاطفالنا أن يروه ؛ الا يكفيهم صدمتهم النفسية عبر عقود من القهر الإحتلالي ، الا نفكر ولو لحظة واحدة في مشاعر أهالي هؤلاء العملاء وكونهم أبناء وبنات شعبنا وواجبنا أن نحرص عليهم كونهم لا ذنب لهم في جريمة ابنهم أو بنتهم بل وبعضهم ربما ساهم في العمليات المقاومة والأمثلة كثيرة . الم نتعلم من الماضي المؤلم وكم إبن أو قريب لعميل تحول إلى العمالة بعد مشاهدته لمناظر كهذه . أنا شخصياً أعرف بعض الحالات وغيري يعرف الكثير.
إلى متى سيطغى الصراخ العالي على العقل ؛ إلى متى سنسكت عن الخطأ حتى ولو كان قد إرتكب لهدف نبيل كتخليص المجتمع من اخطر ما يحتويه. إلى متى ؟ .
بعيدا عن المزايدات التي إحترفناها حتى قرفناها ؛ أحلم باليوم الذي ستطغى فيه انسانيتنا واحترامنا للعدالة ، المحرومين نحن منها، ولو حتى تحت القصف والذبح ، على فورة دمنا ورغبتنا في الإنتقام . عندها سنضع لبنة قوية أخرى في طريق كفاحنا العادل لهزيمة المحتل.
أذكر يوماً أن صديقاً مناضلاً سجن لسنين طويله في سجون الإحتلال وصلت إلى ستة عشر وإشترك في العديد من العمليا ت داخل العمق الصهيوني ، قال لي: إن لم أبك حتى على عدوي عندما أقتله فلست إنساناً ؛ هذا هو المناضل الفلسطيني ذو الفكر الثوري الحقيقي الذي يدرك أن مقاومتنا الشرعية وما يصاحبها من عنف مبرر ليست إلا رد فعل لعقود طويلة من القهر والإقتلاع فرضت علينا ولكنها لن تلغي انسانيتنا أو طبيعتنا المحبة لكل ما هو حي . هذا هو الفكر الذي لن يدفعنا إلى العفو عن العميل ولكن إلى العض على الجرح واعطائه فرصته في العدالة. هذا الفكر هو الذي يصنع الانتصار الحقيقي.
مشير الفرا
العام 1988 في خضم الإنتفاضة الأولى والمكان رفح ، صديق لي يمشي مع زميل له ، في إتجاه مكان عملهما ، يقترب منهما إثنان من نشطاء الإنتفاضة الأولى ، في لمح البصر تنطلق الرصاصات لتقتل زميل صديقي ، الرجل يلفظ أنفاسه الأخيرة ، يمسك بصديقي داخل سياره الإسعاف يئن بلهجته الغزاوية آخر كلماته : أمانه ياخو تقول للناس ؛ أنا مش عميل يا خو . لم يكن الرجل عميلاً ويصدر بعدها الإعتذار ، قتل بطريق الخطأ ، بعد أن صدر البيان الأول يمجد هذه العملية . كالعادة لم تتخذ أي إجراءات لمحاسبة هؤلاء القتلة حتى وإن كانوا مناضلين . قصة من عشرات القصص وربما أكثرها بلاغة ذلك القائد الشاب الذي تفاخر بأنه قتل 36 عميلاً ثبت بعدها أن سبعة منهم على الأقال كانوا ابرياء ، لم يكتف هذا المغوار بذلك بل قتل احد العملاء أمام مصور صحيفة معاريف ألإسرائيلية لإثبات بطولته والتعريف بوطنيته . بالطبع لم يحاسب بل ارسلت القيادة الفلسطينية طائرة خاصة لأخذه من القاهرة إلى تونس فالهدف ، وهذا للأسف ديدن جميع التنظيمات ، هو عدد الأتباع المؤثرين كهذا ، الذين يستطيعون السيطرة على الشارع والكوادر، وهذا ما أضعف حركتنا المقاومة كثيراً .
تذكرت هذه القصة وأن أشاهد بهلع مثل الكثير من الفلسطينيين جثث العملاء وهي تسحل خلف الدراجات النارية ، خلال الهجوم الاسرائلي الوحشي ، في شوارع غزة في إحتفالية أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها همجية بكل المقاييس سواء الدينية ، ممن يدعي الفاعلين اتباعها ، أم غيرها و التي لا يمكن أن تقر هكذا جريمة .
