...

أرقام على قائمة الإتهام


أسامة عبدالستار موسى الفرا 


التفاصيل

أرقام على قائمة الإتهام  
أحمد الفـرا

30/03/2009  

 
 
لم أتعمد اختيار العنوان ولكنه أتى تلقائيا ً بعد إصدار محكمة الجنايات الدولية مذكرة اعتقال الرئيس السوداني عمر حسن البشير بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في دارفور . 
إن هذا القرار يستفز مشاعر كل مواطن عربي شريف وإنه لا يخص الرئيس البشير وحده بل إنه موجه لكل القادة العرب ولا أستثني أحدا ً سواء فيما يسمى بمعسكر الإعتدال أو معسكر التطرف. وهذا السيناريو يذكرنا بقيام السلطات الأمريكية بتوزيع صور المطلوبين في العراق على أوراق اللعب (الشدة) وإعطائها أرقاما كان للرئيس العراقي الراحل صدام حسين فيها رقم 1. ويذكرنا أيضا ً بالطريقة المسرحية التي اعتقل فيها، وقرار أن تكون محاكمته متلفزة بكل وسائل الإذلال، ومن ثم تعمد تسريب المهزلة المروعة لإعدامه إلى أجهزة الإعلام . 


لا جدال بأن هذه الرسائل الأمريكية غير المباشرة إلى الرؤساء والقادة العرب تحمل بين ثناياها ترويعا ً سافرا وتهديدا ً مبطنا ً لمن تـُسوّل له نفسه الإنعتاق من الربق الأمريكي فسيكون هو القادم على قائمة الاتهام ويعطى رقما ً على ورقة لعب باتت جاهزة في ملفات الموساد والمخابرات الإمريكية المركزية. هذا الأسلوب كان معتمدا ً لدى الإدارة الإمريكية السابقة بكل أركانها، بدءا ً من الرئيس السابق جورج دبليو بوش وأركان بطشه ديك تشيني ودونالد هنري رامسفيلد وبول ولفويتز وآخرين .  


أما الآن وقد جاء رئيس التغيير باراك حسين أوباما الذي تفاءل البعض بإسمه الأوسط ' حسين ' ولذات الإسم تشاءم البعض الآخر واتهمه باتهامات عديدة. وإني أراه اليوم قد اتخذ موقفا ً مشابها لموقفه إزاء مجزرة غزة إثر العدوان الإسرائيلي الأخير، اللهم إلا بعض التصريحات المطاطة والتي لا تتناسب إطلاقا ًمع هول الحدث. فها هو يلجأ لأسلوب مراوغ بخصوص قضية الرئيس السوداني بدعوى أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست من الدول الموقعة على معاهدة روما لتأسيس محكمة الجنايات الدولية في لاهاي التي تختص بجرائم الحرب . والحقيقة هي أن السبب الرئيسي في ذلك هو خشية أن تتم محاكمة بعض الجنود والمسؤولين الأمريكيين في العراق واتهامهم بارتكاب جرائم حرب. ومن الجدير بالذكر أن السودان أيضا َ لم يوقع أو يصادق على تلك المعاهدة.

 ورغم ذلك فقد تم إصدار مذكرة الإعتقال ضد الرئيس السوداني تحت مسميات وبنود سميت قانونية. فلماذا لا تنطبق هذه المسميات والبنود على من ارتكبوا الجرائم البشعة في غزة؟ غزة التي ما زالت تصرخ في وجه الحقيقة : هذا هو قاتلي، هذا هو إيهود أولمرت، وهذا هو إيهود باراك، وهذا هو يوفال ديسكين (رئيس الشين بيت ومهندس الحرب والموصي بضرب المدارس والمستشفيات ) وهذا هو جابي اشكنازي منفذ الجرائم.. والقائمة تطول...وتطال رؤوسا عدة . 


ولماذا لا يحاكم بنفس الحيثيات من ارتكب ولم يزل أفظع الجرائم في العراق؟ والعالم بأسره شاهد والأدلة مرسومة على جباه ما تبقى حيا ً من الأطفال والقرائن ثابتة بين صرخات اليتامى وعويل الأرامل. أما أن تنبري المحكمة الدولية 'الموقرة ' لإعتقال رئيس عربي ما زال على سدة الحكم والأنكى من ذلك أن تطلب من الدول العربية الأخرى التعاون في تنفيذ الحكم وتسليم الرئيس البشير إلى ما يسمونه العدالة.! الا إنها العدالة ذات المكيالين والمفصّلة على مقاسهم كي توافق النهم الوحشي الساكن في قلوبهم المريضة . فلما تشدق الأرجنتيني مدعي عام المحكمة، لويس مورينو أوكامبو بمنطوق مذكرة التوقيف وأشار إلى عدد الشهود والأدلة التي تدين الرئيس السوداني ودوره غير المباشر في ارتكاب الجرائم في دارفور قد تناسى أن العالم بأسره ما زال شاهدا ًعلى ما يجري في فلسطين والعراق وأفغانستان والأدلة بيـّنة فيما تهدم من البيوت على رؤوس أصحابها وبين أكوام جثث الضحايا وفي قلب تجريف الأراضي وعلى أغصان الأشجار المقلوعة وفي شرر لهيب حرق الأخضر واليابس بالفسفور الأبيض، والفاعل يتبجح ويتوعد بالمزيد يا سيد أوكامبو. إنها فعلا ً سياسة المكيالين والعدالة العمياء ! 


