...

"فيتوريو" أيها الفلسطيني الحبيب وداعاً


أسامة عبدالستار موسى الفرا 


التفاصيل

"فيتوريو" أيها  الفلسطيني  الحبيب وداعاً

 

  ظهرت غزة في الأفق ؛ إنطلق الحبيب "فيتوريو" يصرخ بأعلى صوته فرحاً فها هو أخيراً  على وشك كسر الحصار و ممارسة  ما يعشق ؛ المقاومة الشعبية.  ما إن   وطأت قدماه أرض غزة حتى سجد  ليقبل تراب الأرض التي أصبحت وطنه الذي إختار و عشق،  من يومها بدأت ملحمه حب بينة وبين غزة وأهلها  الذين أحبوه  بل و افتخروا به كإبن لهم ؛ ملحمة انتهت كما الأساطير بالحبيب يقتل على أيدي مجرمين  فاقدي البصر والبصيرة  من أهل  حبيبته وهذا كان قدر فيتوريو.

 

  كان لقاءنا الأول في قبرص وهو يعد معنا لركوب مركبي "غزة الحرة" و "ليبرتي"لكسر حصار غزة .  كان فيتوريو أو VIC كما كان يحب أن نسميه مميزاً جداً ؛ طريقة لبسه ؛ غليونه ، روحه الفكاهية ،  عضلاته المفتولة ، صوته  الجميل غناءة للثورة ،حديثة المستمر عن المقاومة  الشعبية التي آمن بها وأيد كل أشكال المقاومة عدا قتل المدنييين  . لم يعرف التفرقة بين المقاومين ، إسلاميٍين   كانوا أم شيوعيين ، كل ما يهمه كان أن يكون جزأ من منظومة المقاومة. لم يتوقف عن غناء  "Bella Ciao " وداعاً يا جميلة"  طوال رحلتنا البحرية التاريخية من قبرص إلى قطاع غزة  ، غناها مع "عبدالله أبو زعيتر" دقائق معدودة بعد وصولنا إلى غزة في مساء ذاك اليوم التاريخي  السبت 23.08.2088.  ضحك "فيتوريو"  بشدة وضحكنا معه  عندما  عرف أن "عبدالله" لا يتحدث الإيطالية البتة ولكنه يجيد غناء هذه الأغنية الثورية الجميلة . كان فيتوريو  يصر على أن تكون أغنية أناديكم خاتمة كل ما أصدر من فيديوهات ؛ كان يعتبرها أغنية BELLA CIAO العربية رغم إختلاف الكلمات. 

 مقاومة VIC كانت مميزة ، كان يعتلي مراكب الصيادين في غزة ليمكنهم من الصيد في المياه العميقة التي حرمهم الغزاة منها . كان يواجه الطرادات الحربية بجرأة لم يستطع   أياً منا أن يجاريها ، نجح لفترات قصيرة ، فقاموا بطلاق رصاصهم عليه ؛ لم يشعروا  بالذنب فهذا ما يفعلونه مع المدنيين  الفلسطينيين  وفيتوريو وبالممارسة كان فلسطينيا مدنياً و مقاوماً شعبياً  . رموه بالمياه المغلية ولم يعتقلوه إلا بعد أن القوا عليه شبكة صيد .  رحل فيتوريو  قسراً ولم تمض اسابيع حتى عاد  متسللا إلى غزته التي إختار كوطن . عاد ليفرح كلما ساعد مريضاً على العبور عند الحدود رغم الخطر ورصاص الغزاة ، ليصبح رمزاً في كل المسيرات المنددة بالأحتلال ؛  عاش مع أهل غزة  الحصار كواحد منهم وأكثر  فلا أعتقد أن كل الغزيين وجهوا ما كان يواجهه VIC، كان دوماً في المواقع الأمامية في مواجهة البلدوزرات الصهيونية ليحمي المزارعين في خزاعة ؛ بيت لاهيا وبيت حانون تماما كما قاوم في الضفة الغربية  ضد الجدار وكل محاولات الإقتلاع.  في غزة كان مع الطواقم الطبية خلال مذبحة "الرصاص المصبوب" يقتحم مناطق الخطر مجازفاً بحياته ؛ وعند عودته مساءً إلى بيته يبدأ الكتابة ليعري جرائم من يحترمهم النظام الغربي المنافق  ؛ كانت كل سنينة الأخيرة معزوفة عشق خالدة  لفلسطين .