تزداد قسوة المحتل وبطشه ومعهما تتكرر اخطاءنا بل وتنمو باضطراد : في رام الله وخلال الإنتفاضة الثانية قتل عميل وسحل في الشوارع وعلقت جثته في دوار المنارة وفي الخليل سحل ثلاثة عملاء في الشوارع وكله بالطبع تحت أعين الصحافة الأجنبية و التي منها من يفرك يديه فرحاً بمشاهد وحشية كهذه ويستغلها ضدنا وقضيتنا العادلة أيما إستغلال ؛ نعم وحشية ، لم أخطئ التعبير. لنفترض أن هؤلاء كانوا بالفعل عملاء بل ولنؤكد : كانوا عملاء ؛ هل هذه هي أخلاقنا ، يقتلون دون محاكمة ، بلا قاضي ، دفاع ، أي بإختصار بلا عادلة .
نعم كلنا غضب بل وحقد على العملاء وجلنا يتمنون انقراضهم ونتفهم فوره الدم ولكن أهذا هو المجتمع الذي نريد تحرير وطننا لنبنيه ؛ إن لم نسأل هذه الأسئلة الآن فمتى ؟؛ هكذا وبكل بساطة أصبح نشطاءنا المناضلين وكلاء نيابة ، قضاة ومنفذين ؛ لو يعلم هؤلاء أي سلاح اعطوه لعدونا وآلته الإعلامية الضخمة المدعومة دولياً والتي يناضل الكثير منا ضدها ؛ لو يعلمون مقدار الضرر الذي سببوه ؛ لو يعلمون أنهم وضعوا كل مناصر لعذابات شعبنا وجراحة في خندق الدفاع ، و لو لحظة ، بدلاً من الهجوم ؛ لو يعلمون الأذى الذي تسببوا به لجراحات الضحايا الأبرياء الذين يستحقون العدالة بدل الإدانة ، لربما لفكروا ولو للحظة وراجعوا أنفسهم.
أهذا ما نريد لاطفالنا أن يروه ؛ الا يكفيهم صدمتهم النفسية عبر عقود من القهر الإحتلالي ، الا نفكر ولو لحظة واحدة في مشاعر أهالي هؤلاء العملاء وكونهم أبناء وبنات شعبنا وواجبنا أن نحرص عليهم كونهم لا ذنب لهم في جريمة ابنهم أو بنتهم بل وبعضهم ربما ساهم في العمليات المقاومة والأمثلة كثيرة . الم نتعلم من الماضي المؤلم وكم إبن أو قريب لعميل تحول إلى العمالة بعد مشاهدته لمناظر كهذه . أنا شخصياً أعرف بعض الحالات وغيري يعرف الكثير.
إلى متى سيطغى الصراخ العالي على العقل ؛ إلى متى سنسكت عن الخطأ حتى ولو كان قد إرتكب لهدف نبيل كتخليص المجتمع من اخطر ما يحتويه. إلى متى ؟ .
بعيدا عن المزايدات التي إحترفناها حتى قرفناها ؛ أحلم باليوم الذي ستطغى فيه انسانيتنا واحترامنا للعدالة ، المحرومين نحن منها، ولو حتى تحت القصف والذبح ، على فورة دمنا ورغبتنا في الإنتقام . عندها سنضع لبنة قوية أخرى في طريق كفاحنا العادل لهزيمة المحتل.
أذكر يوماً أن صديقاً مناضلاً سجن لسنين طويله في سجون الإحتلال وصلت إلى ستة عشر وإشترك في العديد من العمليا ت داخل العمق الصهيوني ، قال لي: إن لم أبك حتى على عدوي عندما أقتله فلست إنساناً ؛ هذا هو المناضل الفلسطيني ذو الفكر الثوري الحقيقي الذي يدرك أن مقاومتنا الشرعية وما يصاحبها من عنف مبرر ليست إلا رد فعل لعقود طويلة من القهر والإقتلاع فرضت علينا ولكنها لن تلغي انسانيتنا أو طبيعتنا المحبة لكل ما هو حي . هذا هو الفكر الذي لن يدفعنا إلى العفو عن العميل ولكن إلى العض على الجرح واعطائه فرصته في العدالة. هذا الفكر هو الذي يصنع الانتصار الحقيقي.
مشير الفرا