...

الرأي العام البريطاني والقضية الفلسطينية


أسامة عبدالستار موسى الفرا 


التفاصيل

Untitled 1

هذاالمقال نشر اليوم في صحيفة القدس العربي وقبل اسبوع في جريدة القدس

الرأي العام البريطاني والقضية الفلسطينية

مشير قاسم الفرا
http://www.alquds.co.uk/index.asp?code=qmd

30/04/2008

مرة أخري، ورغم حجم الذبح الذي عاناه الشعب الفلسطيني ولا يزال، تتجلي سياسة الكيل بمكاليين الغربية بأقوي صورها، ونلمسها هنا في بريطانيا علي المستوي الحكومي، البرلماني وللأسف بعض القطاعات النقابية والشعبية بشكل ملحوظ.. والحدث هنا هو دورة الألعاب الاولمبية المنوي عقدها في الصين صيف هذا العام.

فالاحتجاجات البرلمانية، النقابية والشعبية، التي رافقت مسيرة الشعلة كانت شبه شاملة ولم تلق اي معارضة تذكر. اما ممارسات اسرائيل التي ترقي حسب القانون الدولي، الذي جعلت منه الادارة الامريكية واسرائيل اضحوكة الي مستوي جرائم حرب حقيقية فللأسف اصوات معارضتها اضعف بكثير. كمضطهدين وحتي لا نمارس نحن سياسة الكيل بمكيالين، نقف مع اهل التبت في كفاحهم لنيل حقوقهم السياسية ولكن ما يؤلم بل و يفلق هو هذا الحماس الحكومي، البرلماني والشعبي لإدانة الصين وتحذيرها مقابل تردد نفس الجهات في ادانة اسرائيل بوضوح. ونستطيع القول ان معارضي اسرائيل في المجتمع البريطاني غالبيتهم من الطبقة المتوسطة المثقفة وليس عامة الشعب، وهذا يجعل النسبة صغيرة جداً وان كانت في تزايد مستمر ولكنه بطيء للغاية. فخلال احداث اجتياح شمال قطاع غزة الأخيرة تصاعدت حدة الاحداث المعارضة لاسرائيل ولكنها لم ترتق ابدا الي مستوي المشاركة الشعبية او التغطية الاعلامية التي صاحبت مسيرة الشعلة الأولمبية. وحتي تصريح ناثان فلنائي الخطير، الذي هدد فيه بمحرقة في قطاع غزة، مرّ مرور الكرام ولم يُثر مشاعر الصدمة المعتادة كلما قام الفلسطينيون بأي عمل مقاوم او أدلوا بتصريحات متطرفة.

أما علي المستوي الحكومي فالصورة أسوأ بكثير، فباستثناء عدد قليل من اعضاء البرلمان اليساريين امثال جيري كوربرن ، كلار شورت و جورج غالاوي وغيرهم هناك عدد اكبر بكثير ممن يجدون دوماً مبرراً لاسرائيل بل ويتفاخرون بدعمها. فمثلا رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير كان عضوا شرفيا في جمعية اصدقاء اسرائيل بحزب العمال البريطاني Labour Friends of Israel . اما وزيرة الخارجية العمالية السابقة مارغريت بيكت فكانت رئيسة هذه الجمعية وكتبت لنا رداً علي احتجاجاتنا بأنها فخورة جدا بهذا. رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون قبل مركزاً شرفياً كأحد أمناء الصندوق القومي اليهودي Jewish National Fund ، ولا ضر في هذا، لو لم تكن هذه المؤسسة عنصرية تسعي لشراء اراض داخل الخط الأخضر وبيعها لليهود فقط او وضع شروط تعجيزية لفلسطيني الـ 48 تجعل من المستحيل ان يوفوها ومنها بالطبع الخدمة في الجيش الاسرائيلي.

ويشارك براون في عضوية هذه الجمعية رئيس حزب المحافظين دافيد كاميرون. اما الأسرة المالكة فقد رعّت ممثلة بالأمير فيليب زوج الملكة اليزابيث الثانية حفلا خيرياً نظمته هذه المؤسسة مطلع نيسان (ابريل) هذا العام في قلعة ويندسور الشهيرة وسيحضر اعضاء منها حفلات اخري في الذكري الستين لتأسيس دولة اسرائيل.

ويبقي السؤال: هل سيحضر اي منهم اي فعاليات في ذكري نكبة الفلسطينيين عام 1948 ام سيفعلون ما فعله الامير تشارلز ولي العهد عام 1998 عندما حضر احتفال الذكري الخمسين لقيام اسرائيل واعتذر في اليوم التالي عن حضور الذكري الخمسين للنكبة والذي نظم في كاتدرائية ويست مينستر بلندن، ويبقي الاحتمال الثاني هو الأرجح.

