إخلعوهما إذا فشل الحوار
أسامة عبدالستار موسى الفرا
التفاصيل
إخلعوهما إذا فشل الحوار
بقلم: أحمد
الفرا
هكذا قال صديقي الإيراني الذي عرفته في
بدايات الثورة الإيرانية حيث كنت في باكستان وكان هو منسق عمل الثورة
الإيرانية في شبه القارة الهندية بجنوب آسيا والتي تضم
الهند، باكستان، بنغلادش، نيبال، سيريلانكا
وجزر المالديف. وكان مقيما في باكستان متنكراً في زيّ باكستانيّ والحق يقال
أنه كان شعلة في الذكاء والعمل، لا يعرف الملل ولا
يستسلم للفشل. وكنت أنا حلقة الوصل لهم مع
أمير الشهداء الأخ أبو جهاد رحمه الله . وبعد نجاح الثورة الإيرانية في
القضاء على نظام الشاه ونشوب الحرب الإيرانية ـ
العراقية، تقلد صديقي مناصب هامة عديدة في
حكومة الإمام الخميني والحكومات المتعاقبة، وحضر على رأس وفد إيراني في
زيارة رسمية إلى ماليزيا عام 1982 والتقيت به
في لقاء غير رسمي وتجاذبنا أطراف الحديث
كأصدقاء قدامى وبادرته سائلا:
متى سيتم وقف الحرب الإيرانية ـ العراقية ؟ فأجاب: إنها لن تقف قبل تلبية شرط الإمام المتعلق بالإطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين لأنه أصدر فتوى بهذا الخصوص لا
يمكن حتى مجرد مناقشتها باعتبار فتواه نافذة ولا يملك أحد غيره تعديلها أو
تبديلها وهذا لم يحدث من قبل.
فقلت: دعني أفترض جدلا ً بأن الرئيس صدام حسبن تنحى، فهل تقف الحرب؟ فقال: نعم.
فقلت: وإذا أعيد انتخابه من قبل الشعب العراقي، فهل تتجدد الحرب؟
فضحك وقال: إن الإمام وحده صاحب الشأن في ذلك.
فقلت له: هل أنت مقتنع بما تقول؟ فرد عليّ ممتعضا: اسمع يا أحمد أنا الآن ابن الحكومة ولا أملك أن أكون الشخص الذي تعرفه في باكستان، أرجوك دعنا نتحدث عن ماليزيا
.
أدركت وقتها مأساته وقدرت الظروف المحيطة وأستطيع أن أستنتج بأنه كان شخصيا ً ضد الحرب.
أدركت وقتها مأساته وقدرت الظروف المحيطة وأستطيع أن أستنتج بأنه كان شخصيا ً ضد الحرب.
وشاءت الظروف والأقدار أن التقيه حديثا ً في طهران وهو يشغل منصبا ً هاما ً وحساسا ً ودعاني على الغداء في منزله وتحدثنا عن الأيام التي قضيناها سويا ً في باكستان
ووجدته كما عهدته قبل ثلاثين عاما ً متأجج الذكاء والحيوية حاضر البديهة
ولم تفارقه روح الفكاهه التي طالما ميزته حتى في أحلك الظروف، فذكرني
بالجميلات اللواتي كن
يؤدين له بعض المهام السرية في باكستان وكيف كان يواجه غضب الملا مهدي وآية
الله علي شفاعتي (
أسماء مستعارة) وذلك بسبب علاقته بهؤلاء
الجميلات، فقلت له
اعترف الآن كم كن منهن شرعيا ت وكم منهن
غير شرعيات؟ فقهقهه عاليا وقال: رغم شقاوتك فإنك لا زلت لا تعرف بأنه في
إيران توجد سبل لشرعنة كل أنواع الزواج.
