...

كلمة في يوم النكبة


أسامة عبدالستار موسى الفرا 


التفاصيل

بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى (وَاقْتُلُوهْم حيثُ ثَقِفْتُمُوهمْ وأَخرِجُوهم مِنْ حيثُ أَخْرَجُوكمْ) صدق الله العظيم

قالوا لاجئين ... قلنا ثوار مناضلين

قالوا بلا وطن ... قلنا لن يطول الزمن

قالوا تبغون المستحيل ... قلنا الأمانة ننقلها من جيل إلى جيل

 

ثلاثةٌ وستون عاماً مضت وكأنها الدهر كله ، إنها النكبة الكبرى التي لحقت بشعب صغير تحت سمع وبصر العالم كله ، وما زالت مستمرة بصمت وخزي عربي رسمي ، ورغم السنين وهول الجريمة التي ارتكبتها إسرائيل بحق شعبنا ، إلا أننا نحن شعب الجبارين ما زلنا هنا نصارع ونقاوم ، صامدون مكافحون متمسكون بحقوقنا الوطنية المشروعة الراسخة الثابتة ، حقنا بالتحرر والاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف ، وحقنا الأبدي والتاريخي بالعودة إلى ديارنا الأولى التي هُجرنا منها بالقوة والإرهاب الصهيوني .

ثلاثةٌ وستون عاماً ولم ننسى بيوتنا وأملاكنا وديارنا في حيفا ويافا واللد والرملة ، لم ننسى قرانا الحبيبة التي دمرها الغزاة بعد تهجيرنا منها ، لم ننسى قرية أم الزينات وعين غزال وبعلين والفالوجة وبئر السبع ، لم ننسى مرابينا وأرض الخير والسمن والعسل التي عاش فيها آباؤنا وحتى قبل آلاف السنين وسموا حينها بالقوم الجبارين ، لم ننسى ولن نغفر ولن نهدأ ولن نستكين ، مهما طال الزمن وتباعدت المسافات ، لن نيأس مهما بدت الظروف صعبة ومظلمة ، وسنواصل العمل والنضال جيلاً بعد جيل لإنجاز حقنا المقدس -الفردي والجماعي- بالعودة .

في 15/5/1948م ، دخلت الجيوش العربية السبعة إلى فلسطين وانتهى الانتداب البريطاني وانسحب المندوب السامي والإدارة البريطانية من فلسطين وقام اليهود بإعلان دولتهم .ولم تتخذ أمريكا أي إجراء لضمان الأمن والنظام في البلاد مما دعا الدول العربية إلى إرسال جيوشها لتأديب العصابات الصهيونية وإعادة الحق إلى عرب فلسطين ، ودخلت هذه الجيوش على عكس رغبة الشعب الفلسطيني الذي أراد أن يعتمد على نفسه وعلى تسليحه وتدريبه .

وفعلاً دخلت الجيوش العربية فلسطين في 15 مايو 48 بعد انتهاء الانتداب البريطاني وكان قوامها حوالي 14 ألف مقاتل من سبعة دول عربية وهي: مصر وسوريا ولبنان والأردن والعراق وانضمت قوات من السعودية والسودان إلى القوات المصرية .

ولم يمضِ أسبوعان على دخولها إلى فلسطين حتى استطاعت مع المقاومة الفلسطينية السيطرة على معظم المناطق فيها ، مما دفع اليهود إلى طلب المساعدة من أمريكا وبريطانيا للتدخل فوراً ووقف القتال .

وعلى أثر ذلك قرر مجلس الأمن وقف القتال بين العرب واليهود في التاسع والعشرين من مايو عام 48 ولمدة أربعة أسابيع ، على أن يعمل الوسيط الدولي برنادوت على اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ الهدنة بين الطرفين ، وقد وافق الطرفان على          الهدنة ، غير أن اليهود قاموا بخرقها بعد إعلان تطبيقها بثلاث ساعات .

