حتى تحين المعركة القادمة
محمود رفيق الفرا
محاضر جامعيالتفاصيل
حتى تحين المعركة
القادمة
أحبابي و إخواني لقد
كتب الله لنا أن نعيش في شرف ما حيينا عندما قَدَّرَ الله لنا أن نعيش و نحيا على
أرض بيت المقدس و نعيش مرابطين عليها في وجه هذه الآلة الصهيوصليبية و هذا الشرف لا
يستحقه إلا من يعتقد أن قتالنا مع أعداءنا إنما هو قتال عقيدة لا قتال أرض و لا
معابر و لا مواد تموينية ...
و لأننا معشر
المسلمين مأمورين أن نأخذ العبرة و الدروس من كل الأحداث التي تمر بنا و بغيرنا من
الأمم حتى أن القرآن الكريم و سُنَّة نبينا صلى الله عليه وسلم (دستور الموحدين)
ذكرت لنا قصص عدد كبير من الأنبياء و الرسل و الصالحين ممن سبقوا نبينا محمد صلى
الله عليه وسلم و أخبرنا رب العزة سبحانه و تعالى السبب و الحكمة من ذكر هذه القصص
فقال: ( لقد كان في قَصَصِهِم عبرة لأولي الألباب) ...
من هذا المنطلق و
لأننا نعلم جيدا أنَّ معركتنا لن تنتهي حتى قيام الساعة مع هذا العدو فعلينا أن
نتعلم من معركتنا الحالية العديد من الدروس في المجالات المختلفة و من هذه الأمور و
الدروس التي لابد أن نعمل على معالجتها قبل أن تنطلق المعركة القادمة :
1)
كارثة الإسعافات الأولية:
لا شك و لا ريب أن من تابع المحرقة
القائمة لاحظ من الوهلة الأولى أننا نعاني بشدة من ضعف شديد في هذا الجانب حيث
ينطلق عدد كبير من الشباب المدفوع بالحماسة لإنقاذ الجرحى و لكن للأسف الحماسة
لازمها الجهل بأبسط قواعد الإسعاف الأولى فنتج عن ذلك كوارث كبيرة و مضاعفات كبيرة
عند الجرحى, لهذا فأنا أدعو ولاة أمورنا و القائمين على إدارة مصالح هذا الشعب أن
يجدوا حلولا لهذه المشكلة مثل فرض التدريب
الإجباري للقواعد الأساسية للإسعاف الأولي على الأقل على واحد من كل أسرة.
2)
خطة الطوارئ:
النتائج النهائية للحروب و المعارك لا
تكون فقط هي نتيجة الصراع بين الرصاص و القذائف و الصواريخ في ساحات المواجهات بين
رجال المقاومة و الأعداء و إنما هي
نتيجة تراكمية لأمور كثيرة و منها حالة التنظيم في اثنين من أهم المراكز و هما
المستشفيات و أماكن القصف و التوغلات حيث على و يعلو في هذه المناطق صوت الفوضى
المعيقة لأعمال الإسعاف الأولى و إخراج الجرحى أحيانًا و جثث الشهداء –بإذن الله-
في أحيان كثيرة.
من هنا أرجو و أطالب القائمين علينا
أن يضعوا الخطط المناسبة لهذه الأمور بدقة و أهمية و اهتمام لا يقل عن اهتمامنا
بالخطط الإعلامية و العسكرية.
3)
وحدة الصف و إصلاح ذات
البَيْن:
فالله سبحانه و
تعالى أمرنا في أكثر من موضع في الكتاب العزيز بالاتحاد و إصلاح ذات البين فقال
أصدق القائلين : "و اعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرقوا" و قال تعالى "
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ
الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ
وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ " فأمرنا سبحانه بالاتحاد
و حدد الأساس الذي يجب علينا الاتحاد على أساسه ألا و هو حبل الله .
