دموع الفراق والألم والندم
أسامة عبدالستار موسى الفرا
التفاصيل
بسم الله الرحمن الرحيم
06/12 /2009م
دموع الفراق والألم والندم
بقلم
الدكتور/عبدالشكور عبدالرحمن الفرا
هناك أحاسيس كثيرة يشعر بها الإنسان ، فالحب إحساس والكره إحساس، والفراق إحساس ، والألم إحساس والندم إحساس ، وكلها مشاعر يحسها ويتأثر بها الإنسان . ولكن ما أصعب إحساس الفراق ! هل شعرتم يوماً بلوعته ؟ ما أصعب أن تجد الفراق ينتظرك بل هو مصيرك يباعد بينك وبين الأهل والإخوة والأصدقاء والأحباء ، هذا هو حالنا اليوم ، حيث ساد وانتشر الفراق بين الإخوة في العائلة الواحدة ، وأصبح إحساس الكره هو المسيطر على علاقة الأشقاء والأصدقاء . إلى متى يستمر شعورنا بالفراق ؟ ومتي سينتهي الفراق ؟
بكيت على الفراق بحسرةٍ ...... فكيف إذا كان الفراق طويلاً
لاشيء يستحق أن تقضي ما تبقى من عمرك وحيداً تحصي وجوهاً أحبتك وأخرى أحببتها ، وتحرق سنوات عمرك بنار الفراق ، وتقطع جسدك بسكين آلامك ، ونتباكى فوق الأطلال ، ونحكي لأطفالنا حكاية شعبٍ مات بلا موت ويبكي بلا صوت .
أليس من الأفضل للأشقاء والإخوة والأصدقاء أن يمد كل واحد منهم يده لأخيه مصافحاً ونقضي على إحساس الفراق ؟!
ما أروع الأخوة وما أجملها حين يسودها التفاهم والصدق ، وتغلفها الصراحة والوضوح والاحترام ، فلماذا يكـون الهجر و الفراق هو طريقة العقاب ؟.
الألم
والندم هي مشاعر فطرية في حياتنا ، فكل
إنسان في هذه الحياة يألم ويندم ، وأن الألم
والندم يوحيان بالتعب والقلق ، ألمٌ يصاحبه
ندم ، وندمٌ يصاحبه ألم . فالحياة دربٌ طويل
كُتِب علينا وهو قدرنا علينا أن نمشيه بكل
تفاصيلة وكل ما فيه من أفراح وأحزان ، فلما
الحُزن ؟! ولما الألم والندم ؟! هل نحن أقوى
من الألم . أم أنه أقوى منا ؟.
عندما يتحدث الأطباء إلى مرضاهم عن الألم الذي يصيبهم يذكرونهم بأن ذلك الألم هو نعمة في حياتهم ، جعله الله سبحانه وتعالى ليكون الجرس المنذر بأن خللاً أصاب أجسامهم فيبادرون إلى علاجه والابتعاد عن مسبباته قبل أن يكبر وينتشر في باقي الجسم . لكن إذا كان الأطباء وهم يتحدثون عن الألم البدني يرون فيه نعمةً تنقذ الناس من تبعات الأذى والألم الذي يصيب أجسامهم ، فهل هم يرون مثل ذلك الرأي في الألم المعنوي الذي يصيب النفوس رغم بقاء الأجسام سليمة ؟.
وهل الألم النفسي الذي يصاب به بعض الناس يعد أيضاً جرس إنذار بوجود خلل ما في حياة الناس وعليهم بالمبادرة إلى علاجة ؟. إذا كان الألم البدني الذي يحدث بسبب علةٍ تصيب البدن لا يد للبشر في حدوثها ، فإن الألم النفسي ليس كذلك فهو غالباً يصيب الإنسان بيد الإنسان . ولكن هذا الألم النفسي سواء كان من الداخل أم من الخارج هو في كلتا الحالتين قد يكون حافزاً لتوليد الرغبة في تغيير الوضع المُحدث للألم والاجتهاد في التخلص منه لكي يشعر شعبنا الفلسطيني بالطمأنينة ؟ فالإنسان بطبعه ما لم يشعر بالألم من الإهانة أو فقد الحرية أو الضيق ، فإنه لن يغير شيء في حياتة ، وما لم يحمل العقل أو الضمير سوط التوبيخ ويبدأ في إيقاع الألم على الذات ، فإن الإنسان قد يطيل السير على نفس المنوال الذي هو عليه .
