أطفال آرنا
أسامة عبدالستار موسى الفرا
التفاصيل
طفال آرنا .... لا مكان للدموع
بقلم المهندس مشير الفرا (أبوقاسم)
"إذا استطاعت الأميرة أن تحضر الشمس إلى القصر فستصبح ملكة وإذا استطعت أنا إحضارها فسأصبح ملكا" هذه الكلمات كانت جزءا من دور الشهيد "يوسف السويطات" منفذ عملية الخضيرة عام 2001 في مسرحية "قنديل الشمس" في مطلع التسعينيات والتي أخرجها "جوليانو مير خميس" في مسرح مخيم جنين للأطفال الذي أنشأته والدته "آرنا مير خميس" خلال الانتفاضة الأولى.
ما بين بداية التسعينيات و2001 سنوات طويلة شهدت انهيار تجربة المسرح بعد وفاة
"آرنا" عام 1995 وتحولا كبيرا في تفكير الطفل يوسف الموهوب الضاحك دوما صاحب
الشخصية الجذابة والقيادية, قاده في النهاية إلى الاستشهاد مع رفيق له, نضال
الجبالي في عملية الخصيرة.
هذه هي الفكرة الأساسية للفيلم الرائع "أطفال آرنا" الذي استضفناه في حملة التضامن
مع الشعب الفلسطيني "بشفيلد" والذي يعرض حالة عدد من الأطفال كانوا نشطاء في مسرح
الطفل خلال الانتفاضة الأولى وكيف تغيرت حياتهم جذريا.
"جوليا نومير خميس" يعود إلى جنين عام 2002 ليكتشف هول ما حدث للأطفال الذي أحبهم
كثيرا.
آرنا مير خميس يهودية نشأت في بيت صهيوني واشتركت في حرب "48" ضد الفلسطينيين وكانت
عضوا فاعلا في وحدة "البالماخ" وهي "القوات الضاربة" ل*** "الهاجاناه" الصهيونية.
التحول النهائي في تفكير "ارنا" حدث عندما عادت أختها وهي صهيونية يمينية متعصبة
ولا تزال فخورة جدا بمشاركتها في مذبحة لفلسطينيين يختبئون في احد مساجد اللد عام
48.
بعدها شاركت "آرنا" في الحوار العربي اليهودي داخل إسرائيل وخلاله التقت زوجها
الفلسطيني الراحل "صليبا خميس" احد قيادات الحزب الشيوعي الإسرائيلي.
عودة إلى "يوسف السويطات " الذي انخرط في سلك الشرطة الفلسطينية بعد "اتفاق اوسلو"
وكان من المتحمسين للسلام. في احد الأيام يتلقى "جوليانو" مكالمة هاتفية, قبل
الانتفاضة من يوسف: لقد صادروا "55" دونما من ارض جدي لتوسيع مستوطنة "كدوميم" كيف
يحدث هذا رغم وعود السلام؟؟
لكن الحدث الأكبر الذي غير يوسف كليا كان عندما قصفت دبابات الاحتلال المدرسة
"الإبراهيمية" الابتدائية للبنات بجنين. كان يوسف الوحيد الذي دخل إلى المدرسة ليجد
الطفلة "رهام" 9 سنوات تنزف, حملها بسرعة إلى المستشفى ولكنها ماتت بين يديه. بعدها
تغير يوسف كثيرا لم يعد يضحك أو يمازح أصدقاؤه كان شارد الذهن وبعدها بقليل انضم
للجهاد الإسلامي ونفذ عملية الخضيرة.
اللقاء الذي يعرضه الفيلم مع والدة الشهيد يوسف والتي تحدثت عن الساعات الأخيرة في
حياته وكيف كانت تحثه على الزواج وإنها ستجد له عروسا حلوة من المخيم , ينسف بشكل
واضح الفكرة التي يمررها الإعلام الإسرائيلي دوما وهي إننا جميعا نرسل أولادنا
وبناتنا للقتل ونعلم بما يخططون مسبقا.
