تقرير: طبيب الأطفال د. أحمد الفرا يتحدث لـ دنيا الوطن حول القطع المعدنية في الشيبس
غزة - دنيا الوطن
علاقة الأطفال برقائق البطاطا المعروفة تجارياً بـ "الشيبس"، علاقة وطيدة، يبدو في الوهلة الأولى أنه من المستحيل التدخل بها، فشعور التلذذ بالنكهات المُختلفة، والشغف بسماع صوت "القرمشة"، وسهولة ابتلاعه وتناوله، يجعل التعلق به سهلاً جداً.
ورغم النظرة البراقة للأطفال إلى "الشيبس"، إلا أنه ينطبق عليه المثل القائل:"ليس كل ما يلمع ذهباً"، فعدا عن الأخطار الصحية الشائعة له، إلا أن المُواطن الفلسطيني محمود البابا، وجد مُصيبةً أكبر.
سم في العسل
غادر البابا مقر عمله مُتلهفاً للقاء ابنته، حاملاً معه أكثر ما يُفرح قلبها، العديد من أكياس "الشيبس" والشوكولاتات، والحلويات، ومن حسن حظ طفلته، أن والدتها كانت مُتواجدة أثناء تناولها أحد المُنتجات المحلية.
تنبهت والدة الطفلة إلى وجود مادة غريبة في يد ابنتها، ففتشت كيس "الشيبس" لتتفاجأ بوجود أكثر من قطعة، اعتقدت أنهم قطع صغيرة من الحجارة، فأسرعت بها إلى زوجها ليجد أنها قطعاً معدنية، وليست حجارة.
يقول البابا لـ"دنيا الوطن": "احتفظت بالقطع، ولم أدرِ ماهو التصرف الصحيح في هذه الحالة، فهاتفت أحد أصدقائي الإعلاميين، والذي بدوره قام بنشر الصور عبر مواقع التواصل الاجتماعي".
ليست الوحيدة
وأضاف البابا: "لو وقعت هذه القطع في يد الأطفال، لحدثت مصيبة، لأنها قطع حديد، ليست نايلون، وليست حجارة، بل معدن".
وأكد البابا- الذي لا يزال يحتفظ بالقطع المعدنية لتُذكره كم أن ابنته محظوظة- أن هذه الحادثة أثارت صدمته: "إذا كان هذا صنع بلادنا، فكيف سأثق بأي منتج وطني لاحقاً؟".
وبعدما انتشرت صورة الحادثة التي حدثت مع المُواطن البابا، قامت إحدى الإعلاميات بتأكيد الأمر، وروت عبر مواقع التواصل ما حدث معها: "لا داعي لوجود الشيبس من الأساس، ابنة شقيقي غادرت مستشفى الأطفال بالأمس، وكان معها 5 أطفال هناك كلهم بسبب الشيبس".
سيطرة صعبة
تواصلت "دنيا الوطن" مع صاحبة التعليق السيدة شيرين أحمد؛ لتؤكد القصة قائلة: "عانت ابنة شقيقي من التهابات شديدة، وحين ذهبنا بها إلى المستشفى، أخبرنا الطبيب المُشرف، أنه بسبب الشيبس، وتم علاجها بعد مكوثها يوم تحت الرعاية".
وأضافت: "المشكلة ليست هنا، بل إن هذه الأشياء هي المُتوفرة للأطفال، مهما حاولنا أن نُسيطر، فلن نستطيع، فسيخرج الطفل دون علمنا إلى البقالة، ويشتري ما يريده، وهذه طبيعة الأطفال، يحبون أن يبتاعوا بمصروفهم ما يريدونه هم".
وتعتقد شيرين أنه إذا لم تُوجد هذه الأشياء في البقالة، فلن يكون هناك إقبال عليه، وقالت: "الشيبس بكل أنواعه سواء أكانت إنتاجاً محلياً أو مُستورداً، فهو مُضر بطبيعته، وأتمنى أن يتم منع بيعه تماماً".
قد يموت!
كانت الطفلة محظوظة، لكن ماذا لو لم تنتبه لها والدتها، وقامت بابتلاع القطع المعدنية؟
يقول الطبيب المُختص بالأطفال، أحمد الفرا: "لو دخلت القطعة إلى الجهاز التنفسي للطفل، فستُسبب له حالة اختناق، ولو استطاعت المرور عبر الجهاز التنفسي، ستدخل إلى الرئتين، وتؤدي إلى نوبة سُعال شديدة، لوجود جسم غريب فيها، ما سيتطلب عمل عملية منظار لإزالتها".
وأضاف الطبيب الفرا: "نفس القطعة قد تصل إلى المعدة أو الأمعاء، ما يؤدي إلى انسدادها وفتح البطن جراحياً لإزالتها، إذا لم تنجح عملية المنظار".
