أورشليم ألقدس .. هل هي يهودية حقاُ*
أسامة عبدالستار موسى الفرا
التفاصيل
أورشليم ألقدس .. هل هي يهودية حقاُ*..؟؟!!
بقلم د. عبد الله الفرا استاذ جامعي وخبيريونسكو سابق
في يوم 31من يوليو تموز عام 1980 اقر الكنيست (البرلمان الصهيوني) ورغم قرارات الامم المتحدة قرارا يقضي بجعل مدينة القدس و بشقيها الشرقي والغربي عاصمة موحدة للدولة الصهيونية , ومنذ ذلك الحين فهي لا تألو جهدا في تهويد هذه المدينة وطرد سكانها العرب منها لتصبح يهودية خالصة,فبالاضافة الى حفر شبكة من الانفاق تحت المسجد الاقصى بحجة البحث عن هيكل سليمان المزعوم. وفضلا عن هدم منازل الفلسطينيين وطردهم منها وعدم الترخيص لاي فلسطيني باقامة او اصلاح أي بناء فيها . هاهي حاليا تمنع المقدسيين وغيرهم من الفلسطنيين من الاحتفال بجعل القدس عاصمة الثقافة العربية وكذلك فقد قامت بتقيد حرية المسيحيين ايضا من الاحتفال بعيد فصحهم المجيد. هذه مجرد امثلة محدودة للعديد من الممارسات الصهيونية الظالمة بحق المقدسيين.
إن دولة الاحتلال الصهيوني تحاول جاهدة وبكل الوسائل الايهام و الادعاء بأن مدينة القدس ومنذ القدم هي مدينة يهودية صرفة . فهل هذا الادعاء صحيح ام انه ادعاء باطل و تزوير وقح للتاريخ؟؟ ..تعالوا تقرأ التاريخ*..
أورشليم ألقدس .. المنشأ والتسمية:
تقول كتب التاريخ ان عمر هذه المدينة يرجع الى ما قبل خمسة الاف سنة أي بنيت في حدود عام 3000 قبل الميلاد.حينما قام مليك صادق احد ملوك اليبوسيين وهم احدى بطون قبائل كنعان العربية ببناء هذه المدينة. ولما كان هذا الملك العربي ملكا تقيا مسالما فقد لقب بملك السلام. ونسبت المدينة اليه او لاسم اله السلام الكنعاني سالم او شالم (لعل ذلك على طريقة نطق بعض بلدان العرب لاسم يحتوى على حرف السين فهم مثلا يقولون مرشيدس بدلا من مرسيدس وشٌكر بدلا من سكر !!) ومن ثم سميت اور سالم او اور سليم أي اور شاليم حيث ان كلمة اور تعني موضع او مدينة او حتى ميراث. وفي اثناء حكم الكنعانيون للمدينة تم شق اول نفق مائي لتأمين وصول الماء الها من نبع حيجون بوادي قدرون والذي يعرف اليوم بعين سلوان.وقد اكدت كلا من التوراه والانجيل هذا الكلام اذ جاء في سفر التكوين 14:18-20 وفي رسالة العبرانيين في الانجيل 1:7,20:56 بأن هذا الملك اليبوسي كان حاكما عربيا وكان صديقا لابراهيم عليه السلام.
في كتب اخرى ذكر ان اول اسم اطلق على القدس هو يبوس وهو ايضا يشير الى نفس ماسبق من ان المدينة هي عربية خالصة المنشأ والتسمية ولم تكن تسكن من قبل اليهود البته ونستشهد في هذا بالتوراة مرة اخرى فقد ذكر في اصحاح 10,19 "وفيما هم (يقصد اليهود) عند يبوس اورشليم وكان النهار قد انحدر جدا قال الغلام لسيده نميل الى مدينة اليبوسيين (يقصد أورشليم) ونبيت فيها .قال له سيده لا نميل الى مدينة غريبة حيث لا احد من ابناء اسرائيل هنا"
اما لماذا سميت المدينة إيلياء فقد نسبته بعض الكتب الى إيلياء بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام. في حين تقول كتب اخرى ان اسم ايلياء جاء بناء على امر من الامبراطور الروماني هدريان إبان حكم الرومان لها بعد ان كانت تسمى مدينة داود ابان حكم اليهود لها, حيث تم طرد اليهود منها كما سيذكر بعد قليل.
