...

الهام والرحلة الأخيرة


أسامة عبدالستار موسى الفرا 


التفاصيل

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الهام والرحلة الأخيرة

بقلم القاضي علي الفرا

 

28/7 يوم الفرحة الكبرى ويوم الحزن الأعظم......

 

"كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز"

 

في الثامن والعشرين من شهر يوليو رزقنا الله سبحانه وتعالى بمولودتنا البكر "دعاء" بعد أن فقدنا ثلاثة من الأبناء فكانت الفرحة الكبرى في حياتنا. وبعد ثلاثة وثلاثين عاما وفي الثامن والعشرين من يوليو 2008 اختار الله سبحانه وتعالى الهام الى جواره ليكون يوم الحزن الأعظم في حياتنا سبحانك ربي قضيت ولا راد لقضائك فقد قضيت أن يكون 28/7 هو يوم الفرحة الكبرى في حياتنا ويوم الحزن الأعظم في حياتي.

 

بدأت معاناة الهام مع المرض في مطلع عام 2007 وبعد أن عالجتها عند أشهر الأطباء في قطاع غزة المقطوع  إلا من رحمة الله قررت السفر وإياها لعلاجها في أرض الكنانة ومن ثم نزور ابننا الدكتور المهندس منير في تركيا وكنت قد خططت على أن نزور الأماكن السياحية في تركيا ثم نسافر إلى سوريا ومن ثم نعود إلى أرض الوطن وتبعا لذلك حددت يوم 28/6/2007 موعدا للسفر أي قبل بدء الإجازة القضائية بأسبوعين وحجزت تذاكر الطيران بذلك التاريخ إلا أن الانقلاب الحمساوي أو الحسم العسكري كما يسمونه حال دون ذلك إذا أغلق المعبر الحدودي بين قطاع غزة ومصر وحاولت عمل تنسيق للسفر عن طريق الأردن إلا أنني منعت من قبل القوات الإسرائيلية. وكانت الهام في ذلك الوقت في حالة صحية حسنة تمكنها من الحركة والذهاب والإياب إلا أن الحالة بدأت تسوء منذ بداية هذا العام وحاولت مرة أخرى معالجتها عند أشهر أطباء قطاع غزة حيث زرت ثمانية أطباء وطلب أحدهم عمل أشعه مقطعية وقد كان ذلك وكان التشخيص تمدد في الشعب الهوائية وهناك شيء في الأشعة لم يستطيعوا تحديده واحترت وكان لابد من السفر للخارج وكانت الفرصة عندما علمت بأن معبر رفح سيكون مفتوحا يوم الأحد 11/5 وكان ذلك يوم السبت فأجريت اتصالاتي بالقاهرة ثم عاد الدكتور بركات الفرا ليتصل بي مساء السبت ليخبرني بأن بإمكاني السفر يوم الأحد وبالفعل وعلى عجل جهزت نفسي والهام للسفر وكانت المعاناة الكبرى التي يطول شرحها ولكن باختصار أقول بأننا خرجنا من بيتنا الساعة الثامنة والنصف صباحا لنصل القاهرة في الثانية من صباح اليوم التالي.

 

وبنفس اليوم توجهت إلى أستاذ الأمراض الصدرية بكلية الطب عين شمس ليصف لها علاج مكثف وأخبرته أننا على سفر إلى تركيا فلم يمانع وأعطاني موعدا للمراجعة بعد شهر وفي يوم الأربعاء مساء 14/5 غادرنا القاهرة متوجهين إلى إسطنبول لنجد ولدنا منير في استقبالنا في داخل المطار وكانت حالة إلهام قد ساءت أكثر عن ذي قبل ثم توجهنا في اليوم التالي إلى أنقرة حيث يقيم منير وكانت حالتها قد أصبحت من الصعوبة بمكان وفي اليوم التالي حضر ابن شقيقها الدكتور سامر جمال الفرا وعندما شاهدها قرر استدعاء عديله الدكتور فوزي وهو تركي ويعمل بروفيسور في الأمراض الصدرية والذي حضر في اليوم التالي وما أن فحصها وشاهد الأشعة المقطعية ليسأل كيف سمح لها الطب بالسفر وقال لنا أنه لا بد من نقلها للعناية المركزة وبالفعل تم نقلها إلى قسم العناية المركزة بمستشفى حجتبا التعليمي وهو أشهر مستشفى في أنقرة لنجد الدكتور أيمن محمد أبو دلال في استقبالنا والذي كان له الفضل الأكبر في سرعة الإجراءات ونقلها إلى العناية المركزة ولكن كان وضعها حرج جدا لدرجة أننا خشينا أن تفارق الحياة في تلك الليلة ولكن إرادة الله فوق كل شيء وقد عمل الأطباء الأتراك قصارى جهدهم وتمكنوا بفضل الله من إنقاذ حياتها بعد أن مكثت في العناية المركزة لمدة أسبوعين واتضح أن الشيء الذي لم يستطع أطباؤنا معرفته في الأشعة المقطعية هو تجمع ماء على القلب أدى إلى عدم كفاءته في العمل وهو الذي أدى إلى تورم في قدميها وساقيها والذي كان أطباؤنا الأكارم يعزونه إلى التهاب الشعب الهوائية!!