 لم يتردد لحظة واحدة إنضم إلى الثوار في ميدان التحرير  ، لم يتركهم إلا بعد أن تخلصوا من الطاغية ، هكذا كان فيتوريو ، أينما كان هناك مقاومة كان  هناك . لم يتوقف حتى أيامه الأخيرة عن حب أهل فلسطين .

 

  منذ عامين رأيت صوره له في أحد مواقع الانترنت على أحد قوارب الصيد وهو يحمل لافتة أعطاها له  بعض المتحزبين وهو لا يعرف ما فيها ؛ كل ما عرفه أنها كانت عن المقاومة .  أزعجني هذا التصرف  فأنا أعرف أن "فيتوريو" و جميعنا في غزة الحرة لسنا  لحزب أو جهة معينة بل لكل للفلسطينيين ايا كانوا ؛ المأساة أن فيتوريو كان مستعداً لدعم حتى من سفكوا دماءه لو جاءته الفرصة ؛ هاتفته وشرحت له وجهة نظري ؛ ضحك ؛ شكرني ولم يغضب : قال لي هل  توجد كلمة مقاومة في اليافطة ؛ أجبته نعم : قال إذا لا يهم  المهم أن تكون مقاومة وتغيظ الصهاينة.  

 

أوجعني  الفيديو الأخير لفيتوريو   ؛ فهذا المقاوم الشجاع الذي لم يأبه مراراً وتكراراً  لرصاص ودبابات وجرافات وطائرات الصهاينة ولم تهزه تهديدات القتل التي تلقاها من الصهاينة واليمين الأمريكي المتطرف  يجلس مصدوماً مذهولاً وهو مغمى العينين مسلوباً حريته ، التي يقدس ، بين أيدي جلاديه خفافيش الظلام الجبناء الذين انتصروا على شخص أعزل مبشرين بثقافة الجبن والخسة ؛ هذه الثقافة التي لم تكن أبداً فلسطينية  و لا استغرب إن اعتبرهم بعض أمثالهم من  المنحرفين فكرياً ابطالا وكم من الخطايا ترتكب بإسمك فلسطين.  

 

فيتوريو وحتى بعد استشهاده خدمنا جميعاً كفلسطينيين بتوحيد  الغالبية العظمى منا على ادانة القتلة وكل ما يمثلون وما أحوجنا إلا هذه الوحدة حتى وإن كانت مؤقته .  لقد وحدنا فيتوريو على حبه  واحترامنا لهذا الإنسان الذي لم يتوقف عن دعوة الجميع بكلمته الشهيرة التي إختتم بها كل ما كتب أو قال "فلنبق انسانيين" "Stay Human" . 

إن موقف جميع الفلسطينيين بما فيهم احزاب الإسلام السياسي   و على رأسهم ، حماس والجهاد ،  في التنكر لهذه الجريمة الجبانة  لهو أكثر من رائع  وهو الموقف الإنساني الذي يجب أن نفتخر به ولأجل فيتوريو  فلنقاوم موجة جلد الذات التي انفجرت بعد استشهاده ؛ إن فيتوريو كان فلسطينيا بالإنتماء وايطاليا بالولادة ولم يكن غريباً لم نحسن استضافته . لقد أثبت الفلسطينيون أنهم لا ينسون من أحبهم وضحي  من أجلهم .  إن السيل الجارف من مشاعر  الغضب  و الألم التي عمت كل فلسطين لأكبر دليل على أن من قتلوه ليس منا وإن كانو ا بين ظهرانينا .

 

سيبقى فيتوريو حيا في وجدان كل كل مقاتل من أجل الحرية وستبقى دماءه تلعن كل من ساهم في قتله ولا نستطيع الجزم إن كانوا أداة في يد  كانت تحركهم دون أن يعرفوا ، فمن المستفيد الأكبر من مقتل فيتوريو ؟

 

لوالدته السيدة Agidea ولأسرته الحبيبة ، اسرتنا جميعاً ،  شكراً على فيتوريو  الإنسان .

 

  ويا "فيتوريو"  لن  يستطيع الفلسطينيون المرور  إلى "بيسانا" حيث ولدت   ليلقون  عليك التحية  كلما أحبوا  فالغزاة ما زالوا  يحاصروننا ،  ولكننهم   سيمرون  على الوردة التي سندفنك  تحتها على  قمة جبل في قلوبنا جميعاً ' وسنقول ، ما أجملها  وردة الحرية  وردتك أيها الرفيق الرائع ،  "وداعاً يا جميل"  (Bello Ciao ). 

 

مشير الفرا

كاتب ونشيط سياسي من فلسطين