حياتنا بين العناد والمكابرة والطموح
أسامة عبدالستار موسى الفرا
التفاصيل
حياتنا بين العناد والمكابرة والطموح
17/12/2009م
بقلم
الدكتور / عبدالشكور عبدالرحمن الفرا
هل العناد حالة نفسية مؤقته تتغير حسب الموقف؟ هل العناد حالة مرضية مزمنة ؟ هل العناد موروث اجتماعي يختبئ في ظله المخطئ والمسيء؟ هل العناد وسيلة تخاطب يتغنى ويتلذذ بها الجهلاء ؟ هل العناد وسيلة للتعبير عن الرجولة وقوة الشخصية وإثبات الذات ؟ هل العناد ثبات وإصرار وبسالة لتحقيق هدف ما ؟ هل العناد جهل وتخلف ؟ هل العناد قناع للوصول لأهداف شخصية ؟
إن الموقف السياسي إن لم يكن مدروساً بشكل جيد ودقيق بما يتناسب مع المصلحة العامة ، فإنه يتحول إلى مشكلة كبرى قد تُحَول الجميع إلى خاسرين ، إن الديمقراطية السليمة الخالية من العُقد والأحقاد هي التي يؤمن أصحابها بالمصلحة العامة قبل المصلحة الخاصة وهي ديمقراطية الوعي الذي يرفض الصغائر ويرتقي بالمواقف إلى مرتبة الحكمة، وعدا ذلك يصبح الحال مثلما نراه اليوم في الساحة الفلسطينية من عناد أتمنى أن يكون في حب الوطن .
النتيجة أن العناد لايفضي إلى طريق ولايفتح أبواباً للخروج من مشكلة بل يزيد الأمور تعقيداً ، ولاشك في أن همنا نتج عن المكابرة .
إن صناعة الهموم سهلة ، والكثير من الناس يجيدها ويجيد صناعة أسبابها، ويذهب بعيداً عن التفكير بالنتائج ، ويترك مهمة تحمل المعاناة للمجتمع ، والحلول لمن يهمه الأمر . إنها معادلة غير متوازنة ، فالطرف الذي يصنع الهم ليس سوياً ، والذي يحمل الحمل مجبراً على حمله ويدفع ثمنه ، والدواء على أصحاب القيم النبيلة والإنسانية . الحلول هي الدواء ، وهي أيضاً صناعة ، وشتان بين من يصنع الهموم ومن يصنع الحلول .
هناك
هموم تنطلق كالوباء لتصيب الجميع ولا
يسلم منها إلا من كان جهازه المناعي ضد
الهموم قوياً، وبين من يصاب بالهم ومن لا
يصاب به درجات ومستويات عدة من شدة الإصابة،
وهذا يقودنا نحو مقارنة صُنّاع الهموم
بصُنّاع الفيروسات والأمراض التي تجتاح
العالم بين الحين والآخر. والهدف جني
الأرباح والمكاسب على حساب حياة الناس
وأوجاعهم ومعاناتهم
من الأمراض ، ناهيك عن أهداف غير واضحة للعيان ، وقد يصعب إدراكها أحياناً .
ويبقى السؤال
: لماذا يحدث هذا ؟ ولماذا
صار تحقيق الربح بلا أخلاق أو قيم كأصحابها
؟ ولماذا يحدث في عصر قيل عنه الكثير في
جانب حقوق الإنسان ؟
وصُنّاع الأمراض والعاهات هم صناع
هموم بلا شك ، وثمة من يصنع هماً لوطن وهناك
من يصنع هماً لعالم
.
لقد أصبحت
الساحة الفلسطينية مناخاً مناسباً لصُناع
الهموم من خلال الإبداع في خلق
المشكلات وتأزيم الحياة
، ومن خلال سياسات ومواقف لا يأتي منها سوى الهم
، يبحثون عن مكاسب وأرباح على حساب
معاناة الناس ، وأوجاع الهموم لا
تقل عن أوجاع الأمراض والأوبئة وإن اختلفت
الآهات قليلاً وألم الهم يفوق كل الآلام
.
كما أن سياسة العناد التي تستبد أحاسيس الناس ومشاعرهم هي صناعة دخيلة تجري عمليات تعبئتها وتغليفها وتسويقها داخل المجتمع الفلسطيني . هذا هو الحاصل تماماً ، والهموم التي تُسوق على الشعب تأخذ مسميات متعددة ............ ، وعلى هذا المنوال نُصبح كل يوم على همٍ جديد له إعلانات ترويجية للتعريف به بوصفه دواءً ناجعاً لكل المشكلات التي نراها والتي لم نرها ، وهي مشكلات يجري نبشها من القبور أو تفيق من سُباتها .
كيف يمكن
أن يكون فراق الأشقاء
حلاً لمشكلة
، وكيف تكون المطالبة بحقوق شعبنا
، كيف يمكن لصانع المشكلات أن يكون صانعاً
للحلول ، صناعة المشكلات لها أرباح والحلول ضد
الأرباح فكيف يستقيم الحال إذاً
؟
حلول كلها
تبعث الهم وتزيد المشكلات استعصاءً
، وتشغل الناس وتزيد من
همومهم .
