...

تظاهرات 'غزة' والخطاب الديني


أسامة عبدالستار موسى الفرا 


التفاصيل

Untitled 1


تظاهرات 'غزة' والخطاب الديني

بقلم:مشير الفرا








كان ابرز ما شهدته فترة العدوان الاسرائيلي الاجرامي على قطاع غزة، إضافة إلى حجم الدمار والقتل ومناظر الأشلاء الآدمية البريئة والتي لم تُحّرك النظام الرسمي الدولي ولا العربي، هو حجم الادانة والغضب العالميين، تظاهرات كبيرة لم تشمل فقط العواصم الاوروبية بل امتدت لمعظم المدن، اعتصامات، مواطنون بريطانيون يحتلون مقر الـ BBC الرئيسي في لندن وغلاسغو باسكتلندا، طلبة يحتلون الجامعات في لندن، كمبريدج، ليدز، شيفيلد ومانشستر. ناشطون بريطانيون يدمرون أجهزة الكمبيوتر بالمكتب الرئيسي لشركة سلاح بريطانية تتعاون مع اسرائيل ويواجهون عقوبة السجن وللمرة الأولى .. 'وان كان بنسبة صغيرة' نشهد إدانة من العديد من المواطنين العاديين غير المسيسين لإسرائيل والحكومات الغربية الصامتة على جرائمها ضد الانسانية.nفي ضوء هذا كله يتحتم علينا كناشطين سياسيين أن ننظر لهذا الأمر نظرة نقدية بناءة، وليست عاطفية شعاراتية، بهدف الحفاظ على هذا الزخم أو حتى الجزء الكبير منه، لا أن يتقلص كما شهدنا في محطات سابقة من تاريخ الهجمات الصهيونية الوحشية على الشعب الفلسطيني. فمع إندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000 وماتبعها من جرائم كان أبرزها تدمير مخيم 'جنين'، شهدنا تعاطفاً وحراكاً شعبياً كبيراً هنا في بريطانيا وإن كان ليس بحجم ما شهدناه خلال العدوان على غزة، وبمجرد إنحسار الاخبار من واجهة الأنباء إلى الصفحات الداخلية والخبر السابع أو الثامن في نشرات الأخبار، تقلص الحراك وعاد إلى حجمه الأول المتمثل في مجموعات الناشطين السياسيين. وها نحن نشهد الآن تراجعا في حجم الهبة الشعبية لنصرة غزة وأخشى أن يتبع هذا التراجع نفس المنحنى السابق صعوداً ثم نزولاً، يسيل الدم الفلسطيني بغزارة فننشط، ويتوقف شلال الدم مؤقتاً فنخمد!!

خلق آلية للعمل

خلق آلية للعمل ضمن استراتيجية واضحة تستبق الحدث أو حتى تصنعه لا أن تتبعه، هو في رأيي التحدي الأكبر الذي يواجهنا بمعنى أنه ورغم ما حدث في غزة وحجم الألم الذي نشعر به ومعنا كل أحرار العالم، لا يجب أن يدفعنا هذا إلى نسيان القضايا الأخرى الأساسية والعودة فوراً للعمل ضد كل سياسات إسرائيل الاقتلاعية سواء في غزة، القدس، الجدار والمستوطنات في الضفة الغربية، حق العودة للاجئين، وغيرها. من المفهوم أن تتركز كل الجهود على ما حدث في غزة فحجم الذبح والتشريد كان كبيراً وتواطؤ النظام العالمي وصمت العربي الرسمي كان صاعقاً ومحيراً، ولكن هذا التركيز يجب أن يصبح جزءاً من كل. للأسف تنجح إسرائيل دوماً في خلق واقع جديد على الأرض وبالتالي يندفع الجميع إلى مقاومة هذا الواقع وتلقائياً تدفع القضايا الأساسية الأخرى إلى خلفية الأولويات وخطر هذا السيناريو المتكرر شهدناه كثيراً إذ يُدْفَّع الشعب إلى حالة قاسية من المعاناة والألم تجعله يخفض سقف مطالبه الوطنية. الإستراتيجية التي ذكرت تُشّكل التظاهرات والفعاليات الجماهرية في الغرب أحد أهم أركانها وهنا يبرز سؤال مهم جداً: ماذا نهدف من هذه التظاهرات والنشاطات؟ أنريد التحدث مع أنفسنا وشعبنا المذبوح فقط ضمن معسكر عربي وإسلامي في الغرب؟ أم أن هدفنا هو التأثير في الرأي العام العالمي في كل مكان في الغرب؟