حقق اليهود عدة مكاسب من الهدنة منها :

·        رفع الحصار عن اليهود في القدس وجرى تزويدهم بالماء والمؤن .

·        فتح الطريق الواصل بين القدس وتل أبيب .

·        التزود بالسلاح والذخيرة وإحضار المقاتلين من أمريكا وانجلترا وجنوب أفريقا .

·        اتخذوا مواقع استراتيجية وحصنوها بحفر الخنادق .

وفي هذه الأثناء تقدم برنادوت باقتراح تشكيل اتحاد عربي يهودي يضم فلسطين وشرق الأردن على أساس دولتين عربية ويهودية واقترح تعديل على قرار التقسيم أهمها ضم النقب إلى الدولة العربية وضم الجليل للدولة اليهودية وضم القدس للعرب مع السماح لليهود بالوصول إلى الأماكن المقدسة ، رفض العرب واليهود هذه الاقتراحات .

وتواصل القتال بعد فترة الهدنة ، وتمكن اليهود من السيطرة على مدينتي اللد والرملة بعد انسحاب القوات الأردنية منها وفضلاً عن السيطرة على بعض المناطق في جنوب فلسطين التي كانت تسيطر عليها القوات المصرية كما سيطروا على بعض المواقع في الجليل الغربي .

واجتمع مجلس الأمن وأصدر قرار بوقف القتال وإعلان الهدنة الثانية اعتباراً من 18/7/48 قبلها كل من العرب واليهود ، خلال تلك الفترة حاول برنادوت تنفيذ  مقترحاته ، لكن اليهود قاموا باغتياله في 17/9/48 ، وقاموا بعمليات عسكرية ضد الجيوش العربية وتمكنوا من احتلال النقب ومنطقة الجليل .

وانسحبت الجيوش العربية من فلسطين ، وتم توقيع هدنة بين كل من مصر ولبنان وسوريا والأردن مع اسرائيل في جزيرة رودس عام 49 ، وبهذا أُعطت إسرائيل مساحة من فلسطين تبلغ مرة ونصف قدر ما أعطاها قرار التقسيم رقم 181 هذا القرار الذي رفضه العرب .

       أسباب هزيمة العرب في الحرب :

من هذه الأسباب :

·        ضعف القدرة والخبرة العسكرية للقوات العربية .

·        افتقار القوات العربية إلى قيادة عسكرية موحدة .

·        عدم استغلال فترات الهدنة .

·        تفوق القوات الصهيونية في العدد والعدة والدعم البريطاني والأمريكي لها .

من نتائج حرب 48 :

·        تشتت الشعب الفلسطيني إذ وقع 156 ألف تحت الاحتلال الإسرائيلي وتشريد نحو مليون فلسطيني وإجبارهم على الهجرة .

·        قيام دولة إسرائيل على مساحة تقدر بـ 77%  من مساحة فلسطين ، بينما خصص لها قرار التقسيم 56% .

·        ضم الضفة الغربية إلى شرق الأردن ووضع قطاع غزة تحت الإدارة المصرية .

وفي تلك الأثناء عُقدت الهيئة العربية العليا ومختلف الأحزاب والشخصيات الفلسطينية مؤتمراً في غزة في 30/9/48 ، أُطلق عليه اسم المجلس الوطني الفلسطيني ، وانتخب هذا المجلس حكومة عموم فلسطين وهي أول حكومة على أرض فلسطين وعين أحمد حلمي باشا رئيساً لها ، إلاّ أن هذه الحكومة لم تستمر سوى بضعة أشهر حيث تم ضم الضفة الغربية إلى الأردن وغزة لمصر .

وفي 1/10/48 عُقد مؤتمر عمان واتخذ القرارات الآتية :-

·        الدعوة إلى وحدة أردنية-فلسطينية .

·        مواصلة الجيوش العربية القتال من أجل تحرير فلسطين .

·        قيام الحكومات العربية بتزويد الفلسطينيين بالسلاح .

