الوساطة
يحيى نافع يونس الفرا
رئيس نيابةالتفاصيل
الوساطة
بقلم : أ. يحيى نافع الفرا
إن من المفاهيم الخاطئة المتعلقة بالوساطة هي الترويج إلى أنها البديل للتقاضي التقليدي ، أو أن اللجوء إلى الوساطة سوف يفقد البعض عملهم التقليدي الذي قضوا السنين في الدراسة والتدريب من أجل الوصول إلى مستوى من القدرة والمهنية للوقوف أمام منصة المحكمة.
وموضوع الوساطة هام جداً في بعض القضايا التي من الممكن والأفضل أن تنتهي وتحل عن طريق الوساطة بدلاً من التقاضي أو التحكيم .
وسوف نتطرق إلى عدة نقاط هامة موضحين من خلالها تعريف الوساطة ، ودور الوسيط ومهارات الوساطة ،ثم نعرج على الأخلاقيات والمبادئ التي يجب توفرها لإنجاز عملية الوساطة ، ثم شروط الوساطة الفعالة ،ومراحل عملية الوساطة .
أولاً/ تعريف الوساطة:هي العملية التي يحاول الأطراف المتنازعة من خلالها أن يحلوا خلافاتهم بمساعدة طرف ثالث مقبول ويسمى (الوسيط) ومن صفاته أن يكون غير منحاز وحيادي ، ولا يملك السلطة لصنع قرار وذلك بهدف مساعدة الأطراف بطريقة تطوعية في الوصول لاتفاقية خاصة بهم ومقبولة عليهم .
- الحيادية :تتعلق بالسلوك بحيث لا يتوقع المتدخل تحقيق مكاسب وفوائد شخصية من أحد الأطراف .
- عدم الانحياز : وهي تتعلق بالمواقف بحيث تتضمن عدم التمييز وعدم التحيز بين الأطراف
ثانياً/ دور الوسيط :
1- يساهم في تخفيف الغضب من خلال توفير مناخ ملائم لعملية التفاوض.
2- يركز الوسيط على مصالح الأطراف أكثر من المواقف.
3- يساعد في فصل الأطراف عن المشكلة .
4- يستخدم تقنيات الاستماع الفعال (يجب أن يكون مستمع جيد) .
5- يجب أن يكون الوسيط عبارة عن نموذج يحتذي به فهو (جدير بالثقة) .
6- يجب أن يستخدم الوسيط كلمات متوازنة بهدف خلق جو مناسب للأطراف لسماع بعضهم البعض .
7- يجب أن ينبه الأطراف إلى عواقب ونتائج عدم الوصول إلى اتفاق.
8- يعمل على تشجيع الأطراف على بذل جهود فاعلة لابتكار حلول مناسبة للقضية.
9- الوسيط شخص لا يتحدث عن الآخرين ولا يقوم بتقديم اقتراحات أو حلول وليس قاضياً يقرر من المصيب ومن المخطئ.
ثالثاُ/ مهارات الوساطة :
1- خلق إطار تعاوني وبناء التفاوض وذلك لإيجاد حل عادل يبني على فهم حاجات ومصالح بعضهم البعض .
2- الاستماع وإعادة الصياغة بهدف توفير جو إيجابي للتفاوض بعيداً عن التوتر والانفعال وذلك بحذف العبارات السلبية وإعادتها من قبل الوسيط بأسلوب بناء لتخفيف حدة المشاعر وللتركيز على جوهر الفكرة وصولاً إلى الاتفاق.
3- تحديد خيارات استراتيجية لخلق مرونة وتشمل:
ا- المقابلة المنفصلة مع الأطراف
ب- منع ومقاطعة المجادلات الساخنة
ج- فحص الواقعية؛ بطريق فحص المكاسب التي سيجنيها الأطراف وكذلك المخاطر والخسارة من عدم الوصول إلي اتفاق.
د- توسيع أدراك رؤية المستقبل والعلاقات الإيجابية المطلوبة وذلك بالتركيز على المصالح المشتركة والعلاقات المستقبلية بعيدا عن اللوم والشكوى.
ه- صياغة الحل في عبارات مقبولة بحيث تكون واضحة تؤكد على المصالح بعيدا عن المواقف.
4- اقتراح خيارات لإثارة أفكار الطرفين ؛ ويشترط بان تكون الأفكار والخيارات ذات مزايا متساوية للطرفين وليست لطرف دون الآخر.
