قصة دبلوماسي الحلقة الأولى

 

نحن أمام قصة دبلوماسي صعد عرش الدبلوماسية الفلسطينية منذ مولدها ، واقترن اسمه بفلسطين ودول شرق آسيا لمدة ثلاثين عاما .. بالرغم من النجاحات التي حققها و علاقاته التي نسجها مع ملوك ورؤساء جنوب شرق آسيا وشهرته الواسعة هناك .. إلا إنه وبشخصيته الوقورة المتواضعة أبى إلا أن يبقى في الظل دونما شهرة أو حبٍ للنجومية ..

 

إنه السفير/ أحمد محمد سليمان الفرا .. سفير دولة فلسطين السابق في ماليزيا.

 

نظمت إدارة موقع عائلة الفرا لقاءا الكترونياً معه سنعرضه على حلقات تتابعونها على صفحات موقع الفرا ، حيث سنعرض فيها أحداثاً شيقةً وهامة حول حياته الدبلوماسية الحافلة .

 

الحلقة الأولى

 

سعادة السفير .. نحن تواقون لأن تحدثنا عن سيرة حياتك ، ونشأتك ومكان ميلادك؟

 

إن من أصعب الأمور أن يتحدث المرء عن ذاته ، لأنه إما أن يكون ضعيفا ً في حق نفسه وإما يظلمها  أو يبالغ في الزهو والتباهي ، وقلّْما ينصف الإنسان ذاته . حتى سيدنا عمر ابن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه أعجبته نفسه ذات مرة لكنه أذلها حتى لا تتوه منه البوصلة . وأنا سأحاول في هذه العجالة أن ألقي  الضوء على بعض الأحداث بتجرد كاملٍ وحيادية وذلك كما تعودنا في أبحاثنا في معهد الدراسات ، والله ولي التوفيق.

 

ألإسم : أحمد محمد سليمان الفرا، تاريخ الميلاد: 10 يناير 1946 ، ومكان الميلاد:  خان يونس .

 

ما هي مراحل دراستك ، والمدارس التي درست فيها؟ وكيف انطلقت من الوطن للغربة؟

 

درست المرحلة الابتدائية  في مدرسة الشهيد أحمد عبد العزيز والإعدادية في مدرسة الشهيد عبد القادر الحسيني ، والمرحلة الثانوية في مدرسة الشهيد عز الدين القسام وجميعهم  بمدينة خان يونس.

 

 نشأت في أسرة متوسطة الحال، وكان والدي رحمه الله يكد ويكدح في مجال الزراعة حتى سن متأخرة، وكان يُعتبر من مثقفي عصره، وخاصة في الأمور الدينية. وكان يزرع فينا خصال حميدة تتمثل في الأمانة والإخلاص في العمل وحب الوطن. وقال لي ذات مرة رحمه الله:

 

"أسأل الله أن يكتب لي الشهادة من أجل فلسطين".

 

غادرت مدينتنا الحبيبة خان يونس إلى الإسكندرية عام 1965 من أجل الدراسة والتحقت بجامعة الإسكندرية كلية التجارة ، حل بنا عدوان 1967 وانتُخبت فيما بعد رئيساً لاتحاد عام طلبة فلسطين فرع الإسكندرية  ، وتدرجت في المراتب التنظيمية إلى أن أصبحت أمين سر تنظيم حركة التحرير الوطني الفلسطيني - فتح، ونتيجة لعدوان 1967 والأعداد الفلسطينية الكبيرة المتواجدة في الاسكندرية ، كنا محط أنظار المخابرات والمباحث العامة المصرية، وكان لنا معهم صولات وجولات مساوئها أكثر من محاسنها، ولكني أكملت دراستي وشاء القدر أن التقيت بوالدي ووالدتي في جدة حيث كانوا ذاهبين لأداء فريضة الحج عام 1977، وكنت وقتها ممثلاً لمنظمة التحرير الفلسطينية في كراتشي– باكستان ، وكأي أسرة تلتقي بعد فراق طويل، تبدأ في تجاذب أطراف الحديث والذي ينتهي بمتى سنفرح عليك يا ولدي؟                             

 

وكم راق هذا السؤال للوالدة رحمها الله والتي كانت تُصر على معرفة الجواب.

 

أذكر وقتها بأنني انفردت بوالدي وذكَّرته بأمنيته بالاستشهاد من أجل فلسطين، وقلت له إنني سأسير على خطاك فلا تحرمني مما تمنيته لنفسك .  لاحظت وقتها حالة الوجوم التي ألمّْت به ، لكن ما كان منه إلا أن استدار نحو الوالدة وخاطبها بلهجة حاسمة :

 

 - لا تسألي أحمد بعد هذه اللحظة عن يوم فرحنا به، وكُفي عن الثرثرة، أنا اتفقت مع أحمد وقضي الأمر

 

وظنت أمي المسكينة أننا اتفقنا على يوم الزواج، وعندما ودعتهم حتى سلم الطائرة المغادرة من جدة، وكان معي الأخ الحبيب الحاج محمد ابن الشيخ عطية الفرا، الذي استضافنا مشكورا ً في منزله. وكانت آخر كلمة قالتها لي الوالدة :

 

"يمَّا قول لي وقت ايش ... ؟"

 

فما كان من الوالد إلا أن رمقها بنظرة حادة تحمل في مضمونها تحذيرا ً بعدم تكرار السؤال  ، صمتت بعدها المسكينة  ولم تُكمل سؤالها، واستدار نحوي معانقا ً والدموع تنهمر على وجنتيه وقال :

 

- إني يا ولدي أودعتك لله الذي لا تضيع أبداً ودائعه

 

فتمالكت نفسي حتى لا أنهار أمامهم، وكم كانت كلماته حزينة ومؤثرة وكان وقعها علىَّ شديدا ً ، وما أن تحركت الطائرة ولوحت إليهم مودعا ً حتى انهمرت دموعي بصمت قاس ٍ ، فأخذ الحبيب الحاج محمد يواسيني واحتضنني كطفلٍ فقد والديه، ومشينا سوياً حتى سيارته، وتركني بداخلها والحقيقة أنني كنت أنتحب.

