المرجفون في المدينة,, صفات وأفعال
أسامة عبدالستار موسى الفرا
التفاصيل
المرجفون في المدينة,, صفات وأفعال
بقلم: بلال الفرا
24-6-2010م
لم يبرح أعداؤنا في اتخاذ أي قرارٍ من شأنه ضعضعة الصف الإسلامي القويم, فتارة بالحصار وأخرى بالحرب, ناهيك عن زرع العملاء وبث الفتن, لكن ذلك كله قد يهون إذا ما علمنا أن ذلك من شيمهم, فليست تلك بمصيبة بقدر ما نجد من أعوان اليهود من بث الفتن والأحقاد وزرع كل ما يمكن من أساليب التثبيط في صفنا الإسلامي, ولا أقصد هنا في أعوان اليهود من العملاء المجندون بطريقة أو أخرى ليستخدمهم الاحتلال أنّا شاء وكيفما شاء, لكني أقصد أولئك النفر الذين لا يوفرون جهداً إلا ويستنفذونه في بث الفتن والأحقاد والتثبيط بين المسلمين دونما علمٍ منهم أنه في ذلك يخدم الاحتلال بشكل مجاني, فهو بذلك يوفر عليهم عناء بث الفتن والخوف من القبض على العملاء, وهو أيضاً يساعدهم من دون مقابل مادي أو حتى معنوي, هو يخدمهم بالصورة التي يراها مناسبة وهم ينظرون إليه ويضحكون ويتهامسون "ما زال في غزة من يؤيدنا", فكيف يكون ذلك؟!
ذلك سؤال بسيط والإجابة عليه سهلة والتغيير في الأفعال صعبة, فما يقوم به هذا الشخص من بث الفتن وغيرها ما هي إلا أعمال قد اقتنع بفعلها بناء على مرجعيته والتي تنبثق من نفسه, فيفعل ما يفعل وقد عرض كل ما فعله على نفسه لترضى به - والنفس والهوى والشيطان هي من ألد أعدائنا وذلك شيء معروف- فنجد أن التغيير في فعل من يقوم بذلك هو من الصعوبة بمكان بناء على ذلك, لكني أستشهد ببعض الآيات علّ ذلك من شأنه أن يغير من صاحب قرار التثبيط وبث الفتن, فأبدأ من سورة الأحزاب التي تعرضت لذكر المنافقين والمرجفين في المدينة حيث قال فيهم: {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً }الأحزاب60, ولكن الآية لم تنزل على رسولنا الكريم r من فراغ فلو لم تؤثر تلك الفئات في وحدة الصف المسلم لما كان هذا التهديد من الله سبحانه تعالى, ولنعرض بعض الذي قاموا به: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً{18} أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً{19} الأحزاب, فالعمل الأول كما جاء في نص الآية إعاقة المسلمين وزعزعة الثقة في نفسهم وذلك هو التثبيط, ومن صفاتهم: أنهم لا يأتون القتال إلا قليلا والقليل هو من باب الخوف من جانب والرياء من جانب آخر, وهم أيضاً بخلاء على المسلمين في المال والنفس والجهد والمودة لما في نفوسهم من العداوة والحقد؛ حبًا في الحياة وكراهة للموت, فإذا حضر القتال خافوا الهلاك ورأيتهم ينظرون إليك, تدور أعينهم لذهاب عقولهم؛ خوفًا من القتل وفرارًا منه كدوران عين مَن حضره الموت, فإذا انتهت الحرب وذهب الرعب رموكم بألسنة حداد مؤذية, وتراهم عند قسمة الغنائم بخلاء وحسدة, أولئك لم يؤمنوا بقلوبهم, "التفسير الميسر"
ومن أفعالهم المشينة أيضاً ما ذكره الله في سورة الحشر: {أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ{11} لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُوا لَا يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ{12} الحشر, فهم في هذه الآية يعاهدون الكفار وأهل الكتاب على نصرتهم والقتال في صفهم, لكن هيهات أن يحدث ذلك فهم أجبن من أن يقاتلوا أو ينتصروا لهم حتى ولو فعلوا فسوف يفرون مهزومون مندحرون.
فإذا اكتفيت بذكر هذه الصفات العامة من القرآن الكريم فإني لم أكتفِ بذكر أمثلة مما يصنعه المخذلون عندنا في غزة والمثبطون ناشري الفتن بين الناس, فمن أشكال ذلك تلك الإشاعات الموجهة والمخطط لها والتي تنتشر بناء على خطة مدروسة, ومنها تلك الإشاعات العشوائية الغير مقصودة, والتي تنتشر بين العامة بشكل تلقائي لتصبح ظاهرة عامة تستشري بينهم, والشكل الأخطر هو ما يبث من كلام أصحاب القرار أو أصحاب المناصب, أولئك الأعلام الذين يؤخذ كلامهم نصاً فينتشر بهدف التضليل وإشباع غريزة الانتقام لفئة على حساب أخرى, غافلاً أنه بذلك يكون قد دخل في خط ترويج الإشاعات, ومنها ما يقوله المتحدثون والشخصيات الاعتبارية وأولو الشأن في مجتمعٍ ما ينجم عنه تصديق كل ما يقوله حتى ولو كان خطأً أو كلمة حقٍ يبتغى بها باطل.
تلك أشكال وغيرها الكثير, ولكن النبيه والفطن من يحلل ويناقش في آنه, لا من ينقل الحديث من دون وعي وإدراك, فهو بذلك يقع تحت صفة الكاذب للحديث الذي رواه مسلم: "كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع" فالواجب على المؤمن الحريص على ازدهار بلده وتحرير وطنه إذا رأى خطأً ما ألا ينشره للعامة, بل أن يتوجه به إلى أصحاب الرأي وصناع القرار فيقتنعون بوجهة نظره أو يُقنعونه برؤيتهم في هذا الأمر, أما أن ينشره ويشهّر به للعامة, فذلك إثم كبير, فما شأن العامة به؟ وهل سيصلحون ذلك الخطأ إن هم سمعوا به؟ كلا, بل إن ما سيفعلونه هو تناقل الخبر وإشاعته بين الناس, فتكون بذلك قد ارتكبت إثم إشاعة فتنة كنت قادراً على إخمادها منذ البداية, ومن جانب آخر اعلم أن صمتك عن الخطأ الذي تراه ما هو إلا ضياع المصلحة العامة "فالساكت عن الحق شيطان أخرس" كما جاء في الجواب الكافي لابن القيم, بل يجب على من يرى الخطأ أن يسرع به لإيصاله لمن يهمه الأمر من الأولياء والمسئولين, ذلك أدنى ألا ترتابوا.
وأخيرا فلن يدوم من همه تصيد الأخطاء والتفتيش عن العثرات ومعرفة العورات, إنما من صدقت نيته, وصلح عمله فأتبع الخطأ استغفاراً وإصلاحا, وألحق التوفيق حمداً وشكراً, ليرضى عنه الرحمن بذلك, ويعم الخير بسببه وأمثاله بإذنه تعالى,,,
{فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ }الرعد17