العدل,,, والظلم
أسامة عبدالستار موسى الفرا
التفاصيل
العدل
....والظلم
بقلم القاضي: علي كامل الفرا
العدل هو اسم من اسماء الله سبحانه وتعالى, واقامة العدل هو مطلب الشعوب في جميع
العصور والأزمان فتتحقق به الطمأنينة في قلوب الناس وإذا ما شاع العدل اطمأن كل فرد
على نفسه واهله وماله.
ولعظم شأن العدل في الإسلام فقد أمر الله سبحانه وتعالى به وبإقامته بين الناس حيث
قال سبحانه {وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ
}النساء58.
وقوله جل شأنه {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي
الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }النحل90
وقوله جل وعلا}
وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ
اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
{المائدة
آية 8. وقد ورد العدل في آيات كثيرة من القرآن الكريم تفيد وجوب إقامة العدل بين
الناس لا يتسع المجال هنا لذكرها جميعا.
ومن أوجه العدل عدل الأب بين
أبنائه فيجب ألا يميز أحدهم عن الآخر بل يعاملهم جميعا على قدم المساواة حتى
ليعدل بينهم في القبلة. وقد ورد أن أحد الصحابة أعطى أحد أبنائه عطيه وأراد أن يشهد
الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك فسأله المصطفى صلى الله عليه وسلم"هل أعطيت جميع
أبنائك مثله؟" قال: لا .فقال الرسول صلى الله عليه وسلم "لا تشهدني على جور".
والعدل بين الزوجات
لمن يتزوج بأكثر من واحدة فالمفروض عليه أن يعدل بين زوجاته في المأكل والمشرب
والملبس والمسكن والمبيت وأما القلب فهو لا يملكه لأن القلب بيد الله سبحانه وتعالى
يقلبه كيف يشاء.
لذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقسم بين زوجاته ويقول "اللهم إن هذا قسمي فيما
أملك فلا تؤاخذني فيما لا أملك"
ومن أوجه العدل بل أهمها عدل
الحاكم بين الرعية فلا يفرق بين فرد وآخر من أفراد رعيته بحسب درجة قرابته
منه مثلا أو انتمائه لحزبه بل أن يكون الجميع على قدم المساواة في الحقوق والواجبات
.وكان عمر رضي الله تعالى عنه من أعدل الناس ولما جاء الكافر يسأل عن أمير المؤمنين
قيل له اذهب تجده نائما تحت الشجرة ولما وصل وجد الفاروق رضي الله عنه متوسدا نعليه
ينام تحت الشجرة بدون حراسة فقال قولته المشهورة : "الله الله يا عمر ،حكمت فعدلت
فأمنت فنمت "
فما بال حكام اليوم لا يخرجون إلا مواكب تزيد عن العشرين سيارة, عدا الدراجات
النارية والمسلحين, وتغلق من جهتهم الطرق وتوقف حركة السير ليمر موكب ذلك الحاكم
،فلو أن هذا الحاكم كان عادلا يعدل بين من ولي عليهم ما خاف ولا كان في حاجة لهذه
الحراسات المشددة سواء في الطريق او بيته او في مكان عمله .
اتقوا الله أيها الحكام واعدلوا بين أبناء الشعب ترتاحون وتريحون غيركم .
ومن أهم أوجه العدل, العدل في
القضاء, ولعظم المسؤولية وعظم شأن القضاء وخوفا من الله سبحانه وتعالى كان
الصحابة رضوان الله عليهم بفرون من تولي هذا المنصب ويعزفون عنه خوفا من عدم
إقامتهم العدل بين المتقاضين.