و في آيات من سورة
الأنعام يوضح لنا ربنا سبحانه أن ما يصيب أقوام و فئات من أمة محمد من اقتتال داخلي
ما هو إلا عقاب من الله لهذه الأقوام بسبب ذنوبها و معاصيها فيقول الله تعالى : "
قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىَ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مّن
فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ
بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرّفُ الاَيَاتِ لَعَلّهُمْ
يَفْقَهُونَ "
و لأن ضعف وحدة
الصفوف لأي سبب كان تؤثر بالسلب على نجاح الجيوش في تحقيق الانتصار فإن الله سبحانه
و هو يتحدث عن غزوة بدر في سورة آل عمران نهى المسلمين عن أكل الربا فلماذا يا ترى
؟ و ما هي المناسبة ؟
يقول الشيخ المحدث
أبو إسحاق الحويني أن الحكمة من ذلك ترجع إلى أن أكل الربا يؤدي إلى زرع الحقد و
الكراهية بين المسلمين و بالتالي تضعف صفوفهم و تقل فرصهم في تحقيق النصر فما بالنا
بالفُرقة التي نعيشها الآن لأسباب أكثر من ذلك بكثير و بشكل أوسع بكثير.
و لأننا لمسنا بشكل
واضح في أيام الحرب الأخيرة و ما سبقها و ما تلاها من التأثير السلبي على مسيرتنا
في هذه الحرب فإننا أهم ما نستعد به للحرب القادمة لابد أن يكون توحيد الصف على
كتاب الله و سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لنقف أمام هذا العدو بقوة و شدة تكون
لنا عونًا أمام جبروت هذا العدو.
و هذه الوحدة و هذا
الرجوع لابد أن يتم من خلال القيادات العليا لان أنصار الأطراف المتناحرة بالتأكيد
سيكونون أول من يزغرد و أول من يقيم احتفالات الوحدة فهذا كان واضحا يوم أن تصافح
القادة في البلد الحرام و تحولت شوارع أراضينا إلى لوحة رائعة غاظ الله بها الكفار
و المنافقين.
و
لنتذكر جميعا ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر عندما طلب منه أن يوليه
على مصر من الأمصار فقال له: " "
4)
لقد كان لكم في قصصهم عبرة لأولي الألباب:
و هنا
لا أريد الإشارة إلا إلى نقطة واحدة و هي أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يُأذن له
بالقتال رغم كل الهوان و العذاب الذي لاقاه و أصحابه على مدار أكثر من 15 سنة (13
سنة في مكة و سنتان في المدينة) و كان يطلب من أصحابه الصبر على الابتلاء حتى يأذن
الله لهم بالقتال و هذا الإذن لم يأتِ من الله العزيز الحكيم إلا بعد أن علم أن
الصفوة المختارة قد أعدت نفسها بما تستطيع من السلاح و العتاد اللازم لقتال الكفار
و قبل هذا كانوا قد استعدوا بقوة إيمانية و اتباع لا ابتداع فيه لسُنَّة النبي صلى
الله عليه وسلم.
بعد
هذا كله جاء الأمر بالقتال ليس هذا
فحسب , بل إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم عقد صلح الحديبية مع كفار قريش رغم ما في
هذه الاتفاقية من شروط ظاهرها مجحف و مذل للمسلمين إلا أن باطنها احتوى خيرا كثيرا
تمكن بعده المسلمون من فتح مكة بلا نقطة دم واحدة و افتتحوا البلاد من مشارقها
لمغاربها في زمن قياسي.
و
الخلاصة أحبابي أننا قبل أن ندخل حربًا جديدًا على ولاة الأمور أن يقيموا موقفنا و
يحددوا هل نحن نعيش في فترة قريبة من فترة
مكة أم فترة المدينة و بعدها يقرروا نتيجة ذلك و نحن معهم فنحن لابد أن ندرك طبيعة
المرحلة.
في
الختام لا يسعني إلا أن اختم بما قاله عمر بن الخطاب و هو أمير المؤمنين إذ قال :
"لو عثرت دابة في العراق لسألني الله عنها لمَ لمْ تصلح لها الطريق يا عمر . ..."
...
أرجو
أن يقوم أصحاب القربى من ولاة أمورنا أن يوصلوا هذه الملاحظات لعل الله يجعل فيها
صلاح دنيانا و أخرانا إنه ولي ذلك و القادر عليه ....
و دمتم في شرف و عزة