5- استثمار فترة الهدوء والراحة ؛ وذلك لاعطاء كل طرف الفرصة لتقييم المقترحات والبدائل والعواقب الناجمة عن عدم الوصول لاتفاق
6- استخدام الفكاهة ورواية القصص والحكايات ؛ وذلك يهدف إلى الشعور بالاسترخاء والانفتاح نحو الاستمرار في التفاوض والوصول إلي الحلول المرضية للطرفين
7- الاستعانة بشخص آخر ؛ قد يكون قبل الوساطة أو أثناء الوساطة للمساعدة في التأثير على الأطراف شريطة أن يكون هذا الشخص مقبولا على الطرفين مثل: شخصية هامة في العائلة أو المجتمع أو صديقا مشتركا للطرفين
8- الاستعانة بوسيط آخر ؛ وهذا يفيد في الحد من قضية التحيز ويعطي دعم اكبر للوسطاء إلى انه يفيد في تدريب عدد اكبر من الوسطاء مع احتفاظ شخص بقيادة عملية الوساطة ويكون الآخر مساعدا له وهذا يتم بين الوسطاء لحفظ النظام والهدوء أثناء عملية الوساطة
رابعا/ مبادئ وأخلاقيات عملية الوساطة:
1- الوساطة عملية تطوعية بحيث أن للأطراف حرية الاختيار للمشاركة في عملية الوساطة
2- الوسيط ينظم العملية والأطراف تنظم المحتوى وتمتلك النزاع
3- يجب على الوسيط أن يساند الأطراف ويحترمهم
4- يجب عاى الوسيط أن يحترم وجهات نظر الأطراف حتى ولم يتفق معهم
5- عاى الوسيط أن يخبر الأطراف بامانه ماذا يتوقع من الوساطة
6- على الوسيط أن يكون واقعيا فيما يتعلق بإمكاناته كوسيط ولا يبالغ فيها
7- على الوسيط ألا يستغل مركزه لتحقيق مكاسب شخصية
8- عدالة الوسيط أثناء عملية الوساطة
9- على الوسيط مراعاة موازين القوى بين الأطراف وبالتالي لا يكون أداة لتمرير قرار الطرف القوي
خامسا/ شروط الوساطة الفعالة:
1- وجود مستوى حاد في النزاع
2- وجود حوافز ضعيفة للوصول إلى اتفاق من خلال الاتصال المباشر
3- عدم الالتزام بالاتفاق
4- ندرة المصادر
5- أطراف النزاع غير متساوية في القوة
6- الاختلاف حول المبادئ الأساسية
سادسا/ مراحل عملية الوساطة:
1- الأدوار والقواعد ( مراجعة الأدوار وتحديد القواعد واخذ الموافقة على التوسط )
2- سماع القصة وجمع المعلومات ( السماح لكل طرف أن يحكي قصته ويعبر عن مشاعره)
3- فهم وجهات النظر ( مساعدة الأطراف لسماع وفهم مشاعر ووجهة نظر الطرف الأخر )
4- إيجاد الحل ( عصر الدماغ وطرح الأفكار والمفاوضة حول حل عادل )
5- كتابة الاتفاقية ( كتابة اتفاقية واضحة ومنصفة وتحية الأطراف وتقديرهم )
سابعا/ الشروط الأساسية في اللجوء لاستخدام الوساطة:
1- تعريف وتحديد أطراف النزاع ؛ استقلالية الأطراف المتنازعة
2- امتلاك الأطراف المتنازعة للقدرات الشخصية والعقلية والعاطفية لتمثيل أنفسهم
3- التركيز على الاهتمامات المشتركة بين الأطراف المتنازعة
4- طرح البدائل والآراء المجمع عليها حول القضية المتنازع عليها
ثامنا/ العوائق التي تعرقل عملية الوساطة :
1- عوائق شخصية ( مثل المشاعر السلبية الحادة ؛ اختلال عملية الاتصال )
2- عوائق ثابتة ( عدم الاتفاق على القضايا المتنازع عليها ؛ التنافر غي الاهتمامات؛ الاختلافات في الحقائق والظروف )
3- عوائق إجرائية ( وجود مأزق أو طريق مسدود ؛ غياب الاجتماع للتفاوض )
** خلاصة وتوصية :
وعليه ومما سبق ؛ نوضح أن ممارسة الوساطة تحتاج إلى التدريب الخاص ؛ والذي يشمل الممارسة الحقيقية والتعامل مع أطراف حقيقية ؛ بالإضافة إلى المهارات والقدرات الشخصية الملائمة.
والوساطة مستمدة من المفاهيم السائدة في الدين الإسلامي وليست اختراع العولمة السائدة في هذا الزمن ؛ والوساطة ممكن أن تتم في قضايا عديدة منها :
الوساطة الأسرية والوساطة المدرسية والوساطة المجتمعية ووساطة المتنازعين حول المصادر وسلطة قضائية والوساطة المؤسساتية إضافة إلى وساطة شائعة وسائدة في زماننا هذا وهي الوساطة السياسية الدولية وآخرها الوساطة المصرية لتقريب الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي لحل وسط القضية الفلسطينية .
ولا تعتبر الوساطة الحل الأمثل لجميع الصراعات والقضايا ؛ إضافة لذلك فان للمحكمة تحديد القضايا المحولة للوساطة .
واخيرا فان الوساطة هي أحد الحلول البديلة للنظام القضائي وتعتبر ملحقا وتابعا للجهاز القضائي الذي لا يمكن أن نهمش دوره خاصة وانه أحد ركائز الدولة الثلاث .
كما وان قرارات الوساطة قابلة للطعن في مؤسسات الجهاز القضائي وليست قطعية
- ويجب على الوسيط أن يتميز بصفة الأخلاق الرفيعة والعدالة والحياد التام بين المتنازعين
- يجب أن تتوفر في الوسيط مهارات الاستماع الفعال والذكاء والدهاء ؛ وان يكون ملما بالثقافة بشتى علومها ومعارفها .
- يجب أن يكون عنده بعدا في التفكير وعمقا في تفسير الأمور الداخلية لدى الأطراف والتي من الممكن أن لا تظهر على ملامح أطراف النزاع .
- يجب أن تتوفر في الوسيط مهارة لغة العيون وتفسير الإيماءات المختلفة التي ممكن تظهر على شكل وملامح أطراف النزاع .
فالوساطة هي أحد البدائل وليست البديل الوحيد كما ونحث على حل جميع النزاعات عن طريق الوساطة حيث أن الحل يكون عادلا ومرضيا للأطراف لانه لا يوجد تغليب طرف على الآخر كما هو الحال في القضاء أو التحكيم .