الحكومة المحكومة
محمود رفيق الفرا
محاضر جامعيالتفاصيل
الحكومة المحكومة
بقلم/ أ.محمود رفيق
الفـرَّا
27.4.2011
درجتُ منذ كنت
صغيرا على حقيقة تقول أن الحكومة هي المسيطرة و الحاكمة و المتحكمة في كل ما يدور
في البلد التي تحكمها, فكل صغير و كبير عليه احترام قوانين البلد و السير عليها
بحذافيرها خاصة عندما تكون الحكومة قوية و مسيطرة و لديها قوة تنفيذ للأحكام التي
تصدرها الهيئة القضائية.
كان هذا ما درجت
عليه, و لكن للأسف الشديد ما إن خرجت إلى معترك الحياة العملية و بدأت في الاحتكاك
بالدوائر و المصالح الحكومية حتى ضَربت وجوهي حقيقة مُرة مفادها أن الحكومة محكومة
لا حاكمة في كثير من الميادين و خاصة في الإطار الوظيفي و هذه حقيقة إذا ما أمعنت
التفكير فيها وجدت أنها تسبب البلاء الأعظم لما نعاني منه في حقل التعليم و الصحة
و الاقتصاد من ضعف و هوان و سوء إنتاج.
فإذا نظرنا لتجربـة
التعليم الحكومي سواء في المراحل المدرسية أو الجامعية نجد أن العملية التعليمية و
المخطط لعناصرها المختلفة أن تعمل و تخطط و تبيع و تشتري و تبني من أجل منتج واحد
هو طالب متعلم و ذو مستو مميز, و لكن للأسف يوم بعد آخر تصبح جودة هذا المنتج أكثر
سوءً من ذي قبل خاصة في المراحل الجامعية الحكوميـة و الناظر لهذا الأمر يجد أن
السبب يتلخص في جملة واحدة و هي "هل
الموظف حاكم أم محكوم؟" سنجد أن الموظف حاكما للحكومة لا محكوما منها و لا
تغرنَّك المظاهر الخارجيـة من محاولات ضبط
للمواعيد و تقييد و ضعف للرواتب, فكل هذا لا شيء مقابل ضبط جودة ما يقدمه المدرس
في المراحل المختلفة.
هذه ليست دعوة مني
لظلم الموظف أو التضييق عليه فأنا موظف, و لكنها دعوة مني إلى ترسيخ مفهوم
"الثواب و العقاب" و إلى ترسيخ مفهوم "هل يستوي الذي يعملون و
الذين لا يعملون", فإن ضاع هذا المفهوم فلن نجد بعد ذلك تعليما و لا صحـة, و
ستصبح جودة المنتج خاضعة فقط لضمائر الموظفين و هو أمر لا يمكن الاعتماد عليه
عندما نتحدث عن قاعدة ضخمة جدا من الموظفين, فالضمير و الإخلاص لابد أن تدعمه المراقبـة و الخصومات و المكافئات.
فالموظف هو القادر
على ضبط جودة التعليم بشكل أساسي, من خلال إخلاصـه في عمله سواء كان طبيبـًا أو
محاضرًا أو إداريا, يذهب لعمله في الموعد المحدد دون تأخير, يعطي كل مهمة وقتها
تماما دون انتقاص منها أو تضيع, يحاول ابتكار الحلول المختلفة لمعالجة المشاكل
المحيطة به, فإن كان محاضرا و مستوى الطلبة سيء, يبحث عن استخدام أكثر من أسلوب و
طريقـة لإيصال المعلومة للطالب و يبذل قصارى جهده من أجل الارتقاء بمستوى الطلبة.
و إن كان طبيبـًا فعليه أن يساهم بوقته أكثر فأكثر عندما تكون حالات المرضى تفوق
المعقول, و لا يعتبر أن مهمته تنتهي بنهاية دوامه أو قبل ذلك, و عليه أن يتذكر أن مهنته هي مهنة
إنسانيـة في المقام الأول قبل أن تكون استثماريـة.
الأسلوب الذي
تتعامل به الوزارات مع موظفيها, خاصة تلك
الوزارات التي لها علاقـة و تفاعل مع الجمهور مثل الصحة و التعليم, هو أسلوب أقرب
إلى التسيير منه إلى التطوير و العمل الجاد الهادف, و دليل ذلك أنّك قد تجد
موظفـًا كسولا, و لا يقدم 70% من المطلوب منه, و لكن رغم ذلك فكافـة حقوقه التي
ينص عليها القانون المعمول به من ترقيات منتظمة, و من مرتب كامل دون خصومات أو
عقوبات, و من حظوظه في الحصول على منح
خارجيـة أو إذن بالسفر لإكمال الدراسات العليا, و من حظوظه في الحصول على فرص
تدريب مدفوعة الأجر, و من حظوظه في العمل الإضافي الخارجي. تخيل معي !!! كل هذه
الفرص من حق موظف كسول لا يعطي الحد الأدنى المطلوب منه, و رغم ذلك فالحوافز لا
تنقطع عنه, المشكلة ليس هنا فحسب, بل تجد الموظف الذي يؤدي كافة المهام الموكلة
إليه و يزيد عليها من إبداعات و ابتكارات لا يحصل على ما يميزه عن ذلك الموظف
الكسول المضيع للأمانة, بل قد تجد أنَّ أولوية حصول الموظف الكسول على الحوافز مثل الدورات
التدريبية و إكمال الدراسات العليا أعلى من أولوية الموظف المجتهد لأسباب تتعلق
بالأقدميـة لا بالكفاءة.
أبعد هذا نعتقد أن
الحكومة هي الحاكمـة فعلا ؟! فالحاكم بحق هو من يعاقب المخطئ و المسيء و هو من
يكافئ المجيد و المميز, هذه القاعدة التي من شأنها جعل كل موظف في الحكومة يسعى
دوما إلى الإخلاص و الإجادة في العمل فإن لم يكن بدافع ديني كان ذلك بدافع دنيوي و
في النهاية تكون المؤسسات هي المستفيدة مما يعود بالفائدة على الوطن بشكل عام.
أخيرا, لم أكتب هذا
المقال من واقع وجود وقت فراغ لدي, أو من باب النقد لمجرد النقد بل أكتبه لما
يصيبني في كل يوم من حرقـة و ضيق شديدين على مستقبل لهذا الوطن يضيع في كل يوم ألف
مرة و لا يمتلك الواحد منـا ممن لا يمتلكون القرار إلا إصلاح دائرته الضيقـة فقط!!
و يبقى السؤال هل ستتغير هذه المعادلة الجائرة أم ستبقى هذه المعادلة كصبغـة خاصة
بالدوائر الحكومية , و في الختام أستودعكم
الله ...