...

غالوي .. البعد الإنساني


أسامة عبدالستار موسى الفرا 


التفاصيل

غالوي .. البعد الإنساني

بعد مرور ثلاث اسابيع نجح غالوي النائب البريطاني من إيصال قافلة المعونات إلى غزة وقد إحتوت القافلة على 170 شاحنة وكان طريقها البري يمر عبر فرنسا , إسبانيا, المغرب, الجزائر, تونس , ليبيا , مصر وأخيرا غزة ..لو حدثنا أحد عن هذه الفكرة قبل نجاحها لحكمنا بالفشل ولحكمنا على صاحب الفكرة بالجنون فهذا ما تعودنا عليه من تثبيط للمعنويات وبث روح اليأس والفشل في نفس كل من يريد الصعود.

يذكرنا هذا الحدث بفكرة سفن فك الحصار "غزة حرة ", "الكرامة " وغيرهم ..ويضعنا ذلك أمام ظاهرة غريبة وقوية جدا وهو الدعم الكبير من قبل الغير العرب لنصرة القضية الفلسطينية فكلنا يعلم حجم المسيرات الضخمة التي إنطلقت في الدول الغير عربية والغير مسلمة لنصرة أهل غزة وقد إستمر أمر الدعم المعنوي والرفض لهمجية الصهاينة حتى بعد إنتهاء الحرب فبالأمس سمعنا عن المهرجانات التي تتم في فنزويلا لدعم القضية الفلسطينية وغدا –في مايو- سيكون هناك في الصين معرضا ضخما لصور الضحايا على يد الصهاينه والولايات المتحدة -وقد ساهم موقع الفرا في دعم هذا المعرض- أمام هذه المواقف العظيمة نتسائل ما الذي يجعل هذه الشعوب الغير العربية والغير مسلمة وبمعنى آخر الغير مرتبطة بفلسطين وقضيتها ما الذي يجعلها تنتفض لأجل أهل غزة ...إنه البعد الإنساني هذا البعد الذي حقا يستحق الإهتمام والتركيز عليه.

بينما عند العرب أو المسلمين بصورة عامة من المفترض أن يكون هناك أكثر من بعد يجعلهم ينتفضون من أجل أهل غزة فلديهم البعد الإنساني والإسلامي والقومي العربي ..فقضية فلسطين معلوم للجميع أنها قضية إسلامية قبل أن تكون عربية وقضية عربية قبل أن تكون فلسطينية ..هكذا تعلمنا .

لكن ما أراه بأن الشعوب العربية في هبتها العظيمة - والتي لا أقلل من شأنها بل أوجه شكري وتقديري لهذه الشعوب- ولكن ما قدمته الشعوب العربية لم يكن أكثر من الشعوب الأجنبية بل كانت هباتهم تفتقر للإبتكار في بعض الأحيان فهل هذا يعني أن الشعوب العربية لم تتحرك من دافع الانتماء او دافع انهم اصحاب القضية بل تحركوا من دافع إنساني فقط بدليل أن الحصار على غزة كان مستمرا عامين لم تتحرك فيه الشعوب العربية والإسلامية إلا في أوقات يكون فيه ضحايا فلسطينيون ولم تتحرك هذه الشعوب إلا عندما رأت الدماء تسيل في غزة فهل ضاع إنتماء القضية؟؟!! وأصبح التحرك فقط من ناحية إنسانية

الأمر من زاوية أخرى : ما يحدث في القدس من تهويد للمدينة ومن أنفاق تهدد بتدمير الأقصى نسمع كل يوم عن إخطارات بهدم منازل جديدة وترحيل مواطنين عرب من القدس إجراءات تعسفية جديدة وظلم كبير يقع في المدينه ولا أي تحرك في الشارع العربي أو الإسلامي ؟؟!! فهل هذا تأكيد على أن القضية ماتت إسلاميا عربيا ؟؟!!فلم تعد الشعوب العربية والاسلامية تهتم بأمر القضية إلا إذا سالت الدماء فيتحركو بدافع إنساني فقط!!!

لا شك أن الشعوب لا يمكن ان تتحرك لوحدها وتحتاج لقيادات تحركها وهنا أحمل المسؤولية لعلماء الأمة أولا: الذين يرون ويسمعون ما يجري ولم يتخذوا اي قرار جريء يكون فيه إعلان الجهاد وإعلان النفير العام لنصرة الأقصى والقدس بل للأسف نرى البعض من العلماء من يقول "هو في إيه جديد" في وقت كانت الجرافات الإسرائيلية تقوم بجرف باب المغاربة. فماذا نتوقع من التابعين لهذا العالم!!

