...

هل نتجنب المعركة الخاسرة؟


محمود رفيق الفرا

محاضر جامعي

التفاصيل

هل نتجنب المعركة الخاسرة؟

بقلم محمود رفيق الفرا



يقولون في المثل الصيني "مجنون واحد يسقط قطعة الذهب في البئر و مئة عاقل يفكرون كيف يخرجونها" , هذا هو الحال الذي وصلت له العلاقة الفلسطينية المصرية في الأيام الأخيرة بعد مجموعة من التجاوزات من الجانبين بدأها مجموعة من المراهقين فكرياً في الجانب الفلسطيني من خلال قذف الجنود المصرين بالحجارة في مشهد ليس له علاقة بأي شعور فلسطيني اتجاه الأخوة الأشقاء في مصر, و لكن المراهقين فكرياً في الجانب الفلسطيني كانوا على موعد مع مراهقي الصحافة المصرية و ان اشتعل الشيب في رؤوس الكثير منهم إلا انهم لا يزالوا مراهقين و يتحدثون بلسان الجاهلية الأولى بألفاظ مثل "بلدي"و "حدود"و " سيادتي" و غير ذلك من ألفاظ و قناعات ابغضها الإسلام و نفاها منذ اليوم الأول لقيام الدولة الإسلامية.
كان من الممكن أن تمر هذه الأحداث بهدوء و كأنها لم تحدث لولا أنَّ الصحافة المصرية و الحكومة المصرية أرادت لها أن تبقى و أن يتم استخدامها كورقة ضغط على حكومة حماس في قطاع غزة مع تضحيتهم بعلاقة الحب و الود المتجدد دائما بين أهل فلسطين و أهل مصر , الا انهم ضربوا بهذا العلاقة عرض الحائط و قرروا أن يلعبوا على حبل المصالح الشخصية او ما يسمونها مراهقي الصحافة "المصالح القومية" ...
هذا الموقف السيء من الصحافة المصرية "الحكومية" كان من الممكن أن يكون سراباً بلا وزن أو قيمة لو تعاملت معه قيادة حماس بحكمة و هدوء من خلال تفنيد أي أخبار مكذوبة تنشر في وكالات الأنباء المصرية و العالمية و هي أخبار هدفها بكل تأكيد كسر حالة التعاطف المصري الشعبي الكامل مع أهل غزة في حصارهم خاصة و عبر التاريخ عامة, إلا أن الأخوة في حماس قادة و أنصار تعاملوا مع الأمر بشيء من التجاهل و عدم الاهتمام و كأنهم يعيشون في كوكب آخر أو كأنهم لا يجدوا منبراً يقفون عليه لتنفيد هذه الأكاذيب ليتركوا أخوانهم المواطنين البسطاء في مصر في مواجهة غير متكافئة مع الصحافة الحكومية التي تكاملت و تعاونت من أجل حملة هي الأقوى و الأخطر في الثلاثين سنة الأخيرة ضد العلاقات المصرية الفلسطينية منذ الحملة الساداتية بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد و التي انصبت على اقناع الشعب المصري و العربي بأن الفلسطينين هم من باعوا أرضهم لليهود و بالتالي فليس لهم ان يطالبوا العرب بمساعدتهم على تحرير بلادهم ...