·        عقد مؤتمر فلسطيني من أجل مبايعة الملك عبد الله بن الشريف حسين ملكاً على فلسطين .

وفعلاً عُقد المؤتمر في أريحا في 1/12/48 واتخذ القرارات الآتية :-

·        يشكر المؤتمر الدول العربية على ما بذلته من جهود وتضحيات .

·        القبول بالوحدة الفلسطينية الأردنية .

·        لا يمكن للدول العربية أن تقاوم الأخطاء الصهيونية إلا بالوحدة .

·        يُبايع المؤتمر الملك عبد الله ملكاً على فلسطين .

·        الإسراع في إرجاع اللاجئين إلى بلادهم .

وتوجه الملك عبد الله للقدس ، وفي يوم الجمعة 20/7/51 تم اغتياله في ساحة المسجد الأقصى المبارك ، أما الكيان الصهيوني فاستمر في استخدام العنف ضد الشعب الفلسطيني بهدف اجباره على ترك بيوته ، ومن أجل ذلك ارتكب الكثير من المجازر ومنها مجزرة كفر قاسم التي ارتكبت في 29/10/56 أي عشية العدوان الثلاثي على مصر وذهب ضحيتها 49 فلسطينيا من أهل القرية .

وبعد حرب 56 احتلت اسرائيل قطاع غزة لكنها انسحبت منه عام 57 بعد أن ارتكبت العديد من المجازر ، منها مذبحة خان يونس التي راح ضحيتها أكثر من 400 شهيد.

إن جماهير اللاجئين والقوى الحية في عموم المجتمع الفلسطيني –من تنظيمات ومؤسسات- ترسل في هذا اليوم رسالة إلى القيادة الفلسطينية ، مطالبة إياها بالثبات على الحقوق ورفض تقديم أي تنازلات تمس حقوقنا الشرعية الثابتة ، وفي مقدمتها حق  العودة ، كما وأن جماهير شعبنا توجه لقيادتها نداء بضرورة تفعيل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا في الداخل والشتات ، كما إننا نعلن من هذا المكان الدعوة لتوحيد الصف الفلسطيني من أجل التصدي للهجمة الصهيونية الشرسة على شعبنا البطل ، ونطالب الأمم المتحدة بتطبيق قرارها رقم 194 الداعي إلى حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم .

كما وإننا نعلن اليوم أننا لن نقبل بأي بديل عن العودة ، ونشدد على رفضنا كافة مخططات التوطين والتهجير والتعويض بديلا عن العودة ، وبدون ذلك لن يكون هناك أمن ولا سلام ولا استقرار ، لا لإسرائيل لوحدها بل ولكل العالم .

كونوا على يقين بأن مسيرة النضال من أجل العودة لن تتوقف بل وستزداد قوة وتتسارع ، ما دام شعبنا يعيش الظلم بعيداً عن أوطانه ، وستتوارث الأجيال جيلا بعد جيل هذه الأمانة وكل حكايا اللجوء والعذاب .

إن العودة إلى الأوطان ممكنة وقابلة للتحقيق وستظل المدن والمخيمات الفلسطينية قلاع للصمود ومواطن للثورات والانتفاضات ، ستبقى كما كانت طوال عشرات السنين ولن نهجرها إلا إلى داخل فلسطين حيث ديارنا وديار آبائنا.

كل التحية والإكبار إليكم أيها الحضور الكريم ، وكل التحية للمخلصين الأمناء على قضية شعبهم الذين يمدوا أياديهم للوحدة والنضال المشترك ضد العدو الإسرائيلي الغاشم ، الذين لا تنحرب بوصلته عن النضال الوطني ولا يغرقون في توافه الأمور فيشتتون الجهد ويربكون الجماهير .

فالوحدة الوحدة أيها الشعب ، ومزيداً من النضال والصمود ، مزيداً من اليقظة والانتباه

بارك الله فيكم ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،