علي المستوي النقابي الصورة منقسمة فن ناحية هناك تأييد كبير للفلسطينيين ظهر بوضوح في قرار اتحاد المدرسين الجامعيين (UCU) University and College Union بمقاطعة اسرائيل اكاديمياً والذي صوتت له غالبية مريحة ولكنه يجابه بمعارضة شديدة ادت الي اعتباره غير قانوني ولا يمكن تطبيقه وما زال السجال في هذا الموضوع مستمراً داخل الاتحاد. وأحدث ما واجهناه في مدينة شيفلد كان عندما نظمنا في آذار (مارس) الماضي محاضرة للمؤرخ الاسرائيلي الشهير الصديق بروفيسور ايلان بالي بعنوان التطهير العرقي في فلسطين Ethnic Cleansing of Palestine وهوعنوان كتابه الحديث والمهم وكان من ضمن الجهات التي تبنت هذه المحاضرة فرع UCUمدينة شيفلد واحدث هذا خلافاً شديداً مع افرع اخري اعتبرت ان من الخطأ اقحام الاتحاد في امور خلافية كهذه!

السؤال المهم يبقي: لماذا، رغم وضوح بل وبشاعة العدوان الصهيوني الذي، وبعيداً عن المزايدات، يمارس القهر اللامعقول ويحرم شعباً بأكمله أبسط حقوقه الانسانية، نفشل الي الآن في اقناع المجتمعات الغربية ـ وليس الحكومات فأمرها ميئوس منه ـ بعدالة قضيتنا؟ لماذا ورغم ان 69% من الاوروبيين اعتبروا منذ عامين في استفتاء شهير ان اسرائيل تمثل الخطر الاكبر علي السلام العالمي وان غالبية البريطانيين وحسب احدث استفتاء للـ BBC تعتبر اسرائيل اخطر من الصين في ممارساتها ضد الفلسطينيين، نفشل في جعل هذه الجماهير تتخذ موقفا ضد حكوماتها وسياساتها المؤيدة لإسرائيل؟

الاجابة في رأيي تكمن في عدة نقاط أولها نجاح اسرائيل عبر آلتها الاعلامية الضخمة والناجحة والتي تشمل العديد من الصحف ومحطات التلفزة والاقمار الصناعية اضافة الي هوليوود في تصوير اي معارضة لاسرائيل بأنها معاداة للسامية Anti Semitism . وهذا ما يرهب الغرب والاوروبيين بصفة خاصة بل وصلت الوقاحة الي حد اتهام اليهود المعادين لإسرائيل بمعاداة السامية واطلاق تسميات مثل اليهودي عدو نفسه Self Hating بحقهم. ورغم خطورة وفعالية هذه النقطة فمن السهل مقاومتها وذلك بتوحيد الخطاب الاعلامي داخليا وخارجيا والتأكيد دوما علي معاداتنا لصهيونية اسرائيل وليس يهوديتها، وكونها تتبني مشروعاً عنصرياً اقصائيا توسعيا. والمطلوب من فصائلنا بكافة اتجاهاتها تبني هذا الخطاب بصورة عملية وعن قناعة وترسيخه لدي كوادرها من القاعدة الي القمة. فنحن لسنا شعبا عنصريا كعدونا نعادي الامم علي خفليتها العرقية او الدينية. كما يجب ان نركز وبصورة كبيرة علي اتهام اسرائيل بالعنصرية وتشبيهها بنظام التفرقة العنصرية السابق في جنوب افريقيا الابارتهيد . فهناك شخصيات بحجم الأب ديزموند توتو والوزير الجنوب افريقي السابق كسريل وغيرهم يصرحون علنا بأن ما يرتكب علي ايدي الاحتلال الاسرائيلي في الضفة الغربية وغزة أقسي بكثير من نظام الابارتهيد . فعلينا ان نأخذ هذا بمحمل الجد وعلي ارضية صلبة جدا.

اما النجاح الصهيوني الآخر فهو اقناع الرأي العام العالمي بالربط بين كفاح الشعب الفلسطيني وما يسمي بالتطرف الاسلامي و الحرب علي الارهاب . وللأسف سقطت بعض التنظيمات ونسبة محترمة من شعبنا في هذا الفخ الخطير بالتأكيد علي الخلفية الدينية للصراع. وهذا ما يجب ان نقف عنده بترو فتاريخياً لم تنشب بيننا وبين اليهود في فلسطين عبر آلاف السنين اي صراعات تذكر حتي مطلع القرن العشرين عندما كانوا يمثلون سبعة في المئة من تعداد السكان ولم يبدأ الصراع الحقيقي الا مع وعد بلفور المشؤوم وما تبعه من موجات هجرة يهودية اوروبية وامريكية. ومن هذا المنطلق يجب ان تعاد القضية الي مسارها الاصلي وهو كفاح سياسي لشعب مضطهد بكل اطيافه الوطنية والدينية تحت راية التحرير لبناء دولة الانسان بغض النظر عن خلفيته الدينية او الفكرية.

ندرك جيدا ان الرأي العام العالمي منحاز لاسرائيل وانه لم يفعل شيئا يذكر للشعب الفلسطيني او لأي من الشعوب الأخري المضطهدة، ولكن اهماله خطأ كبير والعمل علي التأثير فيه يجب ان يكون من أولويات النضال والطريق طويل طويل ولا مجال لتوقع انتصارات سريعة.

كاتب من فلسطين مقيم في بريطانيا