كما احمل المسؤولية لقيادات الاحزاب والحركات في الدول العربية والتي من المفترض ان تكون على مستوى امل الشعوب بهم ..فكان من المفترض على الأقل ان تنسق لمسيرات رفض واحتجاج عن ما يجري في القدس ..أو تنظم لمؤتمرات رفض وتنديد لما يجري في القدس أو على الأقل أن تسعى لتوعية الشعوب العربية بحقيقة ما يجري ..لكن الحاصل هو الصمت المطبق

والمسؤولية الأكبر تقع على منظمة التحرير الفلسطينية : ففي وقت الإنقسام الفلسطيني وفي وقت لا زال القدس تحت الإحتلال كان من الأجدى أن تهتم منظمة التحرير الفلسطينية بتسليط الأضواء على ما يجري في القدس من تهويد وخرق للقوانين ومن تهديد خطير للأقصى ..كان واجب على منظمة التحرير الفلسطينية أن تحرك الرأي العام وأن تسعى بشكل قوي وضاغط في سبيل وقف هذه الهجمه الصهيونية المسعورة.

وهنا أوجه رسالتان لقادة الفصائل في القاهرة
1- وجب الإهتمام الأكبر في إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية ويجب أن لا تقيد لجنة منظمة التحرير الفلسطينية بباقي اللجان بل يتم العمل على ما أتفق عليه بمجرد الإنتهاء لأهمية هذه اللجنة...فإصلاح منظمة التحرير الفلسطينية يعني تمثيل الشعب كل الشعب بشكل يرضي كل الفصائل ولأن آلة الحرب الصهيونية لا تتوقف أبدا فوجب الإسراع في إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية قبل فوات الأوان..
2- كما أوجه رسالة هامه للجنة الحكومة : بعدم الرضوخ للإملاءت الأمريكية حتى يكون القرار فلسطينيا كاملا وحتى نكون قدوة لغيرنا من العرب فلا يكون الخوف من العقوبات الإقتصادية الأمريكية سببا في بيع الوطن ولنا في التاريخ العبرة حيث فرضت هذه العقوبات على إيران وكوريا الشمالية ,كوبا ,ليبيا ,السودان ,العراق وغير ذلك من الدول, فشلت هذه العقوبات على الدول الغير العربية فنجد أن إيران وكوريا الشمالية في طريقهم لغزو الفضاء بينما الدول العربية فنجد ليبيا قد رضخت ونجد العراق قد إنهارت ..والسبب اقتبسه من مقاله للكاتب الكبير فهمي هويدي حيث كتب أن الرئيس الإيراني أحمدي نجاد قال : نعتمد على الله أولا، وعلى سواعدنا ثانيا، ونراهن على شعبنا وحده ثالثا..لا شك أن الشعب الفسطيني تعب كثيرا ولكن نحن إقتربنا لتحقيق الهدف الأكبر فالنصر صبر ساعه

وهنا أقول بأن الدول العربية ستبقى ضعيفة طالما قادتهم معتمدون على الدعم الأمريكي وعلى العصا في قمع شعوبهم وعلى دعم المنتوج الغربي بشرائه على حساب المنتوج الوطني ..سيبقى العرب ضعفاء أزلاء إن لم تتغير هذه السياسة وإن لم يقفوا في يوم ويقولوا لا للإملاءات الصهيوأمريكية ..وهذا ما يخشونه الغرب فيسعون من الآن إلى تدمير أي شيء يعني مقاومة وتدمير اي شيء يعني حرية لدى الشعوب العربية فعلى أثر إنتصار غزة نسمع اليوم مؤتمر لندن الدولي لمنع السلاح عن غزة ...
الله أكبر مؤتمر دولي لمنع السلاح عن غزة وما هو السلاح الموجود في غزة إن هذا المؤتمر لن يناقش أمر السلاح بل سيناقش أمر هام وهو مصالح الغرب في منطقة الشرق الأوسط فمصالحهم يتم حمايتها من خلال دولة الإحتلال الصهيوني وحينما تتعرض هذه الدولة للخطر فإن الأمن القومي للولايات المتحدة ولهذه الدول الغربية ستتعرض للخطر أيضا لهذا نجد مثل هذه المؤتمرات في لندن وقبلها في كوبنهاجن..لمناقشة خطر الضعف الصهيوني في المنطقة وآلية دعمه ومنع تكرار هزائمه ..ألم يعي قادة العرب هذا !!

أخشى ما أخشاه أن يكون في هذا الصمت الكبير عن ما يجري من مصائب في القدس يكون فيه رساله للصهاينه بأن يستمروا في عملهم فالكل صامت فوصلت الشعوب العربية لمرحلة الموت بعد سياسة الصهاينه الطويلة في التدرج في تدمير الأقصى والمصحوبة بنشر ودعم كل ما يلهي الشباب العربي والمسلم عن قضاياهم الاساسية فيكون الدعم للفضائيات أو للفقر أو لسلطان جائر أو بث الفتن..ما يؤدي في النهاية إلى تليين العواطف وذبح المباديء وتشتيت العقول وضياع القضية...



بقلم : بلال كمال الفرا
13-03-2009