الأخوة في حماس اتخذوا موقف "الساكت" في موقف غريب لا أفهمه رغم محاولاتي الكثيرة لفهمه , و لكني كنت في كل محاولاتي لفهم سكوت حماس احسن الظن و لربما هذا ما يجعلني لا أجد تفسيراً لهذا السكوت المريب, هذا السكوت من طرف الاخوة في حماس فتح الباب على مصراعية للوقوف على مشارف معركة خاسرة يدخلها الأخوة في غزة مع أشقائهم في مصر و هي المعركة الإعلامية لتراشق و للأخبار الكاذبة و التي لن يربح فيها أي من الطرفين بل سيكون الرابح الأكبر منها كالعادة الصهاينة و الأمريكيون.
المعركة بدأت طبولها تقرع قبل أيام من خلال مقال لكاتب فلسطيني في صحيفة القدس العربي و هو "رشيد ثابت" الذي خرج بمقالة عنوانها مستفز و لا معنى له حيث قال "أنا بكره فلسطين" و فيها قال ان الاوضاع في مصر تتجه إلى اخراج اغنية جديدة موازية لاغنية "أنا بكره إسرائيل" و قد جانب أخونا الصحفي الصواب في مقالته او علاى الأقل في افتتاحها لانها ببساطة ضخمت واقع غير موجود, و استخدمت ألفاظ لم تكن لتستخدم في موقف كهذا , على الاقل كان على ثابت رشيد ان يفهم أن الشعب المصري الذي هلل لاغنية "أنا بكره اسرائيل" لانه يكره إسرائيل لمن يصل به الحال إطلاقا إلى ان يكره فلسطين و لا يوجد هذا الشعور في مصر إلا وسط مجموعة و شريحة صغيرة جدا و لكن إن استمر هذا النوع من المقالات فإن هذه الشريحة من المنطقي جدا ان تزيد.
ليس من الحكمة أن نواجه الحملة الصحافية الحكومية في مصر بحملة تحمل نفس الطابع الهجومي, بل الحكمة تقول أن علينا استخدام المضاد الحيوي لها و هو توضيح الأمور و إبراز حالة الود التاريخي بين الطرفين و دفع حكومة غزة إلى نفي او توضيح الأخبار التي تخرج في الصحف المصرية الرئيسية الخمسة "الأهرام , الأخبار, الجمهورية, الأهرام المسائي و المساء" لان هذا هو الطريق الحقيقي على الأقل لحفظ حالة التعاطف و الاحترام بيننا نحن أهل غزة و بين الشعب المصري الذي لطالما وقف معنا و لا يزال و الذي دائما ما نعول عليه , أما الموقف الحكومي فكلنا يعلم أنه موقف مرتبط بإلتزامات و ضغوط دولية لا طاقة لهم بها.

أحبتي و أخواني في فلسطين عامة و في حماس خاصة , المعركة الخاسرة هي تلك المعركة الاعلامية التي تحاول بعض الأطراف جرَّنا لها إما لجهل و إما لحسابات شخصية و هي معركة بمقاييس العقل و التاريخ و الإعلام تقول أنها خاسرة جدا للطرفين و لنا نحن في غزة أكثر , فلا يمكن لنا في غزة ان نواجه الأداة الإعلامية الأقوى بين الدول العربية إلا إذا تعاملنا بذكاء معها , أما أن نسايرهم بمقالات و أخبار على نفس المنوال فهذا امر لن يعود علينا بأي خير.

كنت و لا زلت في انتظار خروج قادة حركة حماس ببيان رسمي من خلال مؤتمر إعلامي مصور يتم فيه بطريقة "ودية رسمية" تفنيد الاخبار التي صدرت مؤخراً فيما يخص التهديد بخطف جنود مصريين او قصف الاراضي المصرية أو ما حدث على الحدود مؤخراً ثم يتم التذكير و تجديد حالة الود بيننا و بين الأشقاء في مصر إن لم يكن ذلك من أجل الحفاظ على علاقتنا بالشقيقة مصر فليكن ذلك من أجل الموظف المصري الذي يحصل في الشهر على مرتب أقل من 50 دولاراً و رغم ذلك لبَّى نداء فك الحصار عن غزة و اقتتطع من هذا المبلغ الزهيد الكثير لصالح أخوانه المحاصرين في غزة , لا أقول ذلك من باب المبالغة و لكنه واقع عشته و أعيشه , ففي مصر لم يتأخر المواطن البسيط صاحب الاجر الزهيد من أن يتبرع لأخوانه المحاصرين في غزة , فهل نترك هذا المواطن المسكين يواجه الحملة الاعلامية الشرسة لوحده ؟ ليشعر بالغيظ و الحيرة و الألم و الأحباط ليتحول ذلك كله في النهاية الى كره ؟ أم ننقذه و ندخل السعادة على قلبه و نقول له لا تصدقهم نحن نحبك و نحب كل يد كريمة قطعت الأكل عن نفسها و ارسلته لنا و نحن كل قلب حبيب حنَّ و هبَّ لنصرة أخوانه في غزة ؟

إن كنا لا نريد ان نخرج بهذا المؤتمر الودي التوضيحي من أجل علاقتنا التاريخية بالشقيقة مصر فليكن المؤتمر من أجل هؤلاء الذي هبَّوا لنصرتنا و مساندتنا حتى لا نتركهم فريسة لمراهقي الصحافة المصرية الحكومية, فليس من المعقول أن نخرج كل يوم نرد على بعضنا البعض في مؤتمرات صحافية متوالية و يوم ان يتعلق الامر بعلاقتنا مع الشقيقة مصر نلتزم الصمت و نترك الأكاذيب تنتشر و السؤال الذي يطرحه العقل إن كانت أكاذيب فلماذا لم تكذبوها ؟!