الموظف بين بياض الوجوه و سواد الصحف !!
محمود رفيق الفرا
محاضر جامعيالتفاصيل
الموظف بين بياض الوجوه و سواد الصحف !! من أصعب المواقف أن تسعى في طريق طويل تعتقد أن في نهايته مكسب عظيم ثم تجد أنك قد وقعت في الهاويـة, ذاك موقف يقع فيه كثير من الناس إلا من رحم ربي, حتى أنَّ الله تعالى ختم سورة الكهف بحديثـه عن أولئك الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون أنهم يحسنون عملا فقال عنهم "الأخسرين أعمالا", أي أنهم أكثر الناس خسارة للعمل !! و لعل هذه الصورة في الدنيـا متكررة الظهور خاصــة عندما تعيش في مؤسسـة حكوميـة و تعايش المعاملات و المواقف فيها, لتجد أن كثيرا من المواقف يقوم بها الموظف و هو يظن أنَّ تصرفـه هذا تصرفا صحيـحـا سيجعل وجهه أبيضـا مع زملاءه أو مرؤسيــه أو من هم حوله, و في الحقيقيـة هو يحصد بتصرفاته هذه سوادا يتراكم على وجهه و في صحيفته يوم القيامـة لأنه بذلك يساهم في ترسيخ الظلم في مؤسسته و ترسيخ تضييع الأمانات, فالناظـر إلى حالة الضعف و الوهن الذي تمر به مؤسساتنا الحكوميـة و خاصـة في التعليم عليه أن يدرك جيدا أنَّ هذا الضعف ما هو إلا عرض من أعراض المرض الذي تعاني منه مؤسساتنا الحكوميـة سواءً في الضفـة المحتلة أو غزة المحاصرة, و إن من أهم أسباب هذا الضعف بالإضافة لما ذكرته في مقالي السابق (راتب = س … ناتج = صفر) ما يعرف بسياسـة بياض الوجه التي يسعى كل موظف و كل مسئول إلى تحقيقها -إلا من رحم ربي-, فجل موظفينا و مسئولينا يسعون بكل قوة إلى الخروج ببياض الوجه مع من يعرفون من أصدقاءهم و زملاءهم في العمل و أقاربهم, و بياض الوجه هذا ليس الذي ينتج من إجادة العمل و الحفاظ على الأمانـة بل بياض الوجه بعدم الوقوع مع الآخرين في الإحراج نتيجـة معاقبة المسيء أو مكافأة المجيد أو رفض طلب ما أو التوسط لحسم صفقـة ما !! أمام هذا كله يسعى المسئول إلى الحفاظ على بياض وجهه فيغض بصره عن جرائم إداريـة و واسطـة و محسوبيـة و عن تقصير في الأعمال و الكفاءة و هذا كله يؤدي في حقيقة الأمر إلى تدهور العمل و الإنتاج في مؤسساتنا, حيث غاب الحساب و العقاب و قد تغيب أحيانا المكافأة لأن مكافأة موظفـا ما قد لا تعجب موظف آخر و هو صديقي لذا ابحث عن بياض وجهي فأقوم بحرمان الموظف من مكافأته فأنا لست على علاقـة قويـة به, و قس على ذلك من المواقف ما تشاء من تنصيب لمسئولين و رؤساء أقسام و موظفين في أماكن و مناصب تحتاج إلى كثير من المهارات و القدرات التي لا تتوفر في شخص ما و لكنه يحصل على المنصب من أجل بياض الوجه. و نسوا هؤلاء المساكين أنَّ بياض الوجه الحقيقي لا يمكن أن يناله مضيع للأمانـة أو صاحب معصيـة, و نسوا هؤلاء المساكين أنَّ بياض الوجه الذي يسعون له بهذه الطرق لا يزيدهم إلا سوادًا لصحفهم التي ستعرض على الملأ أمام الله تعالى و سوادا لقلوبهم بل و سوادا لوجوههم في الدنيـا و الآخرة, فقد قال بن عباس : (إن للسيئة سوادا في الوجه وظلمة في القلب،ووهنا في البدن، ونقصانا في الرزق ، وبغضا في قلوب الخلق ) , و لعلكم لا تختلفون معي أنَّ غض البصر عن تقصير المقصيرين أو تضييع الأمانات في العمل من الذنوب الجلية. و هذا هو حالنا و العياذ بالله في مؤسساتنا -إلا من رحم ربي-, عند أي موقف حرج قد ينتج عنه معاقبـة موظف أو لفت انتباه أو حتى مكافأة موظف عن موظف, تجد البحث دائمــا عن بياض الوجه دون النظر بالمطلق إلى الصالح العام و مصلحة المؤسسـة, و هو بياض كما قلت ظاهري لا يشعر به إلا ذاك الشخص بينما في الحقيقـة هو يقوم بتسويد وجهه يوما بعد يوم في الدنيـا و تسويد صحيفته لتزداد فضيحته في الآخرة أمام العالمين, دون أن يساعده أحد ممن أغضب الله تعالى و ضيع أمانته من أجلهم. فهذا سبب من أسباب مرض (ضعف مؤسساتنا الحكوميـة خاصة) و لعل علاجـه يحتاج إلى رجال يفهمون حقيقـة بياض الوجه, و يعلمون أنَّ البياض الحقيقي هو يوم القيامـة حيث يقول ربي سبحانه في سورة آل عمران: (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون. وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون). زملائي و إخواني الأعزاء في كافة المؤسسات الحكوميـة, إياكم و البحث عن البياض الزائف للوجه, بل ابحثوا عن البياض الحقيقي بالإخلاص في العمل و الاجتهاد فيه و المحافظة على الأمانة التي وليتم لكم, و اعلموا أنَّ البياض الحقيقي لا يتأتى إلا لرجال حقيقيين يخافون الله تعالى في أعمالهم قبل أن يخافون من عتاب الخلق أو من قطيعتهم. و في الختام أستودعكم الله ... للتعليق على المقال ... تفضل بزيارة صفحتي الأكاديميــة http://mfarra.cst.ps أو على صفحتي الرسميــة على فيس بوك www.facebook.com/mahmoudRFarra