الديني والسياسي

إن كان الشق الأول من الإجابة هو الهدف فأعتقد أننا نجحنا نجاحاً كبيراً، اما ان كان الشق الثاني هو مقصدنا 'وفي رأيي يجب أن يكون' فان نجاحنا كان محدوداً وبحاجة إلى مراجعة عقلانية بعيداً عن المهاترات العاطفية. الأرضية التي يجب أن ترتكز عليها الفعاليات التضامنية في الغرب يجب أن تنحصر في الإحتجاج السياسي على جرائم الحرب الاسرائيلية وادانتها بقوة لأنتهاكها المستمر لحقوق الانسان الفلسطيني بدءاً من حقه في الحياة، إلى حرية السفر، التعليم، الزرع وحتى تنفس الهواء النقي إلى آخر اللائحة الطويلة التي لم تترك لا بشر ولا شجر وعلى رأسها بالطبع الإحتلال. ما نشهده دوماً، وبلا شك خلال العدوان الإسرائيلي على غزة هو إختلاط الأمر على الكثير 'وليس الكل' من أعضاء الجاليات العربية والاسلامية وبروز الهتافات الدينية بصورة واضحة، ظاهرة نتفهمها ولكن من المهم التفكير قليلاً في جدوى هذه الهتافات في تظاهرات نوجهها للمجتمع الغربي الذي يتعرض يومياً عبر وسائل إعلامه، 'اليمينية منها' لحملة تخويف شديدة ضد خطر ما يسمونه 'التطرف الديني الإسلامي' على كل ما يمثلون من حضارة وتاريخ ولا أبالغ إن قلت أنهم نجحوا إلى حد كبير في خلق وحش وهمي، في وجدان قطاع كبير من الشعب البريطاني والغربي بصفة عامة، إسمه التطرف الديني الاسلامي ونحن، ودون قصد، نجعل مهمتهم أكثر سهولة.

العقلانية

العقلانية تقول أن هذا الخطاب مطلوب ولكن في مكانه المناسب، مناسبات اسلامية، احتفالات دينية وخلافه أما أن نأتي إلى فعاليات يشاركنا فيها الجميع من كل الخلفيات، يهودية، لادينية، بوذية، هندوسية وغيرها جاءوا لنصرة الشعب الفلسطيني بكل اطيافه وليس فصيل معين وهذه حقيقة لاشك فيها، فمن الخطأ أن نحاول دمغها بصبغة دينية أو معادية لليهودية وليس الصهيونية كما يحلو للبعض إلا إذا كان هدفنا كما ذكرت سابقاً الحديث لأنفسنا و(فش الغل). المطلوب من جميع المنظمات المناصرة للشعب الفلسطيني، حملة التضامن، جمعية المسلمين البريطانيين، الأحزاب الاشتراكية، المبادرة الاسلامية والجاليات العربية والاسلامية أن تستمر في التنسيق لا أن ننتظر العدوان الاسرائيلي الجديد فنتحرك، هذا التنسيق يجب الا ينحصر في تنظيم الفعاليات بل التركيز أيضاً على الرسالة التي نهدف لتمريرها واللغة التي نستخدمها والتي لا تتنازل عن المبادئ ولكنها تخاطب الغرب باللغة التي يفهمها وليس بالشعارات التي تدغدغ عواطفنا لا أكثر ولا أقل.