سقط مبارك فهل انتصرت الثورة؟
أسامة عبدالستار موسى الفرا
التفاصيل
سقط مبارك فهل انتصرت الثورة؟ مشير الفرا 2011-02-13
مع نشر هذا المقال يكون حسني مبارك قد رحل.. وبغض النظر عما سيحدث في مصر الحبيبة خلال الأيام أو الاسابيع القادمة فالحقيـــقة المؤكدة أن حكم حســــني مبارك انتهى إلى غير رجعة. ويبقى سؤال مهم تتفرع منه تساؤلات كثيرة، هل ذهب مبارك وبقي النظام البغيض على قلوب أحبتنا المصريين قبلنا نحن من نعتبر مصر بلدنا الثاني الغالي؟
هل يمضي الشعب في معاناة تبعات السياسات التي اختطها مبارك ومجموعة رجال المال والأعمال والقيادات الفاسدة (الحرامية)، من حوله والذين خلق منهم 'مافيا' متنفذة ضمنت استقرار نظامه وسيطرته على الغالبية العظمى من الشعب الذي تحول إلى أداه في يد هذه المافيا، يعتمد عليها في كسب لقمة العيش الممزوجة بالذل والمهانة.
هل سيستمر تدفق السلع الاستهلاكية التي تستوردها هذه المافيا وحاشيتها، والتي لا
تستطيع غالبية الشعب المصري حتى أن تفكر في شراء معظمها، بل كل ما تملكه هو مشاهدتها في واجهات المحلات الفخمة، التي هي حكر على طبقة صغيرة متنفذة أثراها النظام بالفساد والقهر. شبكة شرسة من محلات المأكولات والمشروبات الأجنبية الخاصة، Pizza Hut''،'KFC' ، 'Mcdonald، 'ستاربكس'، وغيرها العشرات، ودور السينما الأمريكية الغالية جدا، التي يحتكر امتيازها الموالون للنظام (حرامية أيضاً)، في بلد تعيش نسبة كبيرة مٍن موظفيه على راتب لا يزيد عن 400 جنيه مصري شهرياً، ويستمر فيه التهديد برفع الدعم عن السلع الأساسية، من دقيق وغيره. للعلم وحتى تتخيلون الغلاء الذي أوجده هذا النظام البائس، رغيف 'الفطير المشلتت' وصل سعرة إلى أكثر من 40 جنيهاً مصريا في بعض المخابز في القاهرة.
في مصر يباع قميص الـNIKE المستورد بـ450 جنيها، في وقت عمل فيه النظام على تهميش مصانع الغزل والنسيج (فخر مصر)، عبر ثلاثة عقود بدعوى فقر الجودة وانعدام الكفاءة وضآلة الإنتاج وحتمية الخصخصة. وما انتفاضة عمال الغزل والنسيج بالمحلة في نيسان/ابريل الماضي، إلا أكبر مثال على الظروف التعيسة التي كانوا ومازالوا يتعرضون لها والهدف واضح، فتح البلد لأكبر عدد ممكن من المستثمرين (مجموعة أخرى من الحرامية) ليغرقوا مصر بالمنتجات الغالية التي لا يستطيع العامة، وهم الأغلبية شراءها.
هل يعقل أن يسكن ملايين المصريين وأسرهم في المقابر لعدم قدرتهم على الحصول على إسكان، أو ينام الكثير من أبناء الشعب، عائلات بأكملها، في العراء حول وتحت عربة يسترزق منها رب العائلة، في وقت يبيع فيه النظام أرض البلد لرجال الأعمال الفاسدين بأبخس الأثمان، ليبنوا عليها مشاريع إسكان فخمة للأغنياء واولادهم وبناتهم واحفادهم، سواء من أبناء البلد، أو فاسدين اجانب لا فرق، فالفساد لا جنسية له أو لون أو عرق أو دين. وبالمناسبة نسبة غـــير قليلة من هذه البــــيوت تكون بيـــتا ثانيا أو ثالثا مغلقا معظم أوقات السنة. ماذا عن أكثر من خمسة ملايين مصري غلبان يعيشون في حزام البؤس في العشوائيات حول القاهرة، في ظروف لا يأبه لها لا مبارك ولا نظامه التعيس.
أيستمر النظام في سياسات التعذيب الوحشي للسجناء السياسيين ايا كانوا، أو حتى الجنائيين في انتهاك واضح لأبسط قواعد حقوق الإنسان، تحت سمع وبصر الإدارة الأمريكية، التي تكشف الأيام تباعاً نفاقها وكيلها بمكيالين، فما دام النظام، أي نظام، على الجانب الأمريكي والبريطاني والأوروبي الحكومي فلا مانع أن يعذب ويسرق ويقهر شعبه كما يشاء، وما النظام المصري والسعودي إلا مثالان في لائحة طويلة ممن وصفهم هنري كيسنجر في السبعينات، حينما كان يعلق على فساد وانتهاكات أحد ديكتاتورات أمريكا الجنوبية، الرئيس التشيلي السابق (بينوشيه) لحقوق الإنسان، الذي دعمته إدارة نيكسون لينقلب على الزعيم التشيلي الإشتراكي نصير الفقراء سلفادور الليندي، 'إنه وغد ولكنه وغدنا'. ولربما جاء تعذيب وإعدام الشهيد خالد سعيد، ليكشف الوجه الوحشي لهذا لنظام البوليسي الكريه، ولا ندري كم خالد سعيد آخر عذبوا وقتلوا ولم نعلم عنهم؟
هنيئاً لشباب وشابات مصر بثورتهم ضد هذا النظام الذي أوصل مصر إلى الاعتماد على القمح الأمريكي، في بلد تربته من أخصب الترب على وجه البصيرة. بالطبع وكالعادة كانت حجة خبراء اقتصاد النظام (جزء من الحرامية) أنه لا جدوى اقتصادية من إنتاج القمح، بل الأفضل استيراده، وبالطبع لا يقولــون ان الجدوى للقلة القليلة من الأغنياء والمقربين، وما لا يقولونه أيضاً ان ســــياسات النظام الاقتصادية قد فرضت عبر ثلاثة عقود وقبلها بستة سنين، منذ سياسات الانفتاح التي بدأها السادات عام 1975، التبعية المطلقة لاقتصاد السوق الرأسمالي على حساب مصالح الغالبية الساحقة من الشعب المصري، المتمثلة في دعم و تطوير الزراعة والصناعة المصرية. سيصاب القارئ بالصدمة عندما يعرف أن مصر تستورد الفول من مزارع بريطانية في مقاطعة 'لنكولنشير' الشمالية.
هل ستزور الانتخابات علنا، كما حدث دوما، خاصة الانتخابات الأخيرة التي كانت أكبر إهانة للشعب وحقة في اختيار ممثليه؟ هل يمضي النظام عبر اعلامه الموجه في دفع الشعب المصري إلى معارك تافهة لتلهيته عن فساده، كما حدث بعد مباراة الجزائر ومصر في تصفيات التأهل لكأس العالم الماضي؟
استبقى مصر الحبيبة رهينة المساعدات الأمريكية المشروطة بالانحياز الواضح والصريح للمشروع الأمريكي وشرطيه الإسرائيلي. هل سيتوقف تدفق الغاز المصري المدعوم لاسرائيل، هل ستستمر الشركات المصرية الموالية للنظام في توريد المواد الغذائية للجيش الإسرائيلي، حتى خلال هجومه الوحشي على غزة (حرامية وقحين). هل ستستمر سياسة إذلال الفلسطينيين في المطارات وعلى معبر رفح، أناس محترمون محترفون رجالا ونساء، كل ما يريدونه هو المرور بكرامة عبر الأراضي المصرية ولا يسمح لهم، بل يجمعون في حافلات تحت حراسة الأمن ويرحلون ويهانون وكأنهم مجرمون، وجلهم يحبون مصر رغم كل هذا. وماذا عن أنات المرضى والجرحى الذين لا يسمح لهم النظام المصري بالمرور للعلاج، إلا بعد جهود جهيدة، أو الطلبة المنقطعين عن جامعاتهم، أما عن التحريض الإعلامي المستمر على الفلسطينيين وتهديدهم للأمن القومي المصري، فقد أصبح السمات المميزة لاعلاميي النظام (حرامية من فئة أخرى).
يا شباب ويا شابات مصر منكم السماح فقد ظلمناكم وافترضنا انكم، وكضحية لهذا النظام، اصبحتم جثة هامدة كل همها، كما الشباب عبر العالم كله، أن تحصل على أحدث هاتف 'محمول' أو 'I Pad ' أو تحصل على وظيفة في إحدى الشركات الاستثمارية، التي يرعاها النظام الفاسد، أو تتسابقون لحضور الحفلات أو التسابق على أحدث تسريحات الشعر. وها أنتم تثبتون مدى خطأنا وتبعثون الأمل فينا وتتحركون ضد الظلم والفساد الذي يمثله نظام مبارك، وكل الأنظمة الفاسدة من المحيط إلى الخليج. كل ما نتمناه ألا تختطف ثورتكم لا من ازلام النظام، فهم لن يتورعوا عن الاستمرار في السياسات السابقة، وإن كانت بعمليات تجميلية لن تلبث أن تكشف عن الوجه الحقيقي بعد فترة، ولا من أي حزب معارضة لم ينزل معكم إلى الشارع منذ اليوم الأول. الثورة ستنتصر حتماً ولكي يكتمل الانتصار كل هذه السياسات القذرة يجب أن تنتهي.
ويا روح الشهيد محمــــد البوعزيزي من تونس الحبيــــبة، مفجر هذا الطوفان البشري المظلوم، والمتحرك ضد الظلم في بلادنا السليبة والمبتلية بحكامها، سلاما من الأعماق.
هامش:
نتفهم أن يؤيد مبارك كتاب النظام المصري وبعض كتاب البترودولار الخليجيين أو الليبراليين العرب المدفوعي الأجر سيئي السمعة، ولكن ما يؤلمنا هو العدد غير القليل من الكتاب الفلسطينيين المحسوبين على السلطة، ومنهم وللأسف مناضلون سابقون، أسرى في سجون الاحتلال لسنوات طويلة، الذين يكتبون تأييداً لمبارك إن لم يكن بوضوح وقح فهو بين السطور.
يا ناس حرام عليكم فقد كنا نحسبكم يوماً ثوارا لا تقبلون الظلم فاصمتوا لأجل ما
كنتم تمثلون.
كاتب فلسطيني