كي لا ننسي ابرياء ذبحوا كالحيوانات وقاتلوهم لم ينالوا جزاءهم بعد
أسامة عبدالستار موسى الفرا
التفاصيل
كي لا ننسي ابرياء ذبحوا كالحيوانات وقاتلوهم لم ينالوا جزاءهم بعد!
مشير قاسم الفرا
29/09/2007
في شهادته امام لجنة كاهان لتقصي الحقائق التي شكلتها
الحكومة الاسرائيلية بعد المذبحة المروعة التي ارتكبتها *** القوات اللبنانية ـ حزب
الكتائب بمساعدة الجيش الاسرائيلي في مخيمي صبرا وشاتيلا في 16 و17 و18 ايلول
(سبتمبر) 1982 والتي راح ضحيتها اكثر من الفي مدني فلسطيني، ادعي شارون الذي كان
يشغل حينها منصب وزير الدفاع في حكومة مناحيم بيغن انه لم يكن في تصور احد ان
القوات اللبنانية ستقدم علي ارتكاب مذبحة بشعة كهذه.
هنا تبرز اهمية الوثائق التي كشفتها صحيفة الغارديان البريطانية في 2001/1/28 في
تعليقها علي القضية التي رفعت ضد شارون في بلجيكا واتهامه بارتكاب جرائم حرب خلال
الغزو الاسرائيلي للبنان عام 1982 وخاصة دوره في مذبحة صبرا وشاتيلا. وحسب احدي
الوثائق فان شارون ذكر لبشير الجميل عشرة اسابيع قبل المذبحة ان رجاله يحرجون
حليفتهم اسرائيل بما يقومون به من اغتصاب وقتل وسرقة، كما ان الكولونيل الكانا
هارنوف احد كبار ضباط الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية، ذكر في شهادته امام لجنة
كاهان انه كان من السهل جدا توقع ما كانت ستفعله القوات اللبنانية في المخيمات خاصة
وان الاسرائيليين حسب كلام هارنوف يعرفون جيدا ما ارتكبوه من مجازر عندما اجتاحوا
القري الدرزية في شرق بحمدون.
وفي محضر اجتماع موثق مع بشير الجميل ووالده بيار الجميل مؤسس حزب الكتائب، اصر
شارون علي بشير الجميل بضرورة دخول بيروت الغربية وتنظيفها تماما من الـ2000
ارهابي، حسب قوله، الذين ما زالوا يتحصنون في صبرا وشاتيلا بعد انسحاب قوات منظمة
التحرير الفلسطينية من بيروت بموجب الاتفاق الذي رعاه المندوب الامريكي فيليب حبيب
والذي تضمن تعهدات امريكية بعدم المساس بالمدنيين الفلسطينيين. ماذا انتم فاعلون
بصبرا وشاتيلا، يجب ان تنظفوا المخيمات ردد شارون، ورغم تدخل بيار الجميل ومحاولته
اقناع شارون بأهمية ان يظهر ابنه بشير، كونه مرشح رئاسة الجمهورية، بمظهر من يحافظ
علي الهدوء والسلام فان شارون اصر علي موقفه. وجاء رد بشير الجميل صاعقا: سنحول
صبرا الي حديقة حيوان، اما شاتيلا فستصبح اكبر موقف سيارات ببيروت. اما اكبر دليل
ذكرته الوثائق علي معرفة الاسرائيليين بنية القوات اللبنانية ارتكاب مجازر في
المخيمات فكان محضر اجتماع بين بشير الجميل ومناحم نافوت المسؤول الرفيع في الموساد
وفيه قال الجميل ان الحل الوحيد للمشكلة السكانية الديمغرافية الفلسطينية في لبنان
هو مجموعة من الديرياسينيات في اشارة واضحة للمذبحة التي ارتكبها الصهاينة في قرية
دير ياسين والتي راح ضحيتها المئات من المدنيين الفلسطينيين عام 1948.
هذا عن العلم بالنية فماذا عن التنفيذ؟ تقول احدي الوثائق التي كشفتها الغارديان
انه ثبت وبالدليل القاطع ان *** القوات اللبنانية ـ حزب الكتائب كانت تحت امرة
الجيش الاسرائيلي الكاملة قبل واثناء وبعد المذبحة.
وفي محضر اجتماع لمناقشة غزو بيروت مع قادة القوات اللبنانية اكد الجنرال رافائيل
ايتان قائد المنطقة الشمالية في 1982/7/13 ان اسرائيل ستقدم كل الدعم المطلوب
ميدانيا للقوات اللبنانية، مدفعية، طيران، دبابات، وكأنها وحدة من وحدات الجيش
الاسرائيلي.
