المحور الثاني: حياة سليمان عليه السلام
أسامة عبدالستار موسى الفرا
التفاصيل
المحور
الثاني حياة
سليمان عليه السلام هو سليمان بن داود بن إيشا بن عويد بن
عابر بن سلمون بن نخشون بن عمينا أداب بن إرم بن خصرون بن فارض بن يهوذا بن يعقوب
بن إسحاق بن إبراهيم ( بن كثير، 1989 : 465)، ولد في القدس، وحكم
فيها 40سنة (976- 936ق.م) والملاحظ أن عدد السنوات التي حكمها سليمان عليه السلام
تتساوى مع عدد السنوات التي حكمها أبوه داود عليه السلام. (بن كثير،1989 :463) وهذا
إذا أضفنا السنوات السبع التي حكم فيها داود عليه السلام الخليل ، كان سليمان في
العشرين من عمره حين خلف أباه داود، وأول
عمل قام به هو قتل أخيه الأكبر "ادونيا" حتى لا ينازعه العرش، وطرد
الكاهن الأكبر "أبياثار" الذي يناصر أخاه، وعندما علم بذلك
"يواب" قائد الجيش هرب محتميا في المذبح، لكن سليمان تمكن من قتله، وقتل
كل من أساء لأبيه. (عبد الفتاح، 2001 :62) وبهذا استتب له الملك، وتزوج العديد من
النساء الأميرات بغرض سياسي وهو الاستقرار ، وكانت ابنة فرعون مصر واحدة منهن. جاء
في الكتاب المقدس : "وأحب الملك سليمان نساء غريبة
كثيرة مع بنت فرعون موآبيات وعمونيات وأدوميات وصيدونيات وحثيات من الأمم الذين
قال عنهم الرب لبني إسرائيل لا تدخلون إليهم وهم لا يدخلون إليكم لأنهم يميلون
قلوبكم وراء آلهتهم . فالتصق سليمان بهؤلاء بالمحبة. وكانت له سبع مئةٍ من النساء
السيدات وثلاث مئة من السراري فأمالت نساؤه قلبه . وكان في زمان شيخوخة سليمان أن
نساءَهُ أملن قلبه وراء آلهةٍ أُخرى ولم يكن قلبه كاملاً مع الرب إلهه كقلب داود
أبيه
(الكتاب المقدس ،1989 :523-554)، لو أمعنا النظر في كلام الكتاب المقدس
نصل إلى نتيجة مفادها، أنه لا يمكن لنبي أن يخالف أمر الله، ولا يمكن له أن يميل
قلبه وراء آلهة غير الله، ولا يمكن له أن يتزوج ابنة ملك كافر. ولو كان سليمان
عليه السلام هكذا لما كان نبيا، ولما كان له عند الله زلفى و حُسن مآب. سأل سليمان الله أن يعطيه ملكاً لا
ينبغي أن يكون لأحد من قبله ولا لأحدٍ من بعده ، فآتاه الله العلم والحكمة وعلمه
منطق الطير والحيوانات ، وسخر له الرياح والجن . قال
تعالى : "
قال
ربِّ اغفر لي وهبْ لي مُلكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعدي إنك أنت الوهاب " (ص
: آية35 ). فأصبح
سليمان عليه السلام غنيا ، وملك الأساطيل في ميناء عصيون جابر على خليج العقبة.
