مفتاح الكعبة
أسامة عبدالستار موسى الفرا
التفاصيل
بسم الله
الرحمن الرحيم ..,,
مفتاح الكعبة
بقلم ..د. أسامه الفرا...
خلال الحديث مع ابني حول استعداده لامتحانات نهاية العام
الدراسي، وضرورة أن يأخذ بعين الإعتبار الإنقطاع المتكرر للتيار الكهربائي ولساعات
طويلة، وبالتالي يجب عليه أن يستغل يومياً ما تبقى من النهار لمراجعة الحجم الكبير
من المنهاج الذي تنوء به حقيبته المدرسية، وقبل أن أسترسل في النصائح الذي اعتاد
عليها، فاجأني بسؤال : ماذا يوجد داخل الكعبة المشرفة؟ وعلى اعتبار أن السؤال خارج
المنهاج الدراسي تصورت أنه جاء به ليقطع مسلسل نصائحي (المملة)، وقبل أن يمنحني
فرصة للإجابة، تابع يقول كيف يمكن لهم أن يدخلوا إليها إن أرادوا ذلك؟ هل يملكون
مفتاحاً آخر؟ وهل باستطاعتهم أن يكسروا الباب؟ أصابتني الأسئلة بحالة من الذهول،
فعن أي مفتاح يتحدث؟ وأي باب ذلك الذي لا مناص من كسره؟ ومن أين جاء بهذه الأسئلة
وهو لم يتجاوز بعد الصف الخامس الابتدائي، وأمام حالة الذهول التي رسمت ملامحها على
وجهي، سارع بالقول بأن أخته التي تكبره قليلاً قالت له بأن (السعودية باعت مفتاح
الكعبة المشرفة إلى اميركا)، حاولت أن أخفي ملامح الغضب التي انتابتني وأن أقف على
حقيقة مصدر المعلومة، فكانت المفاجأة (الطامة) حين أكدت ابنتي بثقة (مطلقة) حول صحة
ذلك، وأن مدرسة (الدين) هي من قالت لهم ذلك، وأنها حددت لهم مبلغ (البيع) بخمسة عشر
مليون دولار، ومن البديهي أن تحديد المبلغ يضفي شيئاً من (مصداقية) الحديث، وينقله
من الجانب الفلسفي إلى الناحية المادية المجردة، وعندما بدأت بدحض هذا الافتراء
فوجئت بأن الأسرة أمضت قبل ذلك ساعات طويلة في محاولة منها لثني (الطفلة) عن ذلك
وعدم صحة الحديث (جملة وتفصيلاً) دون جدوى، حيث كانت الطفلة تكرر بأن مدرسة (الدين)
هي من قالت لهم، ومن الطبيعي أن مدرسة الدين التي تعلم الطلاب بما (قال الله وقال
الرسول) لا يمكن أن تكذب وعلى اعتبار أن طلبتنا لم يتمكنوا من رؤية الخدمات التي
تقدمها المملكة العربية السعودية للمسلمين من أصقاع الأرض والتسهيلات التي توفرها
لهم لأداء المناسك الإسلامية، فإن التشويه والإساءة لا يتوقف عند حدود الدولة بل
يصل بمداه إلى العقيدة التي ننتمي إليها....
********
المدرسة هي البيئة الرئيسية التي تصقل شخصية الإنسان، وتنبت فيه مقومات التربية
السليمة، ومن البديهي أن الطالب في مراحل التعليم الأساسية يحتل موقع المستقبل
(بكسر الباء) للمعلومة، ويتعامل معها باعتبارها وجبة (طازجة) عليه هضمها كما هي،
ولا يساوره الشك ولو للحظة واحدة حول مدى صحتها وأهميتها، وغالباً لا يمتلك القدرة
على التحليل والتمحيص فيما يستقبله من معلومات، ويعتبر أن نجاحه يكمن في قدرته على
نحت المعلومة في ذاكرته دون تغيير أو تعديل، ومن نافلة القول أن تسميم ذاكرة
الأطفال بمثل هذه (الخزعبلات) يحدث الكثير من الهزات قد تصل بتأثيراتها إلى القيم
والمبادئ ، التي عادة ما تشكل الأساس لبناء الإنسان السليم ، وتنعكس بصورة أو بأخرى
على بنية المجتمع بما يمتلكه من معتقدات وقيم وموروثات ، ومن البديهي أن المواطن
يعتبر ابناءه في أيد أمينة طالما هم داخل حرم المدرسة، خاصة وان معتقداتنا الدينية
وثقافتنا العربية نظمت العلاقة بشكل رائع بين الطالب والمعلم (من علمني حرفاً كنت
له عبداً)، وأمام هذه المكانة التي يجب أن يتمتع بها المعلم وكي نحافظ عليها
ونكرسها ثقافة وسلوكاً، يجب ألا نسمح لكائن من كان أن يشوه هذه الصورة الجميلة
للمعلم، وفي اعتقادي أن هذا يقع على عاتق وزارة التربية والتعليم، ومن واجبها أن
تتابع وتراقب المسيرة التعليمية من (الالف إلى الياء)، وأن تلفظ كل شائبة يمكن أن
تعلق بالجسم التعليمي حفاظاً على مستقبل الوطن والشعب.....
**********
بقي أن نقول بأن الفصائل الفلسطينية تجمع (لفظاً) على ضرورة إبعاد المسيرة
التعليمية عن أي مناكفات حزبية أو سياسية، إلا أن الواقع يشير إلى غير ذلك،
فالمدرسة أصبحت ساحة للتجاذب الفصائلي، وداخل أروقتها تبث الأفكار التي تمزق الوطن
، ويعرف فيها الجميع (طلبة ومدرسون) طبقاً لانتماءاتهم الحزبية والفصائلية، وبين
ثنايا هذا التعريف تزدحم قصص وروايات الطلبة حول السلوك الذي أصاب (كبد) المسيرة
التعليمية، وإن كانت الدول المتقدمة تمنع أي شكل من أشكال التعبير عن الإنتماء
الحزبي للعاملين في مؤسساتها الأمنية، فالأولى بنا نحن أن نمنع ذلك في المؤسسة
التعليمية، لما له من آثار تدميرية على المجتمع بمكوناته المختلفة، ومن الخطأ بل
الخطيئة أن ندفع بأطفالنا إلى أتون الصراع الحزبي، لأن الوطن هو من سيسدد فاتورة
هذه (الحماقة) من حاضره ومستقبله.....
...............