 

بعد أسبوعين في العناية المركزة قرر الأطباء عمل فتحة في القصبة الهوائية لتعيش بعدها على التنفس الصناعي وقد كان. وتم نقلها إلى القسم بعد ذلك لتمكث فيه سبعة عشر يوما طلب مني الأطباء شراء جهاز تنفسي صناعي مع محطة توليد أكسجين بيتيه وبالفعل اشتريت ما طلب مني وغادرت المستشفى إلى بيت ولدنا منير الذي لم يأل جهدا في العناية بنا طوال تلك الفترة هو وشقيقته دعاء والتي حضرت من كندا خصيصا لترى والدتها وتمكث معنا ثلاثة أسابيع وبعد أسبوع من مغادرتها المستشفى غادرنا أنقرة متوجهين إلى مصر لنمكث هناك عشرة أيام في مستشفى فلسطين انتظارا لفتح المعبر وقد وصلنا المعبر في العاشرة صباحا  يرافقنا منير والذي ودعنا وهو يعلم أنه لن يرى والدته مرة أخرى وكانت الحسرة الكبرى أنه لا يفصله عن أرض الوطن سوى مترات معدودة ولكنه لا يستطيع الدخول .

 

عدنا إلى خان يونس بيوم الخميس الموافق 3/7/2008 وكانت الهام بحالة نفسية مريحة وكنت أنا في منتهى الراحة أننا وصلنا إلى أرض الوطن أحياء.

 

حاولنا توفير كل وسائل العناية والراحة لها خلال وجودها بيننا وكان يتناوب على خدمتها ابنتيها داليا ودينا وتساعدهما في ذلك زوجة شقيقهما غدير. ولكن الحالة بدأت تسوء قبل الوفاة بثلاثة أيام وأنا أراقب ذلك وأكتم في نفسي محاولا تهيئة ابنها محمد وبناتها بما قد يحدث إلى أن كان اليوم الأخير قبل الساعة الأخيرة في حياتها من يوم 28/7 فقد كنت أتأهب لصلاة العصر ووجدتها قد استيقظت من نومها وسألتها عما إذا كانت ترغب في تناول طعام الغداء فأشارت بالإيجاب وأكلت ما قسم لها وما أن عدت من صلاة العصر لأجد محمد في انتظاري ليخبرني بأن والدته متعبه فذهبت إليها لأجد الاصفرار قد غطى وجهها وبدأ العرق يتصبب من جبينها وبدأت البرودة تسري في أطرافها وعندها أدركت أنها اللحظات الأخيرة ولكن الإنسان يعيش على الأمل. استدعى محمد الإسعاف لينقلها إلى مستشفى ناصر وبذل الأطباء قصارى جهدهم إلا أن قدر الله كان أقوى وأسلمت الروح إلى بارئها في السادسة والنصف من مساء الاثنين 28/7/2008 مخلفة وراءها فراغ لا يملؤه إلا إلهام وفي اليوم التالي جرى تشييع جثمانها في جنازة مهيبة ونزل إلى قبرها كل من أبناء شقيقيها المهندس فوزي ونضال وابنها محمد ليخبروني بأنهم شاهدوها عندما كشفوا عن وجهها أنها تبتسم وشهدوا على ذلك. نعم فكانت طوال حياتها مبتسمة وهي تبتسم لملاقاة الله لأن الله سبحانه قد حفها بعناية وليدخلها بإذنه تعالى فسيح جناته, إلهام التي كانت عونا لي في كل حياتي.

الهام التي وقفت بجانبي في كل مراحل حياتي

الهام التي كانت عونا لي على الخير فإذا ما نسيت ذكرتني وإذا ذكرت أعانتني.

إلهام كانت الزوجة الوفية المحبة المخلصة المتفانية في السهر على راحتي طوال أربعين عاما. وعلى راحة أبنائها وتربيتهم حسن التربية.

