...

ثورات تحتاج إلى ثورة !!


محمود رفيق الفرا

محاضر جامعي

التفاصيل

ثورات تحتاج إلى ثورة !!

بقلم أ. محمود رفيق الفرا

http://mfarra.cst.ps

m.farra@cst.ps

 

لعل الانطباع العام في الشوارع العربية و الإسلامية يسير نحو الشعور بالسعادة في إعقاب الثورات التي تشهدها و شهدتها بعض البلاد الإسلاميـة, و هو شعور قد يتقبله الإنسان للوهلة الأولى و قبل الإمعان الجيد للصورة بشكل كامل, بينما بعدما نمعن النظر و التفكير في ما تصل له تلك البلاد التي تشهد تغييرًا على مستوى النظام الحاكم و على مستوى الفكر العام للنظام الجديد ستجد ان هذه الثورات و الحركات التي قامت من أجل التغيير هي في حد ذاتها تحتاج إلى ثورة داخلية فيها للتغير من سلوكها و عقيدتها و تفكيرها, ثم لتجد أن بلادنا العربية و الإسلاميـة تحتاج في حقيقة الأمر لا لثورة عسكرية أو شعبيـة لتغيير النظام السياسي القائم بل تحتاج بكل تأكيد إلى ثورة لتغيير سلوك و أخلاق كل فرد من أفراد المجتمع, ثورة تجعل الموظف يشمئز من التقصير في عمله و تجعل الطبيب يتعالى عن ذبح المرضى بإجبارهم على دفع مبالغ طائلة من أجل تقديم أسمائهم في قائمة العمليات, و تجعل المارة في الطريق العام يترفعون عن إلقاء القاذورات في الشوارع, ثورة تجعل كل فرد في المجتمع يخاف على الصالح العام و المال العام كأنه ماله, ثورة تجعل كل فرد في المجتمع يسعى ليلا و نهارا إلى العمل و الإنتاج و كأنّـه يعمل في مؤسسة تعود ملكيتها له هو شخصيــًا.

 

نعم إن بلادنا الإسلاميـة تحتاج إلى ثورة سلوك و أخلاقيـات قبل الثورات السياسية و العسكرية التي نشهدها , و التجربة تؤكد أن كافة الثورات و حركات التغيير التي تمت في بلادنا لم تغير من جوهر الحقيقة شيء و لن تغير , فلازال الموظف يخون أمانة العمل, و لا زال التاجر يحنث في يمينه, و لا زالت مساجدنا تشكو من قلة المصلين, و لا زال طلبة الجامعات يعملون على تجهيز قصاصات الغش قبل كل امتحان, و لا زالت كثير من المناصب تعطى بصورة لا علاقة لها بالكفاءة و المهنية, و لا زالت عادات القتل و الأخذ بثأر موجودة بيننا, و لا زلنا نعتمد في أكلنا و شرابنا على غيرنا بل و أحيانا على عدونا … فماذا فعلت الثورات إذًا  و ما التغيير الحقيقي الذي أحدثته في جوهر حياتنا ؟ لربما فقط تغيرت الوجوه و الأسماء و لم تتغير الأنماط أو الأخلاق !! هذا كله يدعونا إلى التفكير بشكل جاد لتنظيم حملات ضخمة من خلال كافة وسائل الإعلام و النشر المتاحة لإحداث ثورة السلوك و الأخلاق التي إن كُتب لها النجاح سنتمكن من تغيير كثير من واقعنا دون الحاجـة إلى تغيير دموي لواقع نعيشـه.

 

و لعل هذا المقال و ما سلف من عبارات تعني أنني لا أوافق على ثورات دموية و خروج عن النظام العام لأن هذا فيه مفسدة عظيمة تطول البلاد, بل اعتبر نفسي من خلاله قد وضعت  الحل الحقيقي لكل ما نعانيـه من مشاكل على كافة الأصعدة السياسية و الأخلاقيـة و الاقتصاديـة  لن يتم علاجها بالمطلق إلا من خلال تصحيح الأخلاق العامة للشعوب و تصحيح و تصويب السلوك العام و إلا فلن تغير رصاصات الثورات شيئـًا و لن ينصلح حالنا أبدا لأنه لا يمكن بناء سور كبير و ثابت من خلال استخدام مجموعة من الأحجار الضعيفة الخربـة مهما فعلنا فإن السور سينهار عند أول عاصفة …

 

و في الختام استودعكم الله ،،،