وعد بلفور بين التاريخ والواقع
أسامة عبدالستار موسى الفرا
التفاصيل
وعد بلفور بين التاريخ والواقع
بقلم الصحافي / يحيى ناجح الفرا
ونحن في هذه الأيام الحالكة تحل علينا ذكرى وعد بلفور المشئوم الذي لازلنا نعيش إفرازاته في وطننا الغالي فلسطين . ففي الثاني من نوفمبر ( تشرين الثاني ) عام ألف وتسعمائة وسبعة عشر أعطى ارث بلفور وزير الخارجية البريطاني آنذاك وعداٌ لأحد كبار القادة اليهودي اللورد روتشيلد بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين وهو الوعد الذي أعطاه من لا يملك إلى من لا يستحق .
ومنذ ذلك الحين عملت بريطانيا على تحقيق الحلم اليهودي بإقامة وطن لهم على أرضنا فلسطين بشتى الوسائل والطرق على حساب شعب فلسطين الذي قاوم هذا المشروع ولازال .
ولكننا هنا لسنا بصدد سرد الوقائع والأحداث التي جرت على ارض فلسطين منذ صدور هذا الوعد سيء الذكر بقدر ما نحن بصدد الخوض في إفرازاته اللعينة والتي امتدت لتصل شتى مناحي حياة المواطن الفلسطيني .
وما هذه الويلات والنكبات التي ألمت بشعبنا إلا من إفرازات هذا الوعد المشئوم . فرغم المقاومة المستميتة التي أبداها شعبنا في مقاومة هذا المشروع اللئيم إلا أن الجسد الخبيث " إسرائيل " أقيم على أرضنا المقدسة فلسطين وذلك في الخامس عشر من مايو عام ألف وتسعمائة وثمانية وأربعين بعد أن شرد الفلسطينيون في الشتات ليصبحوا لاجئين بفعل الظلم العالمي ومنظماته الدولية المتحيزة لصالح إسرائيل دوماٌ .
وجادت حرب عام سبعة وستين لتستكمل إسرائيل السيطرة على مجمل الأراضي الفلسطينية بل ومعها أراضي سورية ومصرية. وعند استيلاء إسرائيل على فلسطين كاملة عملت على بسط هيمنتها على شتى مناحي الحياة أملا في ضمها بشكل رسمي وكامل إلا أن الانتفاضة الأولى المجيدة أحيت الأمل في النفوس وبعث الروح وشحذ الهمم لدا شعبنا ، ومن ثم الوقوف وبقوة وصلابة في وجه المحتل الصهيوني الذي أرهقته هذه الانتفاضة المباركة رغم التنكيل والبطش والقتل والاعتقال ضد أبطال الانتفاضة .
ورغم قيام السلطة الفلسطينية عام أربعة وتسعين وتسعمائة وألف إلا أن الاحتلال الإسرائيلي لازال يسيطر فعليا على الضفة والقطاع حيث يعاني أبناء شعبنا الكثير جراء ذلك ، كما أن مقاومة الاحتلال على الصعيد العسكري والسياسي لازالت قائمة بصور وأشكال مختلفة .
ومنذ احتلال إسرائيل لمدينة القدس عام سبعة وستين وهي تعمل على تهويدها بشتى الوسائل والطرق ، فقد استبدلت بطاقات الهوية لمواطني القدس ببطاقات هوية إسرائيلية ، ومنعت تراخيص البناء ، بل واستولت العصابات الصهيونية على المنازل بالقوة بدعوى أنها مملوكة ليهود ، كما أقدمت سلطات الاحتلال على هدم المنازل تحت حجج وذرائع واهية لا أساس لها من الصحة .
أما عن المسجد الأقصى المبارك ومحيطه فحدث ولا حرج حيث السياسة الإسرائيلية التهويدية قائمة على قدم وساق وجميعنا يتابع الأحداث الجارية عن كثب ومن أبرزها حفر الأنفاق بحجة البحث عن الهيكل المزعوم ، ومحاولة تغيير معالم المسجد الأقصى الأثرية بل وسرقة الآثار ، وقيام الجماعات الصهيونية بتدنيس المسجد الأقصى ومحيطه وقيام السلطات الإسرائيلية بفرض واقع جديد من حيث زعمهم بأن الأقصى ليس للمسلمين فقط بل لليهود والمسيحيين وهو ما يرفضه أبناء شعبنا وبقوة وذلك انطلاقاً من عقيدتنا الإسلامية ويواجهونه بصدورهم العارية دون مساندة عربية أو إسلامية .
ونحن نعيش في خضم هذه الأمواج العاتية المتلاحقة التي تضرب بقضيتنا يميناً وشمالاً نجد أنه وللأسف الشديد إن الفلسطينيين منشغلون بصراعاتهم الحزبية البغيضة متناسين قضيتهم الجوهرية ، كما أن السياسات العربية تنحصر في الشجب والاستنكار والإدانة ، وكذلك فان منظمة المؤتمر الإسلامي لا وجود لها إلا كتسمية فقط ... وفي المحصلة فإن ذلك يعكس ضعف القرار الفلسطيني والعربي والإسلامي معاً في مواجهة عنجهية وصلف إسرائيلي يعرف كيف يدير الصراع لأنه يعرف انه يواجه استكانة وضعف عربي و إسلامي مما يزيده تمادياً وغرورا ً .
وأخيراً إذا كان وعد بلفور قد صدر قبل نحو قرن تقريباً إلا أن إفرازاته ونتائجه لازالت جارية على أرض الواقع الذي نعيشه وإذا لم يستفيق أبناء شعبنا من غفوتهم ويتعالوا على صراعاتهم الداخلية الحزبية الضيقة وإذا لم يتخل عالمنا العربي والإسلامي عن أدواتهم المتمثلة في الإدانة والشجب والاستنكار ويستخدموا الأدوات الفاعلة الناجعة فإن العديد من وعود أحفاد بلفور بانتظارهم ولكنها لن تكون في صالحهم كما أن وعود أوباما ستطالهم كما طالتهم وعود بوش الكاذبة ورؤساء الغرب عموماً... ترى هل من يستوعب دروس التاريخ ؟.