نحن نعلم أن السياسة هي فن إدارة الممكن وإن ما لا يدرك كله لا يترك كله . ولكن البعض تتباين لديهم درجة فهم الواقع بسبب العناد والمكابرة ، كما أن هناك بعضاً من القادة في هذا العالم وصلوا إلى سدة الحكم في فترات هامة في تاريخ شعوبهم وكانت بلادهم بحاجة إلى إيجاد عملية تنمية مفيدة لهذه الشعوب ولكنهم أغرقوها في ويلات وهموم كبيرة بسبب عدم قدرتهم على فهم الواقع المحيط بهم وقادوا شعوبهم إلى الجحيم .
إن أزمة الثقة
السائدة في مجتمعنا الفلسطيني أوضحت عدم
مقدرتنا على استيعاب الدروس من الأزمات
وحسابها بشكل دقيق قبل الاقدام عليها
، ولكن يبدو أن السنوات الماضية لم تكن
كافية لإستيعاب الدرس المطلوب
!
إن
الأمل في تحقيق طموحنا
يرافقنا منذ الصغر في هذه الحياة
، وطموحاتنا عديدة تتداخل فيما بينها ،
ويرتفع مستوى طموحاتنا وينخفض حسب مكيال
الهمّة والعزيمة .
هناك من يحرّكه طموحه ، وهناك من يحرّكه طموح غيره، وآخر لا تحرّك فيه الطموحات ساكناً، وقد تجد من ليس لديه أي طموح يظلّ على هذه الحالة ، من الأفضل أن يكون هناك تناسب ما بين قدرتنا وبين ما نطمح إليه ، وأن يكون الطموح على قدر ما يتوفر لنا من إمكانيات ، حتى لا نُضيع الوقت والجهد في طموح الطريق إليه صعبٌ و طويل ، إن لم يكن مستحيل ، وهذه ليست دعوة للانكسار والهزيمة ، بل هي نظرة عقلانية للطموح .
إن طموحات شعبنا الفلسطيني هي طموحات مشروعة ومستحقة في جميع نواحي الحياة ، وهي طموحات معنوية ومادية يجب أن يسعى الجميع إلى تحقيقها لكي تصبح واقع ملموس .
إن تحقيق الطموح قد ينسينا الجراح حيث الحياة ماضية بلا توقف والقلب يحمل ويتحمل ، والعين كما تنظر تذرف الدموع ، والماضي يبقى بسلة الذكرى حتى وإن حاولنا تجاهله ، والجراح تختلف بالدرجات والمسميات .
ويجب علينا أن نتذكر دائماً لذة وطعم النجاح بعد الصعاب ، ونفتح باب الأمل وإن كان بريقة يوماً من الأيام قد غاب ، والحذر كل الحذر من اليأس فإنه محبط للعزيمة .
أعتقد أن أنبل ألوان الطموح (إن كان للطموح ألوان) هو ذلك الذي تتعدى أهدافه الفرد لتصل إلى المجتمع ، إذ تتجسد من خلاله أروع صور نكران الذات ، وفي مقابل هذا النوع من أنواع الطموح هناك طموح الفرد الذي تجسده الأنا الذاتية ، لكن يبدو أن الطموح الذاتي هو سمة هذا العصر .
لا نريد للطموح أن يكون كالوهم ، حيث المسافات شاسعة وفارقة بين الوهم والحقيقة ، وقد يقتنع البعض بحقيقة ومن ثم يكتشفون أنها وهم ، وقد يقتنع البعض بوهم ما ومن ثم يكتشفون أنه حقيقة واقعة . يجب علينا أن نفرق بين الوهم والحقيقة
، وأن يكون لدينا الشجاعة للإعتراف عندما نتيقن من حقيقة الوهم ووهم الحقيقة .
أليس من حق كل إنسان على وجه الأرض أن يطمح ويحلم كون الطموح والحلم ليست حكراً على أحد وهي حق مباح للجميع .
هكذا وصل بنا الحال وتحولت أحلامنا إلى أوهام وأصبحت طموحاتنا مستحيلة ، وأصبحنا تائهين كسراب في صحراء شاسعة إذا سعينا إليه لنمسكة بأيدينا لا نجده لنظل هكذا ساعين وراءه طالبين ومستسلمين .
ولكن
طموحاتنا المطلوبة أن تُرَكِز كُل الأطراف
جُهودها من أجل إزالة التعقيدات
و المصاعب التي تَحولُ دون بلوغ الحوار
لأهدافة المنشودة ، وطالما أن ثمار النجاح ستنعكس على الجميع فإن إنتكاسته سوف تلقي بشرها على كافة الأطراف فضلاً عما سيترتب عليه من تأثيرات بالغة الضرر على الوطن والمجتمع بالنظر إلى علاقة الإرتباط بين الانفراج السياسي واستقرار المجتمع .
إن منطق العقل يفرض على كل أطراف الحوار التحلي بإرادة صادقة ومخلصة تقود إلى الطريق السليم بعيداً عن أي تعرجات وأساليب التفافية فلا شروط بين الإخوة ، فالعناد والمكابرة ليس لها إلا نتيجةً واحدة هي الفشل للجميع ، فلكل طرف رأيه والوطن بحاجة إلى الجميع وإن اختلفت الثقافات ، ولا إنتماء إلا للوطن .
وعندما يكون منطق الحوار هو الحرص على مصلحة الوطن يصبح هذا الحوار مرفأ الأمان الذي يلجأ إليه الجميع لنفض أي غبار من على جدران الوطن ومَرّسى لسفينة أحلامنا ............
والله ولي التوفيق .،،،