جاء في الكتاب المقدس: "وعمل سليمان الملك سفناً في عصيون جابر إلى جانب إيلة
على شاطئ بحر سوف في أرض أدوم" ( الكتاب المقدس، 1989 :551)،
وملك عليه السلام الذهب وكان له جيش قوي يتكون من العجلات الحربية ، والتي
استخدمها الهكسوس في احتلال مصر والهكسوس هم بدو فلسطين وسكانها ، وعمل سليمان
بالتجارة وخاصة تجارة السلاح ، فاتسعت رقعة المدينة في عهده وانتشر العمران . يُعتبر الهيكل ـ كما يقولون ـ من أشهر
أعمال سليمان عليه السلام ، والمعروف حسب ما جاء في الكتاب المقدس أن بناءه بدأ
عام 969ق.م ، وانتهى عام 962ق.م، أي أن بنائه استغرق سبع سنوات ، وأن أباه الملك
داود عليه السلام كان قد جهز بعض مواد البناء للهيكل قبل وفاته . ورد في الكتاب المقدس : " فبناه في
سبع سنين " (الكتاب المقدس ، 1989 : 541) ، قام ببناء الهيكل
180ألف بين عمال وفنيين ومهرة ومهندسين ، أرسل منهم 30 ألفاً إلى لبنان لإحضار
الخشب ، و 70ألفاً يحملون أحمالاً و 80 ألفاً يقطعون في الجبال . ما عدا رؤساء
الوكلاء لسليمان ( الكتاب المقدس، 1989: 539). يزعم اليهود وبعض المؤرخين وحتى
المسلمين منهم أن الهيكل أُقيم في المكان الذي كان يتعبد فيه "ملكيصادق"،
وهو المكان الذي أقيم عليه الحرم الشريف ( الدباغ ،2002 :35 )،
أما صاحب كتاب "القدس مدينة واحدة وعقائد ثلاث " فيقول :
" كان المعبد مقاماً على قمة جبل صهيون ، وفي موضعٍ آخر من كتابه
يقول: وأتاح المعبد الذي بناه سليمان على جبل صهيون الإحساس بوجود الله. (
أرمسترونج، 1996 :100- 102) أُستخدم
الهيكل كمعبد لليهود فقط في عهد "سليمان " عليه السلام ، أما في عهد
ابنه " رحبعام بن سليمان " فكان لفئة قليلة منهم ، لأن فئة كبيرة من
اليهود اتجهوا إلى معبدين كان " يربعام بن سليمان " قد أقامهما وهو أول
ملوك بني إسرائيل. وُصِف عهد سليمان بالاستقرار والتطور
العمراني ، استخرج فيه النحاس والحديد ، وأنشأ معمل لصهر المعادن ، وأكثر عماله
كانوا من الكنعانيين والفينيقيين المهرة ، وتعلم بنو إسرائيل من الكنعانيين
استخراج المعادن وصهرها. أما عن الآية الكريمة التي وردت في
البحث ، والتي بيّنت طلب سيدنا سليمان من الله ملكا لم يأخذه أحد من قبله ولا من
بعده ، فاستجاب له الله عزَّ وجل ، فسخر له الجن ، فكان يحبس العصاة منهم ويقيدهم بالسلاسل
، لهذا كانوا يطيعونه ويبنون له القصور والأواني والقدور. وكان النحاس مذاباً بين يدي سليمان عليه
السلام ، فاستخدمه في الحرب وفي السلم (ابن كثير،1989:
477). قال تعالى: "وأسلنا له عين القطر" (سبأ:
آية 12)
والقطر هو النحاس، وسخر الله له الريح ، فكان يستخدمها في نقل الجنود عن طريق
وضعهم على بساط خشبي ، ثم يأمر الريح بنقلهم إلى المكان الذي يريده (بن
كثير، 1989 : 477)، وكان جيشه عليه السلام يتكون من الإنس والجن والطير . وقصص
سيدنا سليمان كثيرة، معظمها ورد في القرآن العظيم؛ مثل قصته مع بلقيس والنملة
والخيل ، وحنكته في القضاء ، والبحث هنا ليس بصدد سرد هذه القصص ، لأنها ليست الهدف
، إنما تم الاستشهاد بها باختصار وبسيرته عليه السلام ، لأنه حسب ما جاء في الكتاب
المقدس هو الذي أسس وبنى الهيكل الذي هو غرض البحث . والغريب هنا هو أن القرآن
الكريم لم يذكر شيئا عن هيكل سليمان. فتنة
سليمان عليه السلام : قال تعالى : " ولقد فتنا سليمان وألقينا
على كرسيه جسدا ثم أناب " ( ص: آية34). أراد
الله سبحانه وتعالى أن يبتلي سليمان عليه السلام ، رُوي أن سليمان عليه السلام
أراد أن يطوف على نسائه في ليلة واحدة، وقد كان يطيق من التمتع بالنساء أمرا عظيما
جدا. قال صلى الله عليه وسلم: " قال سليمان بن داود: لأطوفن الليلة على سبعين
