طولكرم: حرقوا أجسادهم ليطالبوا بحقوقهم .. أصحاب البسطات معاناة لا تنتهي

عود كبريت وقنينة بنزين كانتا الوسيلة الوحيدة لدى السيدة سناء طحل من طولكرم، لتستصرخ الضمائر الحية وتقول "أنا مظلومة..أريد حقي"، فأحرقت نفسها أمام مركز الشرطة في محافظة طولكرم وأحرقت معها قلوب ثمانية أفراد من عائلتها يعتمدون على حنانها ورعايتها.


قبل يومين شرعت بلدية طولكرم بحملة إزالة البسطات على الطرق، والتي أعلنت البلدية عنها خلال مؤتمر صحفي سابق في سبيل تسهيل مرور المارة والسيارات، وفي هذا الشأن تحدثنا مع طحل عن حقيقة ما جرى فقالت "نحن نملك ثلاث بسطات ومحلاً لا تتعدى مساحته 90و2 وإحدى هذه البسطات لزوجي يقضي حوائج البيت من خلالها، أما الأخريتين فهما لولدي يعتمدان عليها لمصاريف الجامعة".

 

 وتضيف، "خلال حديث زوجي مع البلدية لإقناعهم بالحيلولة دون إزالة البسطة، تهجمت الشرطة علينا بأمر من مدير مركز شرطة المدينة المقدم نادر مهنا والذي كان لنا معه بعض المشاكل السابقة بشأن البسطة" على حد قولها.


وطالبت طحل من خلال حديثها مع "دنيا الوطن" محافظ محافظة طولكرم عصام أبو بكر بإطلاق سراح أبنائها وزوجها المعتقلين لدى الشرطة وتشكيل لجنة تحقيق حول الواقعة ومحاسبة المسؤولين الذين تهجمواعليها وعلى أبنائها وزوجها بغير رحمة، كما وصفت وأشارت إلى أنها قد سبق واشتكت عليه لدى المحافظ.


 وأكد أبو بكر من خلال حديثه مع "دنيا الوطن" أنه سيحقق في قضية الاعتداء فور تقدم السيدة بشكوى خطية له، وعلق على الواقعة قائلاً: إنه لا يذكر وجود أي شكوى بالأمر سابقاً ولا بد من مراجعة المحافظة في حال تعرض أي مواطن لمشاكل أو تهديد من قبل أي مسؤول في المحافظة.


شهود عيان من أصحاب البسطات المجاورة أشاروا إلى تلقي أبناء السيدة طحل هراوات قوية ومؤلمة، في هذا الشأن تحدثت أم أحمد (اسم مستعار) قائلة: "عندما ركضت لمعرفة ما يجري فاجأني سقوط السيدة على الأرض وهي تحاول منع الشرطي من ضرب ابنها".

ظاهرة حرق النفس...تحذير من تكرارها

في خلفيات هذه الواقعة المقلقة، عادت شوارع طولكرم بالذاكرة إلى صاحب بسطة خضرة يدعى يوسف علي أبو داية والذي حاول إحراق نفسه عام 2013 خلال حملة البلدية لإزالة البسطات، وفي خضم الحديث عن سبب محاولته لذلك قال" قامت البلدية بتحرير عدة مخالفات لي بسبب مكان بسطتي حيث تبلغ قيمة المخالفة قرابة 10إلى 20 دينار رغم وجود عدة بسطات جانبي لم يتم مخالفتها، إلى أن قامت البلدية بدون سابق إنذار بإزالة بسطتي دون الالتفات إلى أصحاب البسطات المجاورة لي والمخالفة حسب القانون".

 

 ويذكر أبو داية أنه قام عن غير وعي بإحضار قنينة بنزين وسكبها على جسده وإشعال النار، ما أدى إلى إصابته بحروق من الدرجة الثانية وفقد بصره لأكثر من ساعتين.


ويعلق أبو داية على واقعة السيدة سناء طحل قائلاً: "لم يجدر بها أن تلجأ إلى إحراق نفسها، فوالله إنني أعاني إلى يومنا هذا من حادثة إحراق نفسي وأدعو بلدية طولكرم والجهات ذات الاختصاص أن تسايس المواطنين فالأحوال الاقتصادية قاسية، ونحتاج إلى حلول بديلة".

ويشير أبو داية إلى أن وجود البسطات سبب في إحياء السوق واسترزاق أصحابها بالحلال بدلاً من العمل داخل المستوطنات وتحمل الذل والإهانة من المحتل الغاصب.

ووصف أخصائي علم النفس والمحاضر في جامعة فلسطين التقنية خضوري د.هشام شناعة  ظاهرة حرق النفس بمنتهى الخطورة مطالباً بالوقوف جدياً ودراسة دوافع طحل وأبو داية وغيرهم ممن أقدموا على حرق أنفسهم، من خلال برامج توعوية للجمهور الفلسطيني الذي يقدم التضحيات في سبيل إنهاء الاحتلال كما ذكر.


وأضاف لايجوز للإنسان إيذاء ذاته تحت قانون شريعة الغاب بمعنى أن المجتمع مسؤول عن الإنسان وعن حياته، وطالب المسؤولين بتقديم برامج توعوية للعاطلين عن العمل حتى يكونوا أكثر تحملاً وأكثر قوة وصلابة تجاه ضغوطاتهم الاقتصادية والاجتماعية وغيرها.

لسنا ضد النظام ولكن

وعن الحملة أشار رئيس بلدية طولكرم د. فريد أبو عقل قائلاً: "قبل أسبوعين أعلنا على المستويين الرسمي والشعبي أننا على جاهزية تامة لتنظيم السوق الكرمي بناء على ما تقدمت به المؤسسات الرسمية والمواطنون والمحطات المحلية لنا من شكاوى حول فوضى الشوارع وتعدي البسطات عن الحد المسموح به، إثر ذلك شرعنا بإزالة البسطات ولم ننوٍِ إيذاء أو الاعتداء على أحد".

 

 أبو أكرم صاحب بسطة ومن ذوي الإعاقة وأب لثلاثة أبناء في الجامعة، أكد أنه هو وغيره من أصحاب البسطات ليسوا ضد النظام والترتيب بما يكفل إظهار مدينة طولكرم بصورة حضارية وأكثر نظاماً رغم اعتماد 70% على البسطات لجذب الزبائن وتسهيل البيع والشراء على حد قوله.


وأضاف "جل ما نطلبه هو الرحمة بعمل استثناءات تُلائم أحوالنا، فأنا مقعد ولا أستطيع التجول في المحل لذلك أعتمد كلياً على البسطة".


قضية البسطات ليست وليدة اليوم، ولكنها باتت الآن تسلك توجهات جديدة، دعوات بالنظام والترتيب للمدينة بالمقابل استغاثات تطالب الرأفة بحالها، ويانار الضغوط الاجتماعية والاقتصادية كوني برداً وسلاماً على المواطنين. 


 

عدد الزوار 19665، أضيف بواسطة/ إسلام جمال رزق الفرا