مجهولو النسب بين أحضان "مبرة الرحمة" ونظرات المجتمع

لا تخلو  أي بلد من حالة الفلتان الاجتماعي بشتى مستوياته، لكن بالأراضي الفلسطينية تختلف عن غيرهم بسبب محافظة سكانها ، دون الحكم عليها من مجرد موقف لا يتكرر الا بمسافة زمنية طويلة .
الأطفال مجهولي النسب يبقون قاب قوسين أو أدني امام نظرة المجتمع لهم سواء من صغرهم حتى الكبر بسبب قلة  حالة الوعي  الموجودة لدي مجتمعنا المحافظ كون هذه الحالة لا تسجل بشكل مستمر ، حيث اشارت الاحصائيات الاخيرة أن عدد اطفال مجهولي النسب لا يتجاوز الـ 150 طفلا منذ عام 1993 حتى عام 2017م .
قطاع غزة شهد حالة استهجان واسعة نتيجة العثور على أكثر من طفل منذ بداية 2017م ، مجهول النسب ما اثار حالة حزن شديد لدي المواطنين كون هذه الحالات يتم العثور عليهم ملقون أمام الجمعيات والمساجد بغزة.
وينقل هؤلاء الاطفال الذي يتم العثور عليهم الي جمعية " مبرة الرحمة " بغزة والتي تأسست عام 1993م لرعاية هذه الشريحة ، حيث أكد مدير الجمعية "مؤمن بركات " أن مبرة الرحمة تختضن اطفال المجهولين منذ استلامهم من الجهات الامنية بهدف رعايتهم والحفاظ عليهم وتوفير كافة احتياجاتهم اسوة بباقي المواطنين دون تمييزهم أو اختلاف التعامل معهم .
وأوضح بركات أن مجهولي النسب يحق لهم قانونيا ممارسة كافة المهام المهنية والتعليمية وتقديم لهم الخدمة الصحية والمدنية مثل أي مواطن .
واستهجن بركات سوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي التي روجت أن هناك ظاهرة لانتشار الاطفال مجهولي النسب ، مبينا انه لا يوجد ظاهرة بهذا الاتجاه والاطفال الذي يتم العثور عليهم تقدم لهم الخدمات عالية المستوى ، لانهم ضحايا بالدرجة الاولى .
كما لفت الي أن هناك توجه من بعض العائلات لمن تنطبق عليهم شروط التبني تتجه نحو استقطاب اطفال للتبني من خلال الجمعية ، والتي بموجب الجهة المتكفلة أن ترعى الطفل والاعتناء به وتقديم كافة الخدمات له حسب القانون والاصول المنصوص عليها.
الجدير بالذكر أن القانون الفلسطيني نص على حماية ورعاية الأطفال مجهولي النسب وغير الشرعيين من خلال توفير أسر حاضنة لهؤلاء الاطفال ضمن الشروط والمعايير المنصوص عليها في نظام الاسر الحاضنة لسنة 2013.
وعن دور نشطاء التنمية البشرية بالحد من ظاهرة الاطفال مجهولي النسب قال " محمد السويركي" خبير التنمية البشرية في غزة: من  الممكن أن  يكون لخبراء التنمية البشرية دور بناء في القضية وكما يجب أن يكون تعاون بين الجهات الحاضنة ومؤسسات المجتمع المدني بشتى اشكالها 
واوضح السويركي ان سلوك القاء الاطفال المجهولين بالشوارع لها تأثير كبير وخطير على المجتمع ، كما أن الاوضاع الاقتصادية هي العامل المتغير في مجتمعنا ،  ومن المتوقع أن يعلن  بالبعض عن بيع اطفاله.!
وبين أن سلوك إلقاء الاطفال يحتاج  لتحليل.. ومن المؤسف اننا لا نمتلك علاجا لها في وضعنا الخالي سواء اكانت الجذور اقتصادية او قيمية.
وعن دور التنمية البشرية المساند لبيوت الامان كون مهامهم يتعلق بالجانب الاجتماعي والنفسي قال:  يصعب ان يكون لنا دور لأنه في الغالب يتم احاطة هؤلاء الاطفال بجو من العزلة، حيث ناشد كل بيوت الامان ان تضع خطة ليكون لخبراء التنمية جزء منها حتى يكون التدخل مسيطرا عليه ولا يؤدي لتهريب الامور.
وتحدث السويركي عن وجود خطط و افكار لمساعدة هؤلاء الاطفال لكن اصطدما بان المؤسسات ترغب بعزلهم عن المجتمع لحمايتهم ، بالتالي اسوا ما يعانيه هؤلاء الاطفال حين يكبرون هو الشعور بالعار ورفض المجتمع داعيا بالوقت ذاته وزارة الشئون الاجتماعية لتبني خطة مؤاخاة لهؤلاء الاطفال بحيث يقوم اشخاص لهم صفة اعتبارية في المجتمع بتبني بعض هؤلاء الاطفال اعتباريا.. بحيث يكون احدهم اخا لابنائه وابنائنا و ندعوهم لبيوتنا ونظهر لهم حبنا، بعكس العزلة التي يواجهونها جراء مكوثهم داخل بيوت الامان محرومين من كل الطقوس الاجتماعية والنفسية المريحة.
من ناحية أخرى خلص الدكتور " إيهاب عمرو" الباحث الاجتماعي في مقالة نشرها بداية الشهر الحالي قائلا:  إن هناك نظرة فاحصة لدور تلك المؤسسات التي تعنى برعاية الأطفال الأيتام والمحتاجين والمشردين في العالم العربي كفيل بأن يدق ناقوس الخطر حول نظرة المجتمع السلبية للأطفال الذي يقيمون في تلك المؤسسات والقرى والجمعيات. 

