...

بالألوان الأربعة


يحيى نافع يونس الفرا

رئيس نيابة

التفاصيل

 

بالألوان الأربعة

                                                                            بقلم / أ. يحيى نافع الفرا

 نصت المادة الثامنة من القانون الأساسي الفلسطيني المعدل على أنه " يكون علم فلسطين بالألوان الأربعة والأبعاد والمقاييس المعتمدة من منظمة التحرير الفلسطينية هو العلم الرسمي للبلاد".

هذا النص دستوري أي لا يجوز مخالفته ، وأنه لو كان هناك أي نص يتعارض مع النص الدستوري يطبق النص الدستوري ويطعن بالنص المخالف بعدم دستوريته ومخالفته للدستور ، والقانون الأساسي لدينا هو بمثابة دستور السلطة الذي ينظم عمل السلطات الثلاث ويحدد طبيعة السلطة والنظام السياسي المعمول بها ويؤكد على احترام الحقوق والحريات العامة للمواطنين .

ومن الواضح من خلال النص المذكور بأن علم فلسطين مكون من أربعة ألوان وهي الأبيض والأحمر والأسود والأخضر بالأبعاد والمقاسات المعتمدة ، لذلك فإننا نؤكد وفي ظل الأجواء التي تشهدها المنطقة من تحضير لإنجاز المصالحة المرتقبة والتاريخية ما بين حركتي فتح وحماس بأن الوحدة لها مطالبها واستحقاقاتها العملية التي يجب أن تظهر كترجمة للمبادرة ولإثبات حسن النوايا من كلا الطرفين .

يطلق الشعب كمثيله من الشعوب التي ابتدعت الشعب يريد إسقاط النظام أو الشعب يريد إسقاط الرئيس ، فإنه طالب الشعب الفلسطيني بشعار " الشعب يريد إنهاء الانقسام".

هنا نتساءل أي شعب الذي يريد إنهاء الانقسام وكيفية انهاء الانقسام وآليته؟؟؟

نحن ليس بصدد تفصيل آلية إنهاء الانقسام لأنه أمر يحتاج لكثير من الوقت ومن التضحية والتنازلات وبشيء من إخلاص النية من كافة الأطراف المعنية في إنجاح المصالحة ولكن الذي نريده هنا هو التعايش مع اللحظة الأولى التي لحقت الاحتفال الذي عقد في قاهرة المعز وبإشراف الحكومة الثورية المصرية التي ساهمت على ظهور تقدم ملموس في الحراك الفلسطيني الفلسطيني ما بين فتح وحماس وبشهادة باقي الفصائل الفلسطينية التي شهدت على ديباجة الاتفاق الأولي ،ما أن انتهت المراسم انطلق أفراد من الشعب الفلسطيني سواء في الداخل أو في المهجر الشتات معبرين عن فرحتهم بهذا النصر التاريخي والاتفاق المشهود ، والملاحظ هنا أن جل من خرج في قطاع غزة هم من أبناء فتح ويرفعون الرايات الصفراء وقاموا بتعليقها على أسطح المنازل ، وبالضفة الغربية المحتفلون هم من حركة حماس ورفعوا كذلك الرايات الخضراء ، أما الذين احتفلوا في الشتات بمختلف أماكن تواجدهم فإنهم عبروا عن فرحتهم بهتافات وطنية عزيزة على قلوبنا بالروح بالدم نفديك يا فلسطين ... ع القدس رايحين شهداء بالملايين .... نفديك يا قدس .. نفديك يا أقصى ... لن نتنازل عن الثوابت وحق العودة ،وتوشحوا برايات موحدة وهي رايتنا جميعاً وعلمنا الأوحد " العلم الفلسطيني " المنصوص عليه بالقانون الأساسي الفلسطيني بأبعاده المحددة وقياساته المحددة وفقاً لميثاق منظمة التحرير الفلسطينية .

لكننا نسينا ذلك العلم الملون بأربعة ألوان كل لون منها تدل وترمز على شيء ومدلول معين ، فالأحمر لون الدم لأنه شعب يعشق الشهادة ، الأسود حداد على الوطن المسلوب ،الأخضر بسمة الحياة ونقاء القلوب المؤمنة ، الأبيض السلام والتسامح مع كل من يعشق فلسطين .

ورغم ذلك كله وللأسف الشديد لم نرى بوادر الوحدة والاتفاق خلال الاحتفال من الشعب الذي خرج بالمسيرات سروراً وابتهاجاً بأن يقف الفتحاوي ملاصقاً بالحمساوي ويرفعون راية فلسطين الوحيدة بيد واحدة في وسطهم لتدل على مدلول عملي قاطع للاتفاق الذي تم بين هؤلاء الفريقين ، حتى المظهر الشكلي للفرح لم يكن مقنعاً وبه علامات دهشة واستغراب وتساؤلات كثيرة ، خاصة أن المنطقة التي تسيطر عليها حكومة حماس احتفل بها الفتحاويين وبرام الله ومناطق متفرقة من الضفة احتفل فيها الحمساويين .