وهذا الألم والندم الذي يتولد في النفوس هو وحده الضوء الذي يجب أن يضيء لهم الطريق لتحقيق حياة كريمة .
وطالما الجرح ينزف فإن حال شعبنا الفلسطيني اليوم يردد ويقول : أريد ان أتكلم أن أفضفض وأخرج ما بداخلي ، أريد أن أتنفس أريد أن أعيش ، أريد أن أصبح طفلاً من جديد ، أريد أن أنسى نفسي وأعيد تكوين قلبي ، أريد أن أمحي ذاكرتي وأهرب من ذاتي فهمي اليوم كبيرٌ وشديد ، العين تعبت والدمع سكيب والحزن ملني والصبر أضعف من النحيب ، أريد أن أصرخ بأعلى صوتي تعبت الناس أريد يداً تطبطب على هذا الشعب الصامد ، أريد يداً مخلصةً لأن جرح قلبي كبير ، لكن الأمل يجب أن يبقي ولا يموت .
إن التفكير الايجابي وتحكيم العقل والمنطق وصفاء النفوس والقلوب هو الحل لمثل هذه العوارض التي أصابة مجتمعنا الفلسطيني والتي قد يزداد جموحها لدرجة أننا قد نفقد السيطرة على زمام الأمور . لا يجب أن نكون كالعليل الذي يقول : لا أتداوى حتى أجد الشفاء ، فيقال له : لا تجد الشفاء حتى تتداوى .
ولعل
أكبر خسارة يمكن أن نخسرها عندما نخسر صورة
أنفسنا التي نراها في عيون أصدقائنا وأحبائنا
، ما أصعب أن ترى السعادة أوهام وما أصعب
أن يتجمد الإحساس بالحزن والألم والندم
.
وفي حالات كثيرة يمكن للغضب أن ينتاب الأشقاء والأصدقاء والأحباء ...... فيغضبون ويثورون كالبركان ويفقدون القدرة على التفكير ..... وتتلاشى العقول خلف ضباب الغضب وتتكون بداخلهم رغبة لتكسير وتحطيم الأشياء من حولهم ... فلا يرون ولا يسمعون سوى صرخة الغضب في أعماقهم ويخسرون ..... ولكن الخسارة الحقيقية الكبيرة هي من نصيب شعبنا الفلسطيني الصامد لأنه فقد أشياءً كثيرة كان يعتز ويفتخر بها ..... ثم إستيقظ على بكاء الندم والألم .
لكن إحساسنا بالشوق والحنين إلى ............... إحساس ما ... وإلى حلم جميل .. وإلى أشياء تلاشت .... لكن ما زال طعمها عالقاً بأفواه قلوبنا .. ومازال عبيرها يملأ ذاكرتنا .. أشياء نتمنى أن تعود إلينا ... وأن نعود إليها .. في محاولة يائسة منا ... لإعادة الحياة والطمأنينة لشعبنا الفلسطيني في هذا الزمان ، لكن يبدو أن الزمان الذي نبحث عنه قد أدار لنا ظهره ورحل عنا كالحلم الهاديء . لأن ثمن الفرح والسعادة في هذا الزمان أصبح باهظاً إذا لم نحكم عقولنا ، وأبسط مما نتصور إذا تحاورنا حوار العقلاء بصوتٍ مرتفع شرط صفاء النفوس والقلوب والنوايا بعيداً عن الغضب ، عندها نرى السعادة والفرح في عيون شعبنا الفلسطيني الذي تعبت عيونهم من سكيب الدموع .
ولكن مهما طال الزمن لا حب يستمر ولا آهات تدوم ، وأن الثكلى لا عيد لها ، ولا عيد لمن قهر نفسه ، لا عيد إلا لمن جمع شمله . ويجب على شعبنا الصامد أن يتذكر دائماً . أنه لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس .
وما أروع اللحظات حين نختلي مع الله سبحانه وتعالى نرفع أكفنا بخشوع وتذلل نناجيه ونشكو إليه ضعفنا وقلة حيلتنا ...... نبوح له بكل أذى فينا ونرجوه أن يُفرغ علينا صبراً .... فهو ملجأنا وملاذنا وهو القادر على استجابة دعواتنا ...
تقبلوا تحياتي ...................