حديث الناس
أسامة عبدالستار موسى الفرا
التفاصيل
حديث الناس
في 21 مارس 2010م.
بقلم : الدكتور / عبدالشكور عبدالرحمن موسى الفرا
عيد الأم ( ست الحبايب ).
الأم كالشمعة تضيء لكل أفراد أسرتها وتذوب لأجلهم ، تمرض فلا تكسل ، تتألم فلا تشكو ومع ذلك لا تغيب ابتسامتها أمام أبنائها ، حتى وإن حان وقت الأخذ توارت لاهدف لها سوى سعادة أسرتها واستقرارها ، هي شمعة يغذيها زوجها وأبناؤها بالتقدير والحب فتظل مشتعلة تنير بيتها وتنشر الحب والأمل .
وعلى الأبناء أن لا ينسوا أنهم ينتمون إلى بيت وأسرة يستحقان منهم بعض الوقت والجهد ، فلا يتقوقعون على أنفسهم ولا يتعاملون مع الأب كممول ، ومع الأم كخادمة .
ومن المؤكد أن الدعوة للإحتفال بعيد الأم تمس وتراً حساساً في النفس ، ويأتي هذا اليوم مع أول أيام فصل الربيع وهو يوم تتفتح فيه الزهور لتزيده بهاءً وجمالاً ، وسنحتفظ بهذا اليوم في ذاكرتنا كل عام لأنه مناسبة جميلة ورائعة لتكريم أحب مخلوق إليك أمك التي حملتك في بطنها وذاقت ألوان العذاب عند ولادتك وسهرت وتعبت وعانت و ضحت كثيراً من أجل راحتك وسلامتك ، وبالطبع فإن تخصيص يوم للإحتفال بعيد الأم هو محاولة ولو بسيطة أن تعيد للأم اعتبارها وهو محاولة وشعور بالوفاء والاخلاص تجاه الأم التي حضت كل الأديان السماوية على إكرامها والتي فاضت في الحديث عن خصالها وفضائلها على أبنائها ، كما أنه مناسبة لتكريم الأمهات المثاليات اللواتي عشن قصص كفاح عظيمة من أجل أبنائن وأوطانهم ، وتخليداً لذكرى الأمهات اللواتي فارقن الحياة ، ومع ذلك لن نستطع أن نحصي فضل الأم على أبنائها سواء مادياً أو معنوياً بأي شكل من الأشكال .
ويمكن لنا أن نتساءل . عن شعور الأم في هذه المناسبة ، هل هي سعيدة أم حزينة ؟ فهي بلاشك تكون سعيدة عندما تشعر
بأن أبناءها بارون بها ، وحزينة عندما تشعر بأن أبناءها عاقون لها ! وشتان بين أن يكون الإنسان باراً بوالديه أو أن يكون عاقاً لهما !
ورغم أن الاحتفال بعيد الأم هو مناسبة جميلة ورائعة لتكريم أمهاتنا وأخواتنا في مجتمعنا الفلسطيني ، إلا أن هذا الاحتفال يظل منقوصاً ! فكيف تشعر الأم بالسعادة والفرح وقد أنهكتها الآلام والأحزان من كثرة البكاء والنداء والرجاء والدعاء .
فالأم تشعر بالحزن والضيق والقلق عندما لا ترى أبناءها حولها وتحزن أكثر عندما تحس بوجود أي نوع من الخلاف بينهم ، فما بالنا وقد طال فراق الأشقاء في مجتمعنا الفلسطيني ، فالأيام تمضي مسرعةً لتزيد مسافات الفراق والجفاء بين الأشقاء بمرور السنوات . أليس هذا هو حالنا في المجتمع الفلسطيني ، إن كنا نستعد للإحتفال بعيد الأم فهل نحن مستعدون للإحتفال بعيد الأم فلسطين ، أليس هذا من أبسط حقوقها !؟ إننا ننتظر من الأشقاء في الساحة الفلسطينية أن يبادروا في الاستعداد والتهيؤ للإحتفال بعيد الأم فلسطين وأن يتميز هذا الاحتفال في الشكل والمضمون عن سائر أنواع الاحتفالات ، فالاستعداد والتهيؤ يكون بإنهاء حالة الخصام والفراق بين الأشقاء وتحقيق المصالحة التي ينتظرها الشعب الفلسطيني كله في داخل الوطن وخارجه يعود به الأشقاء إلى حضن الأم فلسطين ، بينما يكون الاحتفال الكبير بتحقيق حلم إقامة دولة فلسطين التي تحتضن الجميع ، فهل يستمر الخصام والفراق بين الأشقاء ؟ وهم بذلك يكونوا عاقون للأم فلسطين ؟ أم أن تحكيم العقل والمنطق والواقع وتغليب المصلحة العامة على المصالح الفئوية الضيقة هو الطريق الذي سيسلكه الأشقاء وهم بذلك يكونوا بارون بالأم فلسطين ؟.
الحرية قائمة على العمل والممارسة .
لم تعد الحرية في الفكر الحديث حالة جاهزة يعيشها الإنسان بل هي الغاية التي يسعى إلى تحقيقها عن طريق العمل والممارسة ، فالحرية قائمة على الشعور بالقيد ثم العمل على تجاوزه ، والحرية لا تخلو من الشعور ولكن الشعور وحده لا يثبت الحرية ، كما أن العمل المقرون بالوعي والشعور ضروري لتحقيق الحرية ، وبقدر ما يمتلك الإنسان من العلم والمعرفة بقدر ما يكتشف القيود وبقدر ما يعمل على تجاوز هذه القيود بقدر ما يحقق حريته .