ماذا بقي لنا ياعرب؟ الإدارة الأمريكية الحالية لا تـُحيي أمواتا ً ولا تـُوقظ نياما، رحم الله يا سر عرفات وصدام حسين وكل من استشهدوا في سبيل الحق وعافا الله البشير وأنتم جميعا معه . 
إن ساعتكم الآن، ووقتكم حان، إن لم تستيقظوا فظلامكم سيدوم. إن من تظنون بأنهم حلفاء معسكر الإعتدال فإن لهم مصالحهم وحساباتهم وإن الوضع العالمي الراهن وخاصة الإقتصاد الأمريكي المتدهور قد لا يتكرر . فلماذا لا يتم استغلال بعض من قدراتنا ومقدراتنا، لاسيما وأنه لا توجد مؤشرات إيجابية توحي بتحسن الأوضاع الإقتصادية العالمية قريبا ً وأن الإقتصاد الأمريكي يحتاج لعدة أعوام كي يتعافى من أزمته الحالية.

لماذا التسرع وضخ مليارات الدولارات في رأسمال سيتي بنك الأمريكي الذي انخفض فيه سعر السهم من حوالي 55 دولارا إلى دولار واحد تقريبا ً ويواجه حاليا مع مؤسسات وبنوك أمريكية أخرى خطر الإفلاس؟ هذا غيض من فيض فقط، فتعالوّا ننظر إلى اللوبي الصهيوني الذي ينشط في استغلال هذه الظروف ويحكم الضغط على إدارة الرئيس أوباما إلى أن وصل نفوذهم إلى لجنة التعيينات في البيت الأبيض وفي تشكيل الحكومة الأمريكية. فلماذا لا يتم دعم لوبي عربي مواز؟ لاسيما أنه لا ينقصنا لا المال ولا رجال الفكر ولا خبراء السياسة. أنا لا أدعو إلى حرب ولكن إلى تنسيق بسيط بين المواقف العربية وباقي دول العالم التي عانت من الإدارة الأمريكية السابقة سياسيا ً واقتصاديا ً وعسكريا ً ويحاول الرئيس أوباما جاهدا ً إعادة كسب ثقة تلك الدول . 


ولماذا -على سبيل المثال وليس الحصر- لا يتم التنسيق مع دول مثل فنزويلا وتركيا والبرازيل وغيرها..؟ ولماذا لايتم التفاهم مع إيران..؟ ولمصلحة من تجرى محاولات تجاذب سورية، إما الإبتعاد عن إيران وإما العزل.؟ أهو فعلا ً الخطر الإيراني أم تعليمات غيلان الإدارة الأمريكية السابقة؟ وماذا فعلت قطر حتى تـُصب عليها حمم الغضب.؟ وهل فعلا ً خرج الأمير عن الإجماع العربي..! أم أنها العصبيات القبلية بين أمويين وعباسيين؟  


ولماذا لا نفكر في التخلي عن الدولار الإمريكي وإعتماد أي عملة أخرى كما نادى بذلك رئيس وزراء ماليزيا السابق الدكتور محاضير محمد ودعا إلى إعتماد الدينار الذهبي كأساس للتعامل؟  
ولكن يبدو أننا ملتذون بخلافاتنا وهم يتلذذون علينا ويشعلون بيننا النار تلو النار، فتارة حرب داحس والغبراء بين فتح وحماس وتارة العصبيات القبلية بين أمويين وعباسيين وكأن إبليس قد فرّخ أباليسه فينا، إذ نقدم هدايا مجانية إلى عدونا المتربص بنا ونحكم شعوبنا بالحديد والنار وسياسة كافة الممنوعات، ونهج التربع على العرش حتى الممات، وموضة التوريث، وثقافة القضاء على آفاق الأجيال القادمة .  
هذه السياسات يا عرب لا تحرر وطنا..! بل ينطبق عليها قول بدوي مأثور : ' صحيح لا تكسري ومكسور لا توكلي وكلي تا تشبعي '.  

 
' سفير دولة فلسطين السابق لدى ماليزيا