امرأة تحمل كل امرأة فارسا يجاهد في سبيل الله فقال له صاحبه: إن شاء الله. فلم
يقل ! فلم تحمل شيئا إلاّ واحدا ساقطا أحد شقيه". فقال النبي صلى الله عليه
وسلم: "لو قالها لجاهدوا في سبيل الله". وفي موقف آخر كتب فخر الدين الرازي ، أن
سليمان عليه السلام ، مرض ، واشتد عليه المرض ، تدخل الطير والجن والإنس في علاجه
فلم يشف ، وأصبح عليه السلام كأنه جسد بلا روح ، فأخذ عليه السلام في الدعاء
صباحاً مساءً ، طالباً الشفاء ، وبعد أن واجه سليمان هذا الابتلاء بالصبر والدعاء
شافاه الله (بن
كثير، 1989 :482)، فمن الواضح من هاتين الروايتين أن الله عاقب سليمان لأنه لم
يقل إن شاء الله، والمعروف أن الله يعاقب ويبتلي المؤمن لاختباره، وأن لسليمان
مكانة عالية عند الله ، لهذا غفر له ، يقول تعالى : " فغفرنا له ذلك وإن له
عندنا لزلفى وحسن مآب " ( ص: آية25). بناء
ومواصفات الهيكل : منذ عهد النبي موسى عليه السلام حتى عهد سليمان
عليه السلام ، لم يمتلك اليهود مكاناً مقدساً ثابتاً للعبادة ، فكانوا يضعون
الوصايا العشر في تابوت أطلق عليه اسم " تابوت العهد "، وخصصوا له خيمة
سموها " خيمة الاجتماع "، وكانت هذه الخيمة تتنقل معهم أينما ذهبوا. ورد
في التاريخ أن داود عليه السلام اشترى بيدر من رجل اسمه أرنات اليبوسي بستمائة
شاقل من الذهب ليبني عليه الهيكل (نوفل، وآخرون، 1996 :44). واليهود ليس لهم خبرة في البناء ، لهذا أرسل
داود عليه السلام إلى "حيرام" ملك صور يطلب منه المساعدة اللازمة للبناء
(
عبد الفتاح ،2001 :103)، فجهز داود عليه السلام معظم مواد
البناء، ولكن الله لم يأمره بالبناء ووعده بأن يكون ابنه سليمان هو الذي سيقوم
بالبناء، وبناه سليمان ، واستغرق في بنائه
سبع سنوات ، أطلق عليه اسم "هيكل سليمان" أو "الهيكل الأول". تقديس
الهيكل : الواقع أن تقديس الهيكل قديم جداً، ففي
بلاد الرافدين كانوا يعتقدون أن إقامة الآلهة في السماء، وإذا رغبت النزول إلى
الأرض فلا تكون إقامتها إلا في بيوت كبيرة "الهيكل"، لهذا تقديس اليهود
للهيكل ليس من إبداعهم. ففي "بابل ونينوي" أشور كان تقديس الهيكل منذ
الألف الثاني قبل الميلاد. وفي "ماري" أظهرت اللقى أن هيكل
"سن" في حيران وقطنا كانا ذو شهرةٍ منذُ 1800 ق.م. ولم يكون الاهتمام
بالهيكل في سوريا فقط أو العراق بل في مصر أيضاً، إلى درجة أن هيكل بعل في
"بيبلوس" تسلّم النذور المصرية بكميات كبيرة ( السعد، 1998 :184). وحسب مزاعم اليهود ، فإن بناء الهيكل تم فوق
جبل موريا الذي يوجد فوقه المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة (
كامل، 2000 :82)، وقد انفق سليمان عليه السلام ثروة طائلة على بناء الهيكل يقول
صاحب موسوعة بيت المقدس :"إن بناء الهيكل هو خرافي وخيالي نسبه اليهود إلى
سيدنا سليمان ، وقصة بناء الهيكل لا يعترف بها التاريخ وليس لها مصادر إلا كتب
يهود" (شراب،2003:
1063). الملك
حيرام : كان "حيرام " ملك صور صديقا
ومحبا لداود عليه السلام ، لهذا عندما علم أن سليمان بن داود عين ملكاً على بني
إسرائيل فرح وقال كما جاء في الكتاب المقدس: " مبارك اليوم الرب الذي أعطى داود
ابناً حكيماً على هذا الشعب "(الكتاب المقدس، 1989 :538). ولأن سليمان يعلم علاقة أبيه داود بملك صور
"حيرام" طلب سليمان عليه السلام منه أن يرسل له خشب الأرز من لبنان مع
عبيده ليعملوا مع عبيد سليمان مقابل الأجرة التي يحددها حيرام ، جاء في الكتاب
المقدس :
" من الملك سليمان إلى الملك حيرام " والآن فأمر أن يقطعوا لي
أرزاً من لبنان ويكون عبيدي مع عبيدك وأجرة عبيدك أُعطيك إياها حسب كل ما تقول
لأنك تعلم أنه ليس بيننا أحد يعرف قطع الخشب مثل الصيدونيين " (