"نضال السويطي شقيق يوسف وخادمه في مسرحية "قنديل الشمس" استشهد هو الأخر في معركة
الدفاع عن جنين.
"أشرف أبو الهيجا" القصير دو الضحكة الواسعة كما كانوا يسمونه في المسرح, والذي
يظهره الفيلم حالما بأنه يمثل دور "روميو" ويصبح ممثلا شهيرا عندما يكبر انتهى
نهاية مشابهه "كروميو شكسبير".
اشرف استشهد دفاعا عن مخيم جنين في نيسان 2002م. كلمات الشهيد أشرف وهو طفل معبرة
جدا : عندما أمثل اشعر أنني اقذف جيش الاحتلال بالحجارة وعبوات المولوتوف, أحس أنني
انفجر غضبا فيهم وفي كل ما يمثلون.
"جوليانو" أوضح لي نقطة مهمة: لم أكن أعلمهم المسرح كبديل عن المقاومة إنني أساعدهم
ليهدأوا وينضجوا ليستطيعوا المقاومة والدفاع عن أنفسهم بشكل أفضل.عندما كان يتعلم
التمثيل مع "جوليانو" في مسرح الطفل. الصورة المعبرة للطفل علاء على أنقاض منزله
المدمر ونظرات الغضب واضحة على وجهه والتي عاد "جوليانو"ببراعة إليها من عام 2002
أكثر من مرة تروي قصته كلها. علاء أصبح من قادة كتائب شهداء الأقصى في مخيم جنين
وشارك ببسالة في الدفاع عن المخيم وكان بجانب الشهيد "أشرف ابو الهيجا" لحظات قبل
استشهاده.
الفيلم يظهر وبشكل تلقائي نقاشات شبابية بين المقاومين وبالذات علاء "وزكريا الزبيدي" الذي أصبح الآن قائد كتائب شهداء الأقصى في شمال الضفة وكل منهما يتفاخر على الآخر بشجاعته بطريقة رفاقية مرحة. ام علاء تظهر في الفيلم لتقولها بوضوح: لا أقبل لعلاء ان يستسلم, لا أقبل لابني أن يكون جبانا وتدور الكاميرا لتسأل علاء هل ستسلم نفسك؟ انهم يهددون بنسف بيتكم, "لينسفوا بيتي" يجيب علاء , لقد فعلوها قبل ذلك, ماذا عن أسرتك, ماذا عنهم؟ سيسكنون في بيت آخر لن استسلم أبدا.بعدها بعدة أيام يستشهد هلاء الصباغ بعد ولادة ابنه زياد بأسبوعين.
من أقوى نقاط الفيلم إظهار طبيعة الفلسطيني المقاتل, الرافض للاحتلال والذل , لا
الضحية فقط وهذه شهادة نجاح كبيرة "لجوليانو خميس" وطاقم عمل الفيلم, فمشاهد
المواجهات بين المقاومين والدبابات الإسرائيلية والتي تظهر فيها إحدى الدبابات وهي
تتراجع أمام نيران "علاء الصباغ" ورفاقه رغم كونها أسلحة اوتوماتيكية خفيفة فقط
تؤكد هذه الفكرة.
وعند عودة "جوليانو" الى جنين عام 2002 لم يستطع منع دموعه فتقول له احدى النساء
"لا مكان هنا للدموع هناك فقط مكان للمقاومة".
يوضحها الفيلم دون ذكرها تحديدا وهي امكانية التعايش بين الفلسطينيين واليهود من
مؤيدي الحرية والعدالة فاليهودية "آرنا مير خميس" احبها النساء والرجال والأطفال في
جنين وما استقبالهم الحار لها عند زيارتها الوداعية الأخيرة, بعد أن أخبرها الأطباء
انها ستموت بالسرطان خلال اسابيع, الا اكبر دليل "وجوليانو" الذي يشار اليه في
المخيم باليهودي يتمتع بصداقة وثقة الجميع. وقد روى لي "جوليانو" كيف ان الغالبية
العظمى من "الكيبوتسات" داخل اسرائيل رفضت دفن والدته كونها "خائنة " وبالطبع رفضت
المقابر المسيحية والاسلامية دفنها كونها يهودية وفي جنين اجتمعت القوى الوطنية
والاسلامية لبحث الأمر وقالوا لجوليانو الذي يضحك كثيرا عند ذكره هذه القصة الآن:
نحن نتشرف بأن ندفن "آرنا" في مقابر الشهداء ولكن خوفنا ان يأتي يهود متشددون بعد
مئات السنين ليقولوا: يوجد هنا عظام يهودية ويبنون مستوطنة عليها. في النهاية دفنت
"ارنا" في احد الكيبوتسات اليسارية.