وأكد الطبيب الفرا، أن نوع المعدن أيضاً له تأثير كبير فيما لو تم بلعه: "إذا كانت من معدن الرصاص، فهو سام، وقد يؤدي إلى مشاكل وضعف مُزمن في نسبة الدم، وقد تؤثر على الكلى أيضاً، وإذا كان معدن الحديد، فهو يؤدي إلى اضطراب في المعدة، وإذا كان المعدن من النحاس، قد يتأكسد في المعدة، وينتج أوكسيد النحاس، وهي مادة سامة قد تودي بحياة الطفل".
لا رقابة
وأضاف الفرا: "تبقى هذه القطع أجساماً غريبة، ويجب أن تخرج من الجسد، ومتابعة خروجها، ولو كان المعدن له أطراف حادة، قد يُسبب جروح في الجهاز الهضمي، ما سيُسبب مضاعفات صحية خطيرة قد تؤثر على حياة الطفل".
ووجود قطعة معدنية في "الشيبس"، ليس كدس السم في العسل، بل سم مدسوس في سم آخر، وهذا ما يؤكدة الفرا: "90% من الشيبس الموجود في الأسواق، مُضاف عليه مُنكهات صناعية، وهي التي تعطي شعور القرمشة حين تناولها، هذه المواد مُصنفة بأرقام معينة، وهي في العالم كله مُراقبة وتخضع لمعايير، حيث يتم مُراقبة الكمية التي يتم إضافتها إلى الشيبس".
وأضاف الفرا: "للأسف في فلسطين، والمنطقة العربية غالباً، لا يتم مراقبة كمية المواد الحافظة المُضافة إلى كيس الشيبس، والتراكيز العالية لهذه المواد، يُسبب السرطان".
وكشف الفرا أن مُعظم أنواع "الشيبس" يتم قليها في زيوت مُهدرجة مُستخدمة لفترات طويلة، وهي خطيرة على صحة الإنسان.
ماذا تفعل الأمهات؟
واستطرد: "أغلب أكياس الشيبس التي تجدونها في المحلات تتعرض لأشعة الشمس، وتعرض المواد الموجودة في الشيبس إلى الشمس يُحولها إلى مواد مُسرطنة".
ويدعو الفرا الأمهات إلى اتباع أساليب معينة للحد من تناول أطفالهم للشيبس قائلاً: "تستطيع الأم أن تشتري لطفلها فول نابت مثلاً، أو تتبع نهج أحد المدارس في غزة، والذي أثار إعجابي جداً، وهو أن يقوموا ببيع قطعة فاكهة بنصف شيكل فقط للأطفال، يتم تنظيفها ووضعها في كيس نايلون".
وأضاف: "لو تناول الطفل هذه الفاكهة، فهي تُغنيه عن ألف كيس شيبس، فهي تمده بالحديد والفيتامينات، فالشيبس عبارة عن كميات زيت مهولة، ونشويات، ما يسبب التهابات في المعدة للطفل، وامتصاص أقل للحديد، فقر دم، أنيميا".
وختم الفرا: "تستطيع الأم أن تُسيطر على طفلها من خلال منعه من أخذ المصروف معه إلى المدرسة، وأن تقوم بالشراء له بنفسها زجاجة من العصير الطبيعي، وقطعة من الفاكهة، سيحتج الطفل في البداية، ولكن مع الموقت سيعي أن هذا الأمر في مصلحته".
حماية المُستهلك ترد
وفي ذات السياق، رجح محمد العبادلة، مدير دائرة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد الوطني، أن ما حدث قد يكون غير صحيح.
وقال العبادلة في تصريح لـ "دنيا الوطن": "آلية تصنيع هذا النوع من شيبس الأطفال، تجعل الأمر مستحيلاً، فالأقماع التي يخرج منها حبيبات الشيبس، تعمل على حرارة عالية، وضيقة جداً لدرجة لا يُمكن أن يتسلل عنصر آخر إلى الكيس".
وأضاف العبادلة: "لدينا في الوزارة دائرة التنمية الصناعية، وهي تقوم بعمل جولات ميدانية دورية لجميع مصانع الشيبس في غزة، لضمان حماية المُستهلك عبر فحص المواد الخام التي تستخدم في عملية الإنتاج، ومدى مطابقتها للمواصفات والمقاييس الفلسطينية، ومراقبة مدى الالتزام بالشروط الصحية وتعليمات الوزارة".
وقال العبادلة: إن المُواطن في هذه الحالة يجب أن يتوجه إلى دائرة حماية المُستهلك، وتقديم شكوى بالحادثة التي تعرض لها مع إحضار العينة، وشرح قائلاً: "نقوم أولاً بالتأكد من صحة الشكوى، ثم نتوجه إلى المصنع، ونُراقب سير تصنيع المُنتج بكافة مراحله، ونأخذ عينات عشوائية لفحصها، وإذا وُجدت أي مُخالفة تُثبت صحة الشكوى، يتم إغلاق المصنع مبدئياً 10 أيام على أقل تقدير".
عدد الزوار 15384،
أضيف بواسطة/
عبد الله إبراهيم الفرا