الكتاب المقدس، 1989 :538). وبهذا
تمكن سليمان من إحضار خشب الأرز من لبنان ، وأحضر الأحجار الكريمة من اليمن والذهب
من ترشيش . استغرق بناء الهيكل سبع سنوات ، وقام ببنائه حوالي مائة وثمانون ألف
رجل. تقول التوراة أن سليمان بنى الهيكل في السنة
الرابعة لحكمه ليضع فيه تابوت العهد وتقول أيضاً أن الله كتب الوصايا بخط يده
فأعطاها لموسى وفيها نقش "العهد" مع " شعب الله المختار"
( السعد، 1998 :186-186). مواصفات
الهيكل : طول هيكل سليمان ستون ذراعاً وعرضه
عشرون ذراعاً وسمكه ثلاثون ذراعاً والرواق الذي وجد أمام هيكل البيت طوله عشرون
ذراعاً حسب عرض البيت وعرضه عشرة أذرع قدام البيت ، أسقف البيت عملت مشبكة من خشب
الأرز الأصلي ، له ثلاثة أسوار ضخمة حول البيت والمحراب ، وغرفة مستديرة ، الطبقة
السفلى عرضها خمسة أذرع والوسطى عرضها ستة أذرع والثالثة عرضها سبعة أذرع ، بُني
البيت بحجارة صحيحة ، وحيطان الداخل بُنيت بأضلاع الأرز ، وغشّاهُ بخشبٍ ، وفرش
أرضه بأخشاب السرو ، بني محرابا وسط البيت ليضع فيه تابوت عهد الرب ، وغشّاهُ بذهب
خالص وغشى المذبح بخشب الأرز ، وغطى البيت كله بالذهب الخالص (
عبد الفتاح،2001 :103-104)، ووضع في الهيكل طاولة عليها الخبز
المقدس يبدلونه يومياً ، وكان رحب للكهنوت والشمعدان ذو السبع شعب وأما الباب
الأثري على مدخل الهيكل فهو مذبح لإحراق الضحايا . وكان يوجد في الهيكل مذبح
البخور وملاقط الجمر والمباخر والكاسات والصحاف ، وعلى المذبح الخارجي كانت تقدم
الذبائح الدموية من البقر والغنم صباحاً ومساءً ، وإذا لم تتم هذه الذبائح كانت
تُعد عبادتهم ناقصة ولن يُغفر لهم . جاء في الكتاب المقدس : " لأنَّ نفس الجسد هي في الدم – دم
الذبيحة - ، فأنا أعطيتكم إياه على
المذبح للتكفير عن نفوسكم ، لأن الدم يكفر عن النفس الخطيئة " (
الكتاب المقدس، 1989 :157) وللهيكل أيضاً ساحتين الأولى خارجية
والثانية داخلية ، أما الأروقة التي ذكرتها فبُنيت على أعمدة من الرخام عددها مائة
واثنان وستون عموداً ، سمك كل عمود ثلاثة أمتار تقريباً ، كان لساحة الهيكل
الخارجية تسع بوابات ضخمة مطلية بالذهب ، والبوابة العاشرة مصبوبة من نحاس كونثوس
، وعلى كل البوابات العشرة زخارف على شكل عناقيد العنب الكبيرة المصنوعة من الذهب
الخالص (
الكتاب المقدس،1989 :539). وعندما اكتمل الهيكل ، جمع سليمان كل
بني إسرائيل وقدموا للرب اثنين وعشرين ألفاً من البقر ومائة وعشرين ألفاً من الغنم
، واستمر هذا الافتتاح سبعة أيام. وفاة
سليمان : هناك من يقول إن سليمان عليه السلام عاش
اثنتين وخمسين سنة، وكان ملكه أربعين سنة. وقال إسحاق: أنبأنا أبو روق، عن عكرمة،
عن ابن عباس أن ملكه كان عشرون سنة ... وقال ابن جرير: فكان جميع عمر سليمان بن
داود عليهما السلام نيفا وخمسين . كانت وفاته آية من آيات الله ، مثلما كانت حياته
أيضاً آية من آيات الله ، فبينما كان يصلي ذات يوم إذ رأى شجرة بين يديه فقال لها:
ما اسمك؟ قالت: الخروب. قال: لأي شيء أنت؟ قالت: لخراب هذا البيت. فقال سليمان: ما
كان الله ليخربه وأنا حي أنت التي على وجهك هلاكي وخراب بيت المقدس ثم قال: اللهم
عمّ على الجن موتي حتى تعلم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب، فنحتها عصاً فتوكأ
عليها، فمات ولم تعلم به الجن حولا والجن تعمل، فأكلتها الأرضة فتبيّنت الإنس أن
الجن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا حولا في العذاب المهين، فشكرت الجن للأرَضَة
فكانت تأتيها بالماء. وبهذا فإن وفاته عليه السلام كانت دليلاً على أن الله وحده
يعلم الغيب ، وأنه لا الجن ولا الإنس يعلم الغيب ( بن كثير، 1989
:482)
قال تعالى :