وأخيرا تم تسمية المدينة باسم ألقدس او بيت المقدس وهي بالطبع تسميات عربية فالأول اخذ من أسماء الله الحسنى اما الأخر فيعنى بيت الله.
وتأكيدا لعربية اسم اورشليم يقول الدكتور احمد سوسته أن تسمية اورشليم هي تسمية عربية وليست يهودية فلقد استخدم ها الاسم في شعر للأعشى قيس ويدعم هذا القول ما كتبه الدكتور حسن ظاظا من ان اسم اورشليم ليس اسما عبريا اصيلا فقد كانت المدينة تحمل هذا الاسم قبل احتلال العبرانيون او العبريون) يطلق هذا الاسم على اليهود لأنهم عبروا النهر) لها بشهادة نص وجد في تل العمارنة .ومما يؤكد هذا القول ان اليهود وجدوا صعوبة في كتابة اورشليم بالعبرية فكتبوها يروشالايم . ومن ثم فقد كانت مدينة عربية مقدسة وبكل المقاييس.
الوقائع والتاريخ :
اما متى حكم اليهود هذه المدينة فقد تم ذلك في حدود عام 977 قبل الميلاد حيث استطاع داود السيطرة على المدينة واسماها مدينة داود وشيد فيها قصرا وعدة حصون ودام حكمه 40 عاما ليخلفه ابنه سليمان عليه السلام والذي حكمها 33 عاما وحتى خلال هذه الفترة فقد كان اليبوسيون يسكنون هذه المدينة ولم يستطع العبريون طردهم منها. وأثناء حكم سليمان وبوصية من والده داود تم بناء بيت سليمان و بيت الرب الذي وضع فيه التابوت والألواح المقدسة ومن ثم أطلق عليه الهيكل والذي تم تدميره ثلاث مرات. . اما ما يطلق عليه اليهود بحائط المبكى فهو ما بقي من السور الغربي للهيكل المهدم. وهو نفسه الذي يطلق عليه المسلمون حائط البراق. .ويقول عالم الآثار اليهودي فينكشتاين رئيس قسم الآثار بجامعة تل أبيب انه لا يوجد أي سند علمي لما يسمى بحائط المبكى وبمعنى عدم وجود هيكل أصلا. بعد موت سليمان انقسمت ألدوله اليهودية في عهد ابنه رحبعام حينما احتل الملك البابلي نبوخذ نصر الثاني مدينة اورشليم بعد ان هزم أخر ملوك اليهود صدقيا بن يوشيا عام 586ق.م واسر جميع اليهود بمن فيهم الملك نفسه ونقلهم الى بابل ولم يعود الى المدينة ألا جزء منهم وأثناء حكم الملك الفارسي قورش الأول في حدود عام 533 ق.م
وبمعنى أخر لم يحكم اليهود هذه المدينة وطيلة حياتها إلا فترة قصيرة . اذ جاء اليونانيون والمقدونيون والبطالمة واستولوا على اورشليم القدس وبقوا فيها حتى عام 198ق.م حيما أصبحت تابعة للسلوقيين تلى ذلك استيلاء القائد الروماني يومبيجي للمدينة وفي اثناء الحكم الروماني قام اليهود ومرتين على فترتين متفرقتين بأعمال شغب وعنف أدت الى حرق وتدمير المدينة ,وبما فيها من هيكل ومن ثم فقد قام الامبراطور الروماني هدريان بطرد اليهود من المدينة بينما ابقى المسيحيون فيها وأشترط إلا يسكنها أي يهودي وغير اسمها الى إيلياء كم سبق ذكره . وفي هذه الفترة والتي استمرت حوالي 700 عام (تخللها عودة الفرس لاحتلال المدينة لفترة قصيرة جدا )تم بناء كنيسة القيامة في عام 326للميلاد. وفي خلال هذه الفترة ايضا تم الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى ثم صعد الى السموات العلى وكان ذلك في حدود عام 621 ميلادية والسنة العاشرة من الهجرة .