ومن أجل ذلك وضح الشرع في القوانين الوضعية ضوابط كثيرة يجب توافرها فيمن يتولى
منصب القضاء, بالإضافة للمؤهل العلمي, كالنزاهة وحسن السمعة ونظافة اليد والفوز
بالمسابقة التحريرية والشفوية والمفاعلة التي يجريها مجلس القضاء الأعلى الذي وحده
يملك الصلاحية في اختيار من يصلح لتولي هذا المنصب الحساس في الدولة ، ومن ثم يقوم
المجلس بتنسيب من تتوفر فيه الشروط للرئيس والذي يقوم بدوره بإصدار المرسوم الرئاسي
بتعيين ذلك الشخص في منصب القاضي.وأي تعيين
يتم بغير ذلك يكون تعيينا باطلا وأن ما يصدر من قرارات عن ذلك القاضي تعتبر
باطلة وأن الدولة التي لا عدل فيها لابد وأن تنهار يوما لأن العدل أساس الملك.
وفي ذلك قال الإمام علي كرم الله وجهه "
العدل أساس به قوام
العالم، العدل أقوى أساس، إن العدل ميزان الله الذي
وضعه للخلق ونصبه لإقامة الحق فلا تخالفه في ميزانه ولا
تعارضه في سلطانه "
وأما الظلم فهو عكس العدل فالظلم لغة :هو وضع الشيء في غير موضعه ،وعواقبه وخيمة في
الدنيا والآخرة وإذا ما تفشى الظلم في مجتمع من المجتمعات فقل على
ذلك المجتمع السلام لأنه سيأكل بعضه بعضا.
ولهول الظلم فقد ورد في أكثر من ثلاثمائة موضع في القرآن الكريم وهو على أنواع
مختلفة ومن أنواع الظلم :ظلم
الإنسان لخالقه جل وعلا وذلك بالكفران به وبآياته وعظمته وقدرته وقوته ويقول
ربنا سبحانه في الآية 254 من سورة البقرة
}
وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ } أي من يكفر بالله فهو
الظالم وقوله جلت قدرته في الآية 13 من سورة لقمان}
إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ }..
والمعلوم أن من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة وأن الله
يغفر جميع الذنوب إن شاء إلا الشرك به وفي ذلك يقول سبحانه {إِنَّ اللّهَ لاَ
يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ }النساء48
..ويتبين
من ما سبق أن الظلم شرك والشرك كفر والكفر عاقبته الخلود في جهنم ونعوذ بالله من
ذلك .
ومن أنواع الظلم ظلم الإنسان
لنفسه وهي من المصائب التي حلت بالمجتمعات فالكثير الكثير ظالم لنفسه وذلك
بعد إقامة حدود الله سبحانه وتعالى واتباع الشهوات والوقوع في الحرمات وعقوق
الوالدين وتفضيل الزوجة على الأم والكل ربما بعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم زار
المقبرة فسمع صوتا يقول :"أدركني يا رسول الله النار من تحتي النار من فوقي النار
عن يميني النار عن يساري " فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم الناس أن يشهد كل إنسان
قبر ميته فحضر الناس إلا أهل صاحب القبر وبعد فترة حضرت عجوز تتعثر في مشيتها حتى
أدركت ذلك القبر الذي كان يقف عنده الرسول صلى الله عليه وسلم ،فسألها :"من ساكن
هذا القبر؟"فقالت :"هو ابني يا رسول الله ." قال :"وماذا كان يفعل في حياته ؟" قالت
:"كان يصلي ويصوم ويزكي ولكنه كان يفضل زوجته علي فأمر رسول الله صلى الله عليه
وسلم بإحضار الحطب فسألت تلك العجوز :" ما أنت فاعل به ؟"قال :"سأحرقه لأن نار أهون
من نار الآخرة" فقالت:" أشهدك يارسول الله أني قد عفوت عنه "فسكت ساكن القبر.
وتأمل معي قول الله سبحانه وتعالى في الآية 118 من سورة النحل}
وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
}
وكذلك من أنواع الظلم ظلم
الإنسان لغيره. كظلم الإنسان لجاره مثلا أو اعتدائه على حقوقه أو الحد
الفاصل بينه وبين جاره أو إغتصاب شيء من أرضه لشعوره بقوة وضعف ويحذر الرسول صلى
الله عليه وسلم من ذلك في قوله "من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه الله به من سبع
أراضي" وقوله صلى الله عليه وسلم "فكل الغنى ظلم". بمعنى أن الغني المدين إذا ماطل
في سداد ما عليه من دين فانه يكون ظالما ويندرج تحت قول الله تعالى في الآية 227من
سورة الشعراء}
وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ
}.