إن الحرية وحدها تجعل الناس مرئيين كما هم فهي نقيضة الأقنعة والتمثيل وتعدد الشخصيات ، إن المساحة التي يعبر الإنسان فيها عن نفسه هي مساحة محكومة بقانون عام . كما أن حياتنا العامة هي مسرح الأقنعة والتستر والإخفاء إنه مسح منخفض
الإضاءة إلى حد كبير والحرية وحدها يمكن أن تمثل الإضاءة التي تكشف أن الأقنعة متشابهة ، وهي تستطيع أن تزيح الأقنعة لنبدأ التعرف على بعضنا من خلال اختلافنا وتنوعنا وتعددنا لنكتشف أننا لا نشبه بعضنا ولكننا يمكن أن نحب بعضنا ونعيش مع بعضنا ، مع الحرية تتحدد الحدود وتتضح بجلاء الخطوط الفاصلة بين الأفراد ، ومع الحرية يعود الأفراد أفراداً بعد أن كانوا غائبين وسط خليط بدون ملامح .
وحتى على المستوى الفكري في المجتمع فإن لم تكن التيارات والتوجهات الفكرية تتمتع بأجواء من الحرية فإنها لن تُعبر عن حقيقتها وبالتالي ستبقى غير حقيقية ولن تستطع التيارات الفكرية التواصل مع بعضها تواصلاً حقيقياً بدون أن تشعر بأنها حرة وتستطيع أن تعبر عن نفسها بدون خوف ، ويمكن القول أن المجتمعات التي تنخفض فيها مستويات الحرية تكون بيئة مناسبة لكل الأمراض الاجتماعية والنفسية التي يأتي في مقدمتها اختفاء الناس وعدم قدرتهم على رؤية بعضهم البعض .
وفي نطاق الحرية السياسية فلكل إنسان الحق في اختيار النهج السياسي الذي يوافقة ، و تدخل حرية الصحافة وحرية النشر في هذا النطاق بحيث تكون منضبطة ولا تكون أداة تشهير وسب وقذف بحجة حرية الرأي .
إن الحرية سلاح ذو حدين ، فهي نافعة ولازمة إن سارت في طريق سليم ، وإذا إنحرفت فإنها تضر الإنسان ومن حوله .
القلم سلوى الصدور الحزينة .
القلم خير جليس لك وخير صديق فهو يكتب كل ما تنشده من كلام دون ملل وتجده في أي وقت في انتظارك يعبر عما تقول بصدق لا يفشي لك سراً يرسم لك الدنيا كما تراها عيناك ، بالقلم نحول صرخاتنا وآهاتنا إلى كلمات وكلما يعتصرنا الألم نعصر القلم لنصب جام غضبنا فيه ، على أن لا نسمح له بأن يخرج عن غضبه على الورق ، وللقلم القدرة على أن يكون مخدراً رائعاً للعقل عندما يكون معه تحول الألم إلى راحة ، كما لديه القابلية والسحر الكافي في الراحة والصراخ بلا صوت ، وبأصابعنا يمتص ما بين الأضلاع من ضيق وحسرة ويقذف بها خارج أجسادنا بلا رجعة .
لو كانت عقولنا وصدورنا خزانات من حديد لصدأت وأبدلناها بغيرها ، منذ أن تذوقنا الآلم وما أكثره ، منذ أن أحسسنا بلوعة الظلم ، منذ أن ذقنا ظلم الاحتلال وبطش المحتلين ، منذ أن تجرعنا سُم الظالمين ، كل منا يستطيع أن ينزف ما في جوفه من زفرات قد تصبح مجلدات من كتب الأدب الحزين .
إلى من التضحية ؟
لقد تخصصت حكومة العدو الصهيوني في وضع كافة العراقيل الممكنة لإجهاض أي عملية مفاوضات محتملة ، لأنها تهدف إلى إضاعة الوقت من خلال مفاوضات غير مباشرة لصرف أنظار العالم عن ممارساتها التعسفية تجاه شعبنا الفلسطيني من تهويد ومصادرة الأراضي وهدم المنازل والتوسع الاستيطاني والاعتداء على المقدسات الاسلامية .
لقد حان الوقت أن يبحث الأشقاء على الساحة الفلسطينية عن حلول وخيارات للتعامل مع سياسة حكومة إسرائيل ، وبداية هذه الحلول التوجه بقلوب مخلصة وعقول واعية لإنجاح المصالحة وتحقيق الوحدة الوطنية التي باتت مطلباً أساسياً لشعبنا الفلسطيني ، وأن يقدم كل طرف التضحيات المطلوبة والضرورية والتخلي عن الصورة الفئوية الضيقة وتغليب المصلحة العامة على المصالح الخاصة .
إن التضحية بحد ذاتها فيها من القيم والمباديء التي جعلتها من أسمى المعاني ، فكيف وإن كانت من أجل الوطن ؟ وربما تسعى أنت إلى التضحية ، وربما تجبرك الظروف عليها ..... ولكن لا فرق بين الإثنين ، فهي تضحية بكل المعاني .
إن عدم نجاح تحقيق المصالحة الوطنية ، لن يكن له نتائج سلبية على قضيتنا وقدسنا فحسب ولكن سيكون له نتائج خطيرة على نفوس المواطنين الذين ينتظرون الآن بأعين دامعة وكل منهم يحدث نفسه ، أفبعد كل هذه المعاناة والتضحيات نخلق صراعات فئوية ضيقة ؟!!
فالأمل مازال موجود ، ودعوة الحب في قلوب العاشقين ، عاشقين الوطنية والهوية . فاستمعوا لما يدور بخلد الناس وهلموا إلى المصالحة إنقاذاً لما تبقى !!
جميل أن يموت الإنسان في سبيل وطنه ، والأجمل أن يحيا لأجله .
وحديث الناس يستمر ...... ولا يتوقف ......
والله الموفق ،،،،