...

حقـًا إنها امرأة شريفـة يا أحرار


محمود رفيق الفرا

محاضر جامعي

التفاصيل

حقـًا إنها امرأة شريفـة يا أحرار

 

بقلم/ أ. محمود رفيق الفرا

 

ذات صباح بينما أنا ذاهب إلى عملي بهمة شديدة و تركيزي منصب بأكمله على الوصول بسرعة لمحاضرتي  و إذ بمشهد جذب اهتمامي و تركيزي حيث امرأة التحفت بثيابها و غطت جلَّ وجهها و معها ابنتها ذات العقد الثاني من عمرها تقريبا يقفون على جانب الطريق لا لتتسول أو تطلب المساعدة من المارة بل كانت تقف بجوار منطقة مدمرة (خرابـة) و تبدأ في جمع الحجارة و تعبئتها في وعاء خاص ثم تحملها و تضعها في عربتها التي يجرها حمار و هو الأمر الذي تفعله ابنتها أيضـًا غير مكترثـة بمرور بنات الجامعة من جانبها و هن في كامل أناقتهن.

 

هذه المرأة التي كان من الممكن  أن تجمع أكثر مما سيعود عليها من هذه المهنـة الحديثـة في غزة من خلال التسول على باب مسجد أو مدخل سوق أو من خلال التسول على بعض أبواب أحياء غزة مثلا, إلا أنها أبت أن تأكل الحرام أو أن تأكل دون مقابل فذهبت لعمل اعتدنا على أن يقوم به الرجال الأقوياء فقط.

 

هنـا خطر ببالي دون توقف و دون تردد ذلك الموظف الذي يذهب لعمله كل صباح و هو في كامل أناقته و يضمن الحصول على مرتب محدد و معروف له سلفـًا ثم يجلس في مكان عمله  فيتكاسل في عمله  فينجز الأعمال التي تحتاج إلى يوم واحد على ثلاثة أيام, فلا إخلاص و لا إتقان و لا خوف من الرحمن … نعم لقد ظلت صورة تلك المرأة و ابنتها تطرق تفكيري و ذهني المرة تلو الأخرى حتى شرعت في كتابة هذا المقال و أنا أتساءل عن ذلك الموظف الذي لا يتقن عمله و إتقان العمل لا يكون فقط من خلال الوصول للعمل عند الموعد المحدد و دون تأخير بل يحتاج الإتقان إلى السعي الدائم لنجاح العمل بكل الطرق و الوسائل, فالموظف المتقن و المخلص ينجز أعماله الموكلة له دون تردد أو كسل, و المسئول يبحث دائما عن كل الوسائل التي تساعد على إنجاز الأعمال, أما أن تجد موظفا كسولا أو مهملا ثم تجد مسئولا لا يفقه أكثر من 50% من مهامه و مسئولياته و رغم ذلك يتشبث بمكانه  فإن هذا بكل تأكيد يعتبر على نقيض تلك المرأة الشريفة التي أبت إلا أن تأكل بالحلال, فهذا بلا شك يأكل كثيرا من الحرام لأنه إما مهمل في عمله  أو غير مناسب لأداء مهامه و رغم ذلك لا يسعى لتطوير نفسه بصدق أو لا يسعى للتنازل عن مكانه هذا لمن هو أكثر قدرة على إدارة المهام.

 

و للأسف الشديد فإنَّ هذه الصورة متكررة جدا في مؤسساتنا الإسلاميـة قبل العلمانيـة و الحكوميـة قبل الخاصـة فقلما تجد مؤسسـة لا توجد بها هذه الصورة المشينـة من موظفين يأكلون الحرام من خلال إهمالهم أو عدم كفاءتهم في مكانهم, و لعل مقالي هذا يكون دعوة صادقـة مني إلى أن يقوم كل منا بتصحيح مساره و ألا يقبل العمل في موضع هو غير مناسب له و ألا يتحمل مسئوليـة هو غير جدير بها و عليه أن يعمل فقط فيما يفقه فيه حتى لا يجر نفسـه إلى أكل الحرام و الإضرار مصالح المسلمين.

 

و في الختام أستودعكم الله …