وحينما فتح المسلمون القدس إيلياء في عام 636م بقيادة القائد العربي أبي عبيدة عامر بن الجراح جاء الخليفة عمر بن الخطاب شخصيا ليستلمها من البطريرك صفرونيوس وليعطي المسيحيين العهدة العمرية ويشترط عدم سكن اليهود بها.وأثناء العصر الإسلامي الأول لحكم القدس والذي استمر من العام 626 الى 1072 للميلاد حين استولى عليها الصليبيون, أي حوالي أربعة قرون ونصف وهي فترة أطول جدا من فترة حكم اليهود للمدينة . هذا فضلا عن فترة العصر الإسلامي الثاني(1099- 1187) والتي استعاد العرب المسلمين بقيادة صلاح الدين حكم المدينة بعد ان انتصر على الصليبين في معركة حطين الشهيرة عام 1187م ومن ثم ازال الصليب من قبة الصخرة . ولكن وبعد موت هذا القائد استعاد الصليبيون المدينة في عهد الملك فردريك ملك صقلية حيث حكموها مدة 11 عاما فقط بعد ذلك تم استردادها نهائيا بواسطة الملك الصالح نجم الدين أيوب عام 1244م. وفي اثناء هذه الفترة الاسلامية الطويلة قام عبد الملك بن مروان وفي عام 72 للهجرة ببناء مسجد قبة الصخرة على البقعة التي يدعي اليهود ان الهيكل مقام عليها.وهكذا ومنذ العام 1244 ظلت مدينة القدس مدينة عربية إسلامية وحتى استيلاء اليهود عليها بالكامل في حزيران عام 1967 حينما احتلت اسرائيل ما كان يسمى بالضفة الغربية للأردن وقطاع غزة وصحراء سيناء المصرية والمرتفعات السورية .
وألان وبعد استعراض الوقائع التاريخية الموثقة يحق لنا ان نجزم وبما لا يدع مجالا للشك أن اورشليم القدس هي مدينة عربية اسلاميةالنشأة والاسم والتاريخ . أننا وباختصار شديد نستطيع ان نقول ان هذه المدينة ظلت عربية إسلامية طيلة فترة حياتها والتي زادت عن خمسة الاف سنة وإن تخللها فترات قصيرة جدا استولى فيها اليهود او حتى المسيحيون( بما فيها فترة الانتداب البريطاني لفلسطين من عام 1917 وحتى عام 1948) وحتى إعلان قيام الدولة الصهيونية المزعومة في منتصف شهر مايو أيار 1948.
وألان وبعد كل هذا.. هل يجرأ صهاينة اليهود ان يدعوا بأن اورشليم هي مدينتهم ؟؟ الإجابة تكمن في مثل عربي يقول:إذا لم تستح فافعل ما شئت!!
* رغم أنني قد حاولت وبأقصى ما استطعت ان أوفق بين المصادر المختلفة التي اعتمدت عليها إلا أنني لا أدعي أنني نجحت جدا في هذا المسعى بالنظر الى تضارب الأحداث من كتاب لأخر بالإضافة لعدم اتساع المكان لذكر تفصيلات أكثر مما ارغمنى على اختصارها او حتى إهمالها دون المساس بالخط العام للسياق.
المراجع :
1- مصطفى الدباغ بلادنا فلسطين الموسوعة الفلسطينية المجلد الثالث
2- جوجل موقع منظمة التحرير الفلسطينية على الانترنت
3-جوجل موقع حماةالاقصى تاريخ القدس منذ الفتح وحتى الغزو الفرنجي
4-ويكبيديا الموسوعة الحرة
5- عبد الوهاب المسيري موسوعة اليهود واليهودية الجزء الرابع
6- عارف العارف المفصل في تاريخ القدس المؤسسة العربية للدراسات والنشر 2005
* تم نشر هذا المقال في مجلة "العمران" والتى تصدر في كندا -العدد الخامس عشر مايو2009