بعد هذا كله استنتج تقرير لجنة كاهان والتي تباهت به اسرائيل امام العالم كأكبر
دليل علي ديمقراطيتها، انه لا يوجد لأي اسرائيلي اي مسؤولية مباشرة عن المذبحة
ولكنه في نفس الوقت اتهم شارون بإهمال احتمال حصول مذابح في المخيمات بعد اغتيال
بشير الجميل في 1982/9/14.
والنتيجة معروفة، استقالة شارون من وزارة الدفاع واحتفاظه بمنصبه كوزير في الحكومة
ثم عودته بقوة كرئيس للوزراء عام 2001 وطي ملف الجرائم الفظيعة التي ارتكبها والتي
لا نستطيع ذكرها كلها في مقال واحد ولكن نختار منها شهادتين الاولي لروبرت فيسك
الصحافي البريطاني الشهير والذي روي بعض ما شاهده بنفسه في 82/9/18 اليوم الاخير
للمذبحة، في صحيفة الاندبندنت بتاريخ 2001/2/6 علي جانب الطريق المؤدي لمسجد صبرا
كانت جثة العجوز التسعيني السيد نوري ملقاة علي الارض بلحيته البيضاء وبيجامته،
وجدته علي كومة من الزبالة وعيناه الممتلئتان بالذباب تنظران نحو الشمس الملتهبة،
بالقرب منه وجدت جثتين لسيدتين في وضع الجلوس و مخ كل منهما متناثر بجانب رأسيهما
وبجانبهما وعاء طهي وحصان ميت. احدي السيدتين كانت احشاؤها تتدلي خارج بطنها. وعلي
بعد بضعة امتار وجدت جثث مجموعة من الاطفال متفحمة وملقاة في الشارع كالقمامة.
حاولت تفادي ال*** والجنود الاسرائيليين فدخلت فناء احد المنازل القريبة لأجد جثة فتاة جميلة ودمها ما زال يسيل من ثقب رصاصة في ظهرها. وحسب شهادة نادية سلامة وهي من سكان مخيم شاتيلا الناجين والتي كان عمرها 12 عاما وقت المذبحة فانها رأت في نهاية الزقاق خارج بيتها جثثا بعضها ممثل بها والاخري مذبوحة من العنق، جارتنا ام احمد سعد كانت جثتها منتفخة من الحر ويداها الاثنتان مبتورتين حتي الرسغ، كانت دوما تلبس الكثير من الذهب.
عبد الله الذي كان عمره 60 عاما وقت المذبحة تساءل: ايلي حبيقة قاد ال*** ولكن من
الذي ارسلهم ؟ شارون. لقد كانت المخيمات محاطة من جميع الاتجاهات بالدبابات
الاسرائيلية، لقد كانوا علي علم تام بما يجري، ذهبت مع وفد من رجال المخيم للتفاوض
معهم، صاحوا علينا بمكبرات الصوت ان نظهر بطاقاتنا الشخصية. عدت لمنزلي لاحضار
بطاقتي وفي هذا كانت نجاتي، اذ قاموا باعدام جميع اعضاء الوفد. شهادة عبدالله اكدها
الرقيب آهي جرابونسكي قائد احدي الدبابات الاسرائيلية التي كانت تحاصر المخيمات،
امام لجنة كاهان: شاهدت بأم عيني ذبح خمس نساء فلسطينيات وابديت احتجاجي ولكن قائد
وحدتي رد علي نحن نعرف ولكن الاوامر الا نتدخل .
الشهادة الثانية دونتها د. آنج سوي تشاي احدي مؤسسي جمعية العون الطبي الفلسطيني
MAP في كتابها الهام من بيروت الي القدس وهي طبيبة بريطانية من اصل ماليزي كانت
متطوعة في مستشفي غزة بمخيم صبرا وقت المذبحة، وكان لنا شرف استضافتها في مدينة
شيفيلد في ذكري صبرا وشاتيلا. الحاجة ذات السبعين عاما والدة الشهيد ابو زهير احد
ضحايا المذبحة سارت مسافة 20 كيلومترا من جنوب لبنان الي مخيم شاتيلا بعد المذبحة
مباشرة لتجد جميع اولادها، بناتها واحفادها قد ذبحوا
ما عدا زوجها المسن وحفيدها البالغ آنذاك احد عشر عاما والذي نجا لتظاهره بالموت
تحت كومة من جثث اسرته البالغ عددهم 27 فردا ذبحوا
جميعا، وستبقي كلماتها المؤثرة في وداعهم يوم دفنهم خالدة في ذاكرة كل من ينكر
سياسة الكيل بمكيالين حول العالم قلبي مفعم بالصدمة من هذا العالم عديم الاحساس، ان
مئة سفينة او مئتي حصان اصيل لا تكفي لحمل الالم الذي يعتصرني، احسدكم يا من تحملون
اكفانهم، لا تتعجلوا، دعوني اري احبتي مرة اخري .