 

وانطلقنا إلى منزله، وما أن تمالكت نفسي ودعوت الله لوالديَّ بسلامة الوصول، ما رأيت إلا والحاج محمد يأخذ جانبا ً من الطريق وينكفئ فوق مقود السيارة ويبكي بحرقة. وهنا كان دوري أن أواسيه، فرفع رأسه والدموع تبلل لحيته وقال:

 

- أحمد إن كنت تحب والديك، حقق لهما أمنيتهما، حتى يرضوا ويرضى الله عليك.

 

تظاهرت بأنني قد وافقته ولكنني في الحقيقة لم أكن أعلم ما كان يخبئ لي القدر، وعدت في ذات اليوم إلى مقر عملي في كراتشي، وكان وقتها رئيس وزراء باكستان السيد ذو الفقار علي بوتو. وكانت تربطنا به علاقات وثيقة وحميمة ، وكان يقدم لنا دعماً عسكرياً مميزاً، وكانت تربطه علاقة وطيدة ومميزة مع الشهيد الراحل أبو عمار. 

 

 في 5 يوليو عام 1977 قام الجنرال محمد ضياء الحق الذي كان مقربا ًمن السيد بوتو بانقلاب عسكري عليه رغم أن  السيد بوتو كان قد وثق به ورفع رتبته العسكرية وعينه قائدا ً للجيش بعد أن أرسل ثلاثة جنرالات كسفراء كانوا أقدم منه حتى يُهيئ له الأقدمية في قيادة الجيش، إلا أن ضياء الحق وضع بوتو في زنزانة انفرادية في السجن المركزي ، قد تمكنْت في حينها من زيارته ونقلت رسالة خطية منه إلى الأخ أبو عمار ولكن للأسف قد تم إعدام السيد ذو الفقار على بوتو بتاريخ 4 إبريل 1979 وهذه قضية يطول فيها الحديث، وكتبت في هذا الموضوع عدة مقالات وكان آخرها مقال تعرضت فيه لاغتيال ابنته بينظير بوتو، والتي استمرت علاقة التواصل معها ومع جميع أفراد العائلة .نشر المقال في جريدة القدس العربي بتاريخ 15 يناير 2008.

 

وهنا أود باختصار أن أذكر حادثة لها معناها ومغزاها. حيث أوفد الأخ أبو عمار كل من الإخوة هاني الحسن مسؤول الأمن والعميد طارق أبو إياد قائد القوة الجوية 14 رحمهما الله ، والتقينا السيد بوتو في مكتبه، وكانت باكستان تدرب لنا سراً العديد من العسكريين في القطاعات البحرية والجوية والمشاة والمدرعات، وتحت علم إحدى الدول العربية. ومن الجدير بالذكر بأن باكستان كانت عضو في حلف الناتو، وكانت الثورة الفلسطينية في ذلك الوقت متهمة بالإرهاب. وقال لنا بوتو التالي:

 

- قد زارني وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر وقال لي: " إنك ذاهب بسرعة كبيرة، سنرسل لك قطارا ً أسرع منك ."

 

ونقلنا ذلك للأخ أبو عمار، وقال رحمه الله معلقاً:

 

- هيدبرو له حاجة عشان عايزين يخلصوا منه.

 

ولذلك اخترت عنوان مقالي الأخير: "بنظير بوتو وقطار الموت" وكان المقال حول ملابسات اغتيالها ،وأشيع وقتها بأنها اغتيلت بالسيارة المفخخة التي انفجرت أثناء المهرجان ، ولكن تبيَّن فيما بعد أن رجلا بنظارات سوداء قنصها بمسدس أثناء وقوفها بالسيارة المكشوفة لتحيي الجماهير بعد الانفجار مباشرة لتطمئنهم على سلامتها ،ولكن الرصاصة الغادرة انطلقت لتصيبها في العنق ، وظهر الرجل في مقطع فيديو بثته شبكة CNN وهو يصوب مسدسه نحوها .

 

هذا، وتم لاحقا ً أيضاً اغتيال أولاده مرتضى وشاهنواز ، مرتضى في هجوم غادر بالرشاشات على سيارته ،أما شاه نواز لم تعرف ملابسات اغتياله حتى يومنا هذا وقيل أنه اغتيل في منزله .

 

وبعد مأساة بوتو، لم أستطع التعامل مع قاتله الجنرال محمد ضياء الحق، وحرصاً على مصلحة العمل، طلبت من الأخ أبو عمار أن يسمح لي بمغادرة باكستان. وبعد مداولات عدة، استقر الرأي أن أذهب إلى أفغانستان، وكان ذلك عام 1979.

 

وذهب إلى أفغانستان .. ماذا حدث معه هناك؟ .. وكيف إنتقل ل ماليزيا؟ ..

 

هذا ما سنعرفه ومزيداً من التفاصيل في الحلقة القادمة إن شاء الله

 

 

عدد الزوار 62942، أضيف بواسطة/ حمادة فؤاد الفرا