وبكلمة موجزة فإن الجو العام الذي ساد لقاءنا شجعني على طرح بعض القضايا الأساسية فبادرته قائلا: هل تعلم بأن حركة حماس اعتقلت العديد من المسؤولين في حركة فتح
ومن بينهم ابن عم لي هو الدكتور أسامة الفرا، محافظ خانيونس؟ فقال علمت
بالإعتقالات والإعتقالات المضادة ولفت نظري تشابه اسم الفرا مع اسمكم ولكني
لم أعرف بأن
هناك صلة قرابة بينكما.
فقلت: ما هو موقفكم؟
قال: نحن لا نتدخل في الشؤون الداخلية سواءا لحركة حماس أو غيرها.
فقلت: هل تذكر عندما سألتك عن جدوى استمرار الحرب الإيرانية- العراقية وكان جوابك غير مقنع لكلينا؟
فضحك بخبث وقال: وقتها كان الإمام.
فقلت: والآن؟
قال: توفي الأمام رحمه الله.
وهنا أدركت مدى تحفظه في الحوار، فأستأذنت مغادرا ولم أتناول معه طعام الغداء وأسقطته من حساباتي كصديق قدمت له ولإنصاره ما لم يخطر على بال، حتى تجاوزت
الخطوط الحمراء ووقتها قال لي القائد الراحل أبو جهاد: 'تمهل يا أحمد ولا
تجعل روح الشباب الثائر تؤثر على علاقاتنا مع الدول الصديقة وتذكر دائما ً
بأنك مقاتل في حلة
دبلوماسي'. وتركت مضيفي غاضبا ً ولكن بأدب الدبلوماسي واستأذنته وانصرفت،
ولم أشعر بأنه اندهش لتصرفي رغم محاولته استيقافي.
وفي المساء دق جرس الهاتف في غرفتي وإذ بصوت نسائي يطلب مني الانتظار للتحدث إليه وبعد برهة من الانتظار شعرت بأنها طويلة وكنت على وشك إعادة سماعة الهاتف
إلى مكانها، وإذ به يقول لي بدعابة: أنت تظن بأنك ما زلت السفير وأنا ذلك
المتنكر المسكين في باكستان، لا يا أستاذ فرا، الدنيا تغيرت وبإمكاني أن
أعتقلك الآن على تصرفك
معي.
فقلت له: أعلم ذلك، وما هو المطلوب مني الآن لتحاشي الاعتقال؟
قال: أن تقبل أن نحوّل الغداء الذي لم تتناوله في بيتي إلى عشاء.
فقلت: بشرط واحد لا ثانيَّ له.
قال: موافق
قلت: هل عرفت الشرط ؟
قال: نعم، أما أن أكون صديقك الذي عرفته عام 1977؟
قلت: تماماً ويعجبني فيك حصافتك.
وذهبت الى منزله مرة أخرى وبادرني بالقول: ستنتهي مشكلة الإعتقالات التي أزعجتك وسيفرج عن ابن عمك قبل العيد باذن الله.
وكان بعض الشباب المسؤولين عن إدارة موقع الفرا قد اتصلوا بي وزففت لهم الخبر دون مزيد من التفاصيل لحين التأكد مما سيحدث، ولم تمض أكثر من ثمان وأربعين
ســـاعة حتى أفرج عن الدكتور أسامة الفرا ومعظم المعتقلين الآخرين. وهنا لا
أستطيع الجزم بأن ما حدث هو تضافر جهود مشتركة أم أنه قرار منفرد، الأيام
ستجيب على هذا
السؤال.