ومن أشد أنواع
الظلم هو ما تعرض الشعب الفلسطيني على يد العصابات الصهيونية والتي هجرته من أرضه
بقوة السلاح واستولت على أرضه وممتلكاته تحت نظر العالم الذي يدعي التحضر
والديمقراطية. طردته تلك العصابات من أرضه لتقيم عليها كيانهم المزعوم المسمى بدولة
اسرائيل والأفدح من ذلك ظلما هو ما تعرض له الشعب الفلسطيني في قطاع غزة من حصار
جائر لا يحتمله شعب من شعوب الأرض والذي مضى عليه عامان جعل هذا الشعب المكافح
الصابر يعيش في سجن كبير إسمه قطاع غزة, هذا القطاع المقطوع إلا من رحمة الله
تعالى. والأكبر من ذلك ظلما أن هذا الحصار الجائر الظالم يتم تحت نظر وبصر الدول
العربية والإسلامية والتي لا تحرك ساكنا بصورة حقيقية لرفعه وكأنهم يريدون أن يتحول
هذا الشعب العظيم إلى مجرد متسولين ينتظرون ما يلقى إليهم من فتات ليسد رمقهم
ولينسوا قضيتهم ووطنهم وأرضهم التي هجروا منها.
وأما الخطر والأعظم ظلما
هو ظلم الفلسطيني للفلسطيني فبدلا من أن يكون الفلسطينيون يدا واحدة من أجل قضيتهم
ونيل حريتهم ومحاربة عدوهم أصبحوا أحزابا وفصائل متناحرة كل حزب بما لديهم فرحون.
وان من أعظم الظلم الذي وقع علينا في قطاع غزة أن يحرم حجاج بيت الله الحرام من
الحج هذا العام. وتصنيفهم شرعي وذلك غير شرعي.
لا أدري ماذا سيقول ولاة الأمر لله سبحانه وتعالى عندما يسألهم لماذا منعتم حجاج
قطاع غزة من الحج. لا أدري ماذا ستكون إجابتهم ولا أدري كيف هذا حج شرعي وذلك غير
شرعي. فالحج كله شرعي لأن البيت الحرام واحد والكعبة واحدة والمسعى واحد وعرفات
واحد والمزدلفة ومنى واحدة ورمي الجمرات واحد فالشعائر كلها واحدة والمناسك واحدة
والكل يحج إلى نفس المكان ويؤدي نفس الشعائل والمناسك ولا يجوز التصنيف بالمطلق بأن
هذا شرعي وذلك غير شرعي.
تذكروا أيها القادة والحكام أن الظلم ظلمات يوم القيامة ..تذكروا أن دعوة المظلوم
مستجابة مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم "اتقوا دعوة المظلوم فإنه ليس دونها حجاب"
, تذكروا قول الشاعر:
لا تظلمن إذا كنت مقتدرا ...فالظلم آخره يأتيك بالندم
نامت عيناك والمظلوم منتبه...يدعوا عليك وعين الله لم تنم
تذكروا أن دولة الظلم ساعة ودولة الحق إلى
قيام الساعه..تذكروا قول الله تعالى "ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما
يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار"سورة إبراهيم آية 42
أيها القادة ,,أيها الحكام أيها المتنفذون
إتقوا الله في شعبكم إتقوا الله في وطنكم ,إتقوا الله واعلموا ان التفرق ضعف
واعلموا بأن بتفرققكم وحبكم للكراسي أضعتم الوطن وأضعتم القضية...أضعتم القدس
واضعتم حقوق اللاجئين. وجعلتم هم الشعب هو كيفية الحصول على لقمة العيش وكيفية
الحصول على المحروقات وإنتظار المساعدات الإنسانية وكأننا شعب من المتسولين .
إتقوا الله ,,
إتقوا الله,,
إتقوا الله وتذكروا أن الظلم ظلمات يوم القيامة