لو أن الاحتفال كان عاماً وبعلم واحد يتم إشهاره لما تم تحديد هوية المحتفل لكان اختلط دم الأخوة وروح الأبطال وانصهروا في بوتقة واحدة الوطنية الصرفة .

لذلك نرجع للتساؤل الذي سبق وان ذكرناه في بداية الحديث من هو الشعب الذي يريد إنهاء الانقسام ؟؟؟

من الأمور المعقدة في تركيبة الشعب الفلسطيني بأنه يغلب عليه الميول لتنظيم بعينه ونادراً ما تجد من هو مستقل بمعنى الكلمة ، يشبه في تركيبته مشجعي الزمالك والأهلي تجد معظم الشعب المصري يميل لأحد الفريقين رغم ميوله حسب منطقة سكناه لفريق آخر ولكن لا يمنع أنه ينتمي لأيِ من قطبي الكرة المصرية وهذا حال الشعب الفلسطيني تجد من يميل لأحد التنظيمين الكبيرين.

لذلك من الصعب تحديد الشعب الذي يريد إنهاء الانقسام ، ورغم ذلك فإنه يوجد من يرغب بإنهاء الانقسام بنية خالصة دون النظر للمصالح الشخصية والخاصة التي قد تتوفر للبعض في ظل تكريس الانقسام ، إلا أن هناك من يسعى لإنهاء الانقسام سواء لوطنية لديه أو أن الانقسام قد ضر بفئات معينة من بين فئات المجتمع الفلسطيني .

وإنهاء الانقسام وتطبيق الاتفاق يحتاج لمجهودات هائلة ونية صادقة وتضحية من كلا الطرفين حتى نفوت الفرصة للمتربصين للإخوة من فشل اتفاقهم لأن هؤلاء يعيشون على الفرقة ويترعرعون على تفسخ نسيج المجتمع والشعب الفلسطيني .

حتى تتم الاتفاقية بأقصر وقت ممكن يجب أن يبقى أمامنا دماء الشهداء الطاهرة نبراساً يضيء لنا الطريق حتى لا نضل أبداً ونتشجع وتعلو هممنا في تكريس الاتفاق وإنجاحه ، كما أن لا يغيب عنا من هم أفضلنا منا جميعاً أسرى الحرية لأنهم أسرى أجساد ولكنهم أحرار بالفكر والعقول والمبادئ والعقيدة .

وأخيراً لا ننسى أن نتوج اتفاقنا بشكل عملي بسيط ولكن كبير وعظيم أن ننسى كل الرايات ونبقي على علم دولة فلسطين عالياً ، الذي احتفظ به من عشق العودة إخواننا في الشتات لم يفرطوا به فلا بد لنا أن نحافظ عليه ونغرسه في كل شبر من أرضنا ونتذكر بأن ذلك العلم عندما كان يرفرف في الانتفاضة الأولى كان بني صهيون يجن جنونهم ويحاسبوا من ينصبه ويعذبوا الشعب ويجبروه على تنزيل العلم من فوق أعمدة الكهرباء ومآذن المساجد ، وكنا محرومين من التنعم في امتلاك ولو قطعة صغيرة من القماش الملون بألوان علمنا الغالي في تلك الفترة وها نحن ننعم بالأمن والأمان والحرية ورغم ذلك ننسى علمنا ورايتنا الوطنية التي نعيش تحت ظلها بسبب التعصب الذي فكك الشعب وجزأه مئات الأجزاء والقطع ، وكل ذلك بفعل الصهيونية اللعينة التي تحاربنا بشتى الوسائل والطرق ،فلا بد لنا أن نعيد حساباتنا ونستذكر تلك الحقبة الزمنية التي كان العالم أجمع يقف عاجزاً أمام أطفال الحجارة وانتفاضة الحجارة ، فيجب علينا أن لا ننسى كل ما فيها من أحداث ومن وحدة في زقاق وحارة وشارع وحي وقرية ومدينة واحدة وما كان بها من ترابط ما بين أبناء الشعب الواحد لا يسمحون لأي شيء تافه ينسيهم بأن عدوهم واحد ووحيد فقط هم بني صهيون .

لذلك وقبل أي شيء يجب أن نعيد علمنا يرفرف بيننا بحيث يعجز عدونا أن يحدد انتماء وهوية أي ِ منا وأن يفهم بأننا كلنا جسد وروح واحد ننطق بأعلى صوت عاشت فلسطين إسلامية عربية حرة .