الهام فارقتني في الوقت الذي أنا في أمس الحاجة إليك إلى حنانك  إلى كلماتك التي تدب دائما في أذني عندما كنت تقولي لي عند خروجي من البيت "الله يسهل عليك ويحنن عليك ويبعت لك في طريق رفيق وفي كل خطوة سلامة".

 

الهام سامحيني إذا كنت قصرت في حقك.

الهام أنت فارفتينا بجسدك ولكن روحك معنا ترفرف علينا في كل وقت وأبتهل إلى الله سبحانه أن يجمعني بك في الفردوس الأعلى.

الهام لقد أحزنني فراقك حزنا لم يعد في قلبي مكان لحزن غيره ولكن لا أقول إلا ما يرضي الله سبحانه وتعالى "الحمد لله وإنا لله وإنا إليه راجعون"

 

عزائي منك أن تركت لي أبناء أحسنت تربيتهم ليشهد الجميع بذلك النقيب محمد كامل والدكتور مهندس منير ودعاء وداليا ودينا.

 

رحمك الله رحمة واسعة وأسكنك فسيح جناته وجمعنا بك في جنات النعيم وألهمنا بعدك الصبر

 

وإنا لله وإنا إليه راجعون

 

 

شكر وتقدير

لا يفوتني في هذه المناسبة أن أتقدم بجزيل الشكر والعرفان والتقدير لفخامة الرئيس / محمود عباس "ابو مازن" لمواساته لي هاتفيا والتي كان لها أكبر الأثر في التخفيف عني داعيا الله عز وجل أن يحفظه ويطيل في عمره ولا يريه مكروها بعزيز

 

كما أشكر من أعماق قلبي سفير دولة فلسطين في تركيا الأستاذ/ نبيل معروف والملحق الثقافي في السفارة الأستاذ/ مهاب جودة لوقفتهما الرجولية معنا أثناء وجودهما بالمستشفى

 

كما أتقدم بالشكر والعرفان لجميع من تفضل بمواساتي سواء بالحضور لبيت العزاء أو النعي في الصحف أو بالإتصال هاتفيا داعيا المولى عز وجل أن لا يفجعهم بعزيز.

 

والشكر موصولا لموقع الفرا ومن ساهم في التعزية عبر الموقع سائلا المولى أن يكف عنهم شر كل مكروه وأن يعينني على مجاملتهم في الأفراح.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته



لإضافة تعليق إضغط هنا



إلهام رزق الفرا في سطور..

-         ولدت بمدينة خانيونس

-         حصلت على الثانوية العامة من مدرسة خانيونس الثانوية للبنات

-         التحقت بكلية الحقوق بجامعة الإسكندرية لتكون أول فتاة من خانيونس تلتحق بتلك الكلية

-         انهت دراستها الجامعية في عام 1968 وحصلت على درجة ليسانس في القانون.

-         سافرت إلى الكويت.

-         عادت إلى قطاع غزة بتصريح زيارة مع باقي أفراد أسرتها في يوليو  1969

-         عقد قرانها على المستشار علي كامل الفرا في أكتوبر 1969 وكان في ذلك الوقت بدرجة وكيل نيابة

-         عملت باحثة في الشئون الإجتماعية لتقف إلى جانب الأسر الفقيدة وتساعدهم ما استطاعت الى ذلك سبيلا ولتقف ايضا بجانب المناضلين الذين كان يقبض عليهم في الانتفاضة الاولى وتحاول صرف المساعدات لاسرهم رغم قرار سلطات الاحتلال بحرمانهم من المساعدات

-         وقفت بجانب الثوار وكانت تخفيهم في مكتبها ولما اكتشف جيش الاحتلال امر بطردها من العمل.

-         عملت محامية مدافعة عن المعتقلين في سجون الاسرائيليين  في الانتفاضة الاولى ووقفت بجانب المظلومين في القضاء المدني والجزائي مدافعة عن كلمة الحق

-         عضو المكتب الحركي لمحامي حركة فتح في نقابة محامي فلسطين

-         انجبت خمسة من ابناء .. نقيب الشرطة /محمد كامل ودكتور مهندس طيران /منير ودعاء وداليا ودينا.

-         تمتعت بمكانه عالية في المجتمع فاحبت الناس واحبها الناس

-         عطوفه على كل من يستحق العطف وكريمة لدرجة انها تجود بكل ما تملك

-         انتقلت الى رحمة الله في السادسة والنصف من مساء الاثنين 28/7/2008



لإضافة تعليق إضغط هنا