واقعية الفيلم تتجلى بشكل واضح عندما يقول الأطفال يوسف , علاء واشرف وغيرهم
"لجوليانو": كنا في البداية نظن أنك "جاسوس" وساورنا الشك كثيرا ولمدة طويلة.
للحظات وأنا اشاهد مناظر الدمار في الفيلم اختلطت علي الأمور أهو حي السلام ومخيم
يبنا وتل السلطان برفح أم حي التفاح والمخيم الغربي بخانيونس أم بيت حانون وجباليا
أم البلدة القديمة بنابلس فآلة القمع والتطهير العرقي واحدة ومستمرة من عام 1948 م
الى يومنا هذا. وكما هو متوقع رفضت الكثير من محطات التلفزيون العالمية وآخرها
القناة الرابعة بالتلفزيون البريطاني عرض "أطفال آرنا" بحجة انه يضفي صبغة انسانية
على منفذي العمليات ضد المدنيين داخل اسرائيل.
"أطفال آرنا" قصة حلم مجموعة من الأطفال الفلسطينيين مزقته دبابات وبلدوزرات
الاحتلال الاسرائيلي. فدماء "رهام" دات السنوات التسع على يد يوسف حولته من حالم
بالفن والشهرة الى مقاتل وضحية. وأشرف "روميو" الذي حلم كثيرا بحبيبته "جولييت" سقط
شهيدا دفاعا عن حبيبتة أخرى إسمها "جنين". وعلاء الطفل ومن على حطام منزله المدمر
خطت له بلدوزرات الاحتلال خطوط مستقبله ليصبح شريدا في وطنه يلقي نظرته الأولى على
رضيعه "زياذ" سرا أيما قليلة قبل استشهاده.
الفيلم خطوة شجاعة ومتهورة لمواجهة اسرائيل والعالم المعمي عن جرائمها ضد
الانسانية, بالحقيقة التي يحاولون دوما التهرب منها. احتلالكم البغيض هو من يحول
اطفالنا من حالمين ابرياء الى قنابل بشرية.
في مجال النقد اقول ان "اطفال آرنا" خلا من ذكر ما حدث للبنات عضوات فرقة المسرح
بين مطلع التسعينيات وعام 2002م وكيف تأثرت حياتهن بما حدث لجنين.
نقطة أخرى غير واضحة خلال الفيلم وهي كيف القي القبض على "علاء الصباغ" خلال اجتياح
جنين وأفرج عنه بطريق الخطأ ليعود بعدها قائدا لكتائب شهداء الاقصى حتى استشهاده.
"جوليانو مير خميس" سيمثل امام احدى المحاكم الاسرائيلية قريبا بتهمة حجب معلومات
خلال اعداده للفيلم كان من الممكن ان تؤدي الى القبض على مطلوبين فلسطينيين ومنع
عمليات حدثت داخل اسرائيل وهي تهمة خطيرة قد ينتهي بها الى السجن سنوات طويلة. آمل
الا يحدث "لجوليانو" ما حدث لمحمد بكري بعد فيلمه "جنين جنين" والذي حوله من احد
اشهر ممثلي المسرح الاسرائيليين الى "person non grata" أي شخص غير مرغوب فيه ولا
يستطيع أن يجد عملا في أي مكان في اسرائيل . بعد هذا كله يتحدث العالم "وبالتأكيد
الكثير منا " عن إسرائيل الديمقراطية؟؟!!