إذ لا بد من قيام المجتمع بتغيير نظرته ومعاملته لهؤلاء الأطفال سواء أثناء طفولتهم أو بعد بلوغهم سن الرشد بشكل عادل ومتساو كون أنهم ضحايا في الأساس لواقع إجتماعي أو إنساني معين وجدوا فيه دون إرادتهم، إذ ما ذنب الرضيع الذي ألقي به على قارعة الطريق في جبل عمان في  الأردن في فصل الصيف شديد الحرارة، وما ذنب الرضيع الذي ألقت به والدته على قارعة الطريق في فصل الشتاء القارص في قطاع غزة، وما ذنب الأطفال الذين توفي والديهم في حادث سيارة وأصبحوا أيتاماً دون معيل في الضفة الغربية! .

واضافت مقالته : إن المجتمع كفيل بإدماجهم فيه عند بلوغهم سن الرشد وإنهاء دراستهم وتقدمهم بطلبات للحصول على عمل دون الحاجة إلى معاملتهم بشكل غير متساو أو النظر إليهم نظرة دونية تعكس جهل الناظر أو رغبته في إشباع مركب النقص الكامن في نفسه دون إدراك لما يقوم به، خصوصاً أن الشريعة الإسلامية الغراء حثت على إلتقاط الطفل الصغير الذي يطرحه أهله خشية فقر أو خوفاً من تهمة الزنا بل وإعتبرت ذلك فرض عين على من يجده إن وجد في مكان يغلب على الظن هلاكه لو ترك فيه، وقد وردت أثار عن الصحابة رضي الله عنهم بالترغيب في إلتقاطه وبيان فضله على كثير من أفعال الخير لأن فيه إحياء لنفس بشرية. كذلك، فإنه لا بد من زيادة الإهتمام الرسمي بتلك المؤسسات وتعزيز دورها ورفدها بكافة مستلزمات البقاء كونها تقوم على رعاية شريحة الأطفال الأكثر فقراً وحاجة داخل المجتمع ما يجعلهم قادرين على مواصلة حياتهم بصورة طبيعية. 

 

عدد الزوار 12576، أضيف بواسطة/ إسلام جمال رزق الفرا