د. سوي كما تحب ان تخاطب مثلما كان يناديها اهل غزة والضفة عندما تطوعت في المستشفي
الاهلي العربي في غزة لمدة ستة شهور خلال الانتفاضة الاولي، كانت كالكثير غيرها من
الغربيين ضحية للنجاح المذهل للاعلام الاسرائيلي في تشويه الحقائق والفشل المدوي
المستمر للاعلام العربي والفلسطيني. نشأت علي حب اسرائيل وكره العرب وجاء الغزو
الاسرائيلي للبنان عام 1982 ليصدمها في حبيبتها اسرائيل ويشكل نقطة التحول الكبري
في حياتها فتترك وظيفتها في لندن لتتطوع في المخيمات الفلسطينية في لبنان ومنها الي
غزة ، وفيها استغربت كثيرا عندما اصر سائق المستشفي الاهلي العربي علي اخذها الي
المجدل هناك وقف ابو محمد يريها انقاض منزله، بكي وبكت معه وادركت مدي الالم
والحسرة التي ما زال يعيشها هذا اللاجيء الفلسطيني اربعين عاما بعد النكبة. لم
تستطع ان تستوعب ان شعبا بأكمله يوضع تحت منع التجول لمدة ثلاثة اسابيع لكي يتمكن
الاسرائيليون من الاحتفال بعيد الاستقلال ليوم واحد، بعدها يستغربون لماذا يندفع
الفلسطينيون الي التطرف؟ قالت لي بغضب واضح.
رسالتها يغلب بعدها الانساني علي السياسي، نحتاجها وسط هذا الكم الهائل من الفشل
والاحباط: ان ما يرتكبه بوش والحكومة الاسرائيلية من فظائع يدفعني للانفجار غيظا
ولكنني احاول الا اترك عندي مجالا للاحباط، ان استطيع ادخال السعادة لطفل فلسطيني
محروم او اساهم في علاج الفقراء الفلسطينيين هو ردي علي جرائمهم، لم اصدق ان شعبا
يعاني هكذا معاناة يستطيع ان يغمرني بكل هذا الحب والدفء والكرم، اقولها لك كما
اقول دائما في محاضراتي حول العالم: من يملك هذه المشاعر لا يمكن ان يكون ارهابيا .
عودة الي صبرا وشاتيلا والانحياز الاعلامي الغربي لاسرائيل او لنقل خوفهم الواضح من
تأثير اللوبي الصهيوني واتهامهم بمعاداة السامية فها هي الـ CNN تصف شارون عشية
انتخابه رئيسا لوزراء اسرائيل بالجنرال المتمرس الذي بني شهرته علي ازالة العقبات
واعادة صياغة خارطة اسرائيل السياسية دون الاشارة لدوره في ذبح اكثر من الفي
فلسطيني في صبرا وشاتيلا. اما الـBBC فتجنبت كلمتي صبرا وشاتيلا عند اشارتها لتاريخ
شارون العسكري والسياسي المليء بفترات الصعود والهبوط Chequered Military Career .
وتبقي كلمات روبرت فيسك وقت انتخاب شارون تعطينا بعض الدلائل علي بروز صحافيين لا
يخشون قول الحقيقة: هذا المكان (صبرا وشاتيلا) مليء بالقذارة والدم وسيظل اسمه الي
الابد مرتبطا بــ ارئيل شارون لربما يكون رئيس وزراء اقوي دولة في الشرق الاوسط
ويزور البيت الابيض ويصافح جورج بوش الابن ولكن لكل من وقف في صبرا وشاتيلا في 18
ايلول (سبتمبر) 1982 سيبقي اسمه مرتبطا بالدموية والجثث المتعفنة والاحشاء الممزقة،
سيظل اسمه مرتبطا بالاغتصاب، العنف والقتل .
لم نهدف من احياء ذكري صبرا وشاتيلا ان نضيف الي الكم الهائل من المزايدات
والمتاجرة، ولكن قصدنا كبشر الا ننسي احباء لنا، ابرياء،
ذبحوا كالحيوانات، لا لشيء سوي
اصلهم الفلسطيني، وان ذابحيهم لم ينالوا الجزاء العادل بعد. ولهم في ذكراهم في
قبورهم الجماعية، عذرا، لا نملك سوي دموع الضعفاء والمقهورين التي نذرفها علي
ارواحهم الطاهرة. وكلمة اخيرة للمتنازعين في فلسطين علي فتات سلطة قامتها اقزم من
بسطار اقل الجنود الاسرائيليين رتبة: قليلا من الخجل .