وسألني عن السلطة الفلسطينية وعلاقتي بالأخ أبو مازن وعن جدوى الحوارفي القاهرة بين فتح وحماس. فاجتهدت بقدر ما لديّ من معلومات وأشدت بالجهود الخيّرة
والمواقف المخلصة في كلا الحركتين، وذكرت له الموقف المشرف للأخ عزام
الأحمد في 'إعلان صنعاء' وما واجهه من سيل من الاتهامات سواء من أعضاء في
حماس أو من
فتح. ومن الجدير بالذكر بأن الأخ عزام فند تلك الإتهامات في مقال نشر
بجريدة 'الشرق الأوسط' في عددها: الخميس 18 ربيع الثاني 1429 ه 24 نيسان
(ابريل)2008
العدد 10740. وسألني إذا ما كنت على علاقة شخصية مع عزام الأحمد. فقلت له:
إن هذا صحيح ولكني لم أتصل به ولم يتصل بي بعد أن قدمت استقالتي كسفير منذ
أكثر من
عامين، ولكن الذي يمزقني ألما ً هو أنني أرى الحلم الذي ضحينا من أجله يموت
أمام أعيننا بين شروط بعض المتنفذين في حركتنا فتح وممارسات فئة متسلطة لا
علاقة لها
بالنضال في حركة حماس.
فقال: وماذا تنتظرون من حوار القاهرة؟
قلت: دعنا ننتظر ما يسفر عنه الحوار ولا أريد أن أستبق الأحداث ولعل الجميع يثوب إلى رشده وننقذ ما يمكن إنقاذه.
قال: وإن فشل الحوار وعدتم إلى المربع الأول ..!
قلت: لا يوجد لديَّ حل ولكن لكل حادث حديث .
قال: أنا لديَّ حل.
فقلت ملهوفا: أرجوك، هلم أسرع ولا تنتظر.
وهنا سألني: هل تعرف ما دار بين أبو موسى الأشعري الصحابيّ الجليل ممثل جبهة الأمام علي كرم الله وجهه وعمرو بن العاص ممثل جانب معاوية بن أبي سفيان رضي الله
عنهم جميعا؟
فقلت: لديّ إلمام يتلخص في أنه عندما وصل الخلاف بين الأمام علي ومعاوية إلى طريق مسدود وراح ضحيته آلاف القتلى من كلا الفريقين اتفقا على التحكيم.
قال: ليس كذلك فقط بل اتفق أبو موسى الأشعري مع عمرو بن العاص على خلعهما ورد الأمر إلى المسلمين لكي يختاروا بطريق الشورى خليفة لهم، رغم أن الأمام علي كان
قد بويع بالخلافة بيعة صحيحة.
وتفحصت ملامح الرجل ولم أتردد في سؤاله: لعلك تقصد خلع فتح وحماس واختيار حكومة مستقلة بعيدة عن التيارات الحزبية؟ وهل هذا تحول في موقف إيران؟
فرد عليَّ قائلا: أنت اشترطت عليَّ أن أكون صديقك الذي تعرفه في باكستان، وبهذه الصفة أجبت.
وبعدها غادرت منزله شاكرا ً له حسن ضيافته واتفقنا على مواصلة الحوار وخاصة بعد الإفراج عن المعتقلين من كلا الطرفين، وفي اليوم التالي استقللت الطائرة عائدا ً إلى
كولالمبور ولم أشعر بطول الرحلة التي تستغرق سبع ساعات ونصف حيث كنت منهمكا
ً فيما قاله صديقي وما يمكن أن يتمخض عنه الموقف الإيراني، وإلى أيّ منحى
ستتجه
الأوضاع إذا فشل حوار القاهرة، وهل تفيدنا حكمة سيد الفوارس أبو موسى
الأشعري أم أننا نحتاج دهاء عمرو بن العاص الذي خلع عليا ً وثبت صاحبه
معاوية وليكن
الطوفان. أم لا هذا ولا ذاك، بل نحن في حاجة ماسة إلى وقفة جادة مع ضمائرنا
إجلالا ًلدماء شهدائنا ووفاء لأسرانا.
وبسردي هذا آمل ألا أكون قد أغضبت صديقي الإيراني.
' سفير دولة فلسطين السابق لدى ماليزيا
كبيرمستشاري معهد الدراسات الإستراتجية والدولية بماليزيا