الرئيس عباس يوجه رسالة للشعب الفلسطيني بمناسبة عيد الميلاد المجيد

وجه الرئيس الفلسطيني محمود عباس "أبو مازن" رسالة بمناسبة الاحتفال بعيد الميلادج المجيد هذا نصها:

يحمل عيد الميلاد المجيد لهذا العام الفريد رسالة فلسطينية فريدة عن الأمل والعدالة، وعن السلام والمحبة، نبرقها من قلب الأرض المقدسة إلى العالم للاحتفال به، رسالة يحملها شعبنا الفلسطيني الذي حافظ عليها جيل بعد جيل، رغم مرور خمسين عامًا على الاحتلال الإسرائيلي البغيض لدولة فلسطين، الاحتلال العسكري الأطول في عالمنا المعاصر.

خلال هذه الاعوام الطويلة، لم تسلم مدينة بيت لحم، مدينة السلام التي وُلد فيها السيد المسيح، مثل باقي المدن الفلسطينية من إجراءات الاحتلال التعسفية، وسياسات الإذلال والاستعمار والفصل العنصري. فمدينة الميلاد محاصرة اليوم بـ 18 مستعمرة إسرائيلية، يمزقها جدار الفصل العنصري إلى كيانات معزولة لتصبح المدينة ولأول مرّة منذ 2000 عام منعزلة تمامًا عن القدس، وكلاهما جزء لا يتجزأ من دولة فلسطين المحتلة، ناهيك عن التدابير غير القانونية في وادي كريمزان. وعلى الرغم من ذلك كله، عزمنا وشعبنا على مواصلة مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وابتداع جميع الوسائل والامكانيات من أجل الصمود والبقاء في وطننا، والحفاظ على تراثنا الوطني والثقافي، فذلك ما يميز مقاومتنا في وجه الظلم والاستبداد.

وفي نفس الوقت، فإننا نمدّ أيدينا للسلام، ونشكر ونثمن عالياً، باسمنا وباسم شعبنا الفلسطيني في كل أماكن تواجده، جميع دول العالم التي صوتت إلى جانب الحق والعدالة في مجلس الأمن على قرار بشأن الاستيطان غير الشرعي في فلسطين المحتلة، ونشكر جميع من ساهم في إنجاح هذا التصويت من أصدقاء وحلفاء العدالة، رسالتكم وصلت شعبنا بأنه ليس وحيداً في مواجهة الظلم والاستعمار.

وإننا نأمل أيضاً أن يفتح مؤتمر السلام الدولي المزمع عقده في باريس عمّا قريب سبلاً جديدة لجعل عام 2017 عام إنهاء الاحتلال والحرية والعدل والسلام.

إن شعبنا يفخر بنسيجه الاجتماعي، فعلى مدار التاريخ، شكل أبناء شعبنا من المسيحيين جزءاً هاماً وأصيلاً من مكونات هذا الشعب العظيم، وقد قاد العديد من القادة الوطنيين المسيحيين حركة التحرر الفلسطينية عبر التاريخ وضحوا لأجلها بالغالي والنفيس، وفي خضم هذا التوحد الوطني لم نكن نعلم ديانة شهدائنا إلا عند نقلهم إلى المسجد أو الكنيسة، فلهم المجد والخلود.

عيد الميلاد المجيد له ما يميزه هذا العام، حيث سوف يرى المؤمنون والزوار الأعمال التي قمنا به وأنجزناها داخل كنيسة المهد، وقريبًا سيتم عرض الأيقونات التي تمّ اكتشافها مؤخرًا في الكنيسة كي يتسنى للجميع مشاهدتها والتمتع بجمالها ورموزها الروحية. إن هذا العمل هو أحد المشاريع التي نعمل على تنفيذها بعد ان أصبحنا عضوًا كاملاً في منظمة اليونسكو. وإننا في هذا السياق ندعم التنسيق والعمل المشترك مع كنائس الروم الارثوذوكس واللاتين والارمن، ونؤكد رفضنا الشديد لمحاولات الاحتلال الرامية إلى تضليل العالم بشأن حقوقنا في الحفاظ على قدسية الأماكن المقدسة في مدينة القدس والوضع القائم فيها، فمدينة القدس هي مدينة مقدسة للديانات السماوية.

وقد كانت لنا أيضًا مساهمة فاعلة في ترميم كنيسة القيامة في البلدة القديمة من مدينة القدس المحتلة، وسوف نستمر في تعزيز تراثنا الوطني بما يشمل الحفاظ على الوضع التاريخي القائم للمواقع الدينية كافة ومن ضمنها المسجد الأقصى المبارك.

قريبًا، سوف أتشرف بزيارة قداسة البابا فرنسيس في دولة الفاتيكان، وسوف نناقش معًا العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك ومن بينها تعزيز العدل والسلام في منطقتنا، وكذلك تشجيع الحوار بين الأديان، وبناء جسور الثقة والاحترام المتبادل بينها. وفي هذا السياق، نكرر أهمية الامتناع عن استغلال الكتب المقدسة واستخدامها ذريعة لتبرير ارتكاب اي نوع من الجرائم والانتهاكات.

وسأتحدث مع قداسته عن الاتفاق التاريخي بين دولة فلسطين والكرسي الرسولي، ذلك الاتفاق الذي أصبح نموذجًا يُحتذى به بشأن تقوية الحضور الكنسي في المنطقة. فالمسيحيون هم ملح الأرض، ولا يمكننا تصوّر منطقة الشرق الأوسط دونهم. وسوف نستمر في التعاون مع رؤساء الكنائس في مدينة القدس ومن خلال لجنتنا الرئاسية العليا لشؤون الكنائس.

إننا ملتزمون بالحفاظ على المكوّنات المختلفة لدولة فلسطين حيث تعايشت الكنائس والمساجد لقرون عدة ولا تزال، في الوقت الذي تنبعث به الدعوات لمنع الآذان في المساجد والمحاولات المستمرة لزرع بذور الفتنة بين الشعب الفلسطيني الواحد. فمنطقتنا تحتاج لدول تمنح حقوقًا متساوية لجميع مواطنيها، ولذلك ندعو المجتمع الدولي لوضع حد للمحاولات الإسرائيلية الرامية إلى تحويل الصراع السياسي إلى حرب دينية، والانضمام إلينا في شجب حملات التهديد والتحريض الإسرائيلية الممنهجة ضد بعض المنظمات الأهلية الفلسطينية والدولية وبرامجها ومشاريعها في فلسطين، الأرض المقدسة، وخاصة الحملات الإسرائيلية ضد مجلس الكنائس العالمي.

وإنني أدعو هنا الكنائس المحلية والدولية لالتقاط رسالة أبناء شعبنا الفلسطيني المسيحي بما في ذلك وثيقة كايروس، حيث أن السبيل لتحقيق الحرية والعدