بكت عيني
محمود رفيق الفرا
محاضر جامعيالتفاصيل
بكت عيني
بقلم/ أ. محمود رفيق الفرا
16.1.2012
يتوجه في كل أسبوع كثيرٌ من المسلمين إلى مساجد الأرض يشيعون موتاهم, و هي صورة لطالما تعودنا عليها حتى عادت لا تؤثر في كثير منا, فتجد الناس قد شغلتهم الحياة عن التذكر في ما بعدها, رغم أن الله تعالى أمرنا بالتفكر فيما بعد الدنيا من موت و بعث و حساب و جنة و نار لا أن نتفكر في حياتنا من أكل و شرب و بيع و شراء و ملهيات , إلا أننا نغض الطرف عن ذلك و ننهمك في التفكر في ملذات الدنيا حتى و نحن نودع أبناءنا و أخواننا و بناتنا و أهلينا إلى دار غير الدار التي نسكنها.
هناك عند مطار الإقلاع إلى الدار البرزخيـة, يقف المشيعون لا يتفكرون و لا يتساءلون و لا يعتبرون, فالقاذف لأعراض المسلمين, و الآكل لحقوق العباد, و الحارم لميراث البنات, و السائر بين الناس بالنميمة و الغيبة و المقصر في جنب الله تعالى, كل هؤلاء يشيعون يوما بعد يوم الموتى دون عبرة أو تفكر في أنه لا محالة سيكون في يوم من الأيام هو المسافر و الناس هم المشيعون.
هناك حيث توارى الأجساد تحت التراب فتسأل النفس في الوقت الذي يبدأ النمل و الدود في أكل الجسد حتى إذا ما مر عليه الأسبوع و الذي يليه كان الجسد لا شيء إلا عددا من العظم فإذا جاء الشهر ثم الذي يليه لم يبق من الجسد إلى تلك العظمة التي منها ينبت الخلق مرة أخرى للحساب يوم النشور.
هناك حيث يودع الناس أحبابهم, هناك يودع الخليل خليله, و الصاحب صاحبه, و الولد أباه أو أمه, و الأب ابنه أو ابنته, هناك حيث أعمار المسافرين لا قيد عليها و لا سلطان فمنهم من لم يبلغ اليوم و منهم من بلغ السبعين و الستين و منهم من تجاوز ذلك, هناك بكت عليني.
بكت عليني و هي ترثينا, بكت العين على شباب يضيع بين زقاق الشوارع إلى حلقات الشبكات الاجتماعية, بكت العين على أيام ضاعت في لا صلاة و لا تسبيح, بكت العين على أعمار ضاعت فلا تصدق صاحبها و لا صلى, بكت العين على من عاش عمره الطويل و هو يتخذ من المعاصي حرفة يحترفها أو هواية يهواها, بكت العين على رجال شيعوا رجالا فلا عبرة و لا تفكر كان سببا في هداهم, بكت العين على نفس عاشت طويلا و هي تقول على المعاصي أنها شيء عادي, بكت العين على قلب خشع على أنغام الموسيقى و لم يخشع عند سماع كلام الواحد الديَّان, بكت العين على عيون ذرفت الدموعَ خلف الدموعِ على مشاهد رومانسية في مشاهد تركية و أخرى مصرية و ثالثة سورية و كلها في ميزان الحق سقوط يتلوه سقوط و لكنها لم تبكِ من خشية الله تعالى.
بكت عيني في وقت كان الجميع فيه يحتفل زورا بميلاد ابنا للرب أو ميلاد ربا غير الذي نعرف, بكت عيني في وقت رفع فيه الناس أصواتهم مرحبين مهللين لعادات و تقاليد أجنبية كفرية قادمة من حيث تركها أقوامها. بكت عيني و لا يليت الدموع التي نزلت تغسل ما على القلب من قسوة أو على العقل من جمود أو على النفس من استهتار.
بكت العين و يا ليتها ترسل الإحساس للقلب أن يخشع أو يبكي, لعل ذلك البكاء يكون منجاة يوم يستظل بظل عرش الرحمن سبعة يستظلون بظل لا ظل غيره.
أيها الأحبة في كل مكان, أما آن الأوان أن نبكي على أنفسنا التي إن لم تغمس في المعاصي فقد انغمست في التقصير, ألا توقنون أن الموت آت و أن بعده السؤال لا محالة ثم القرار إلى جنة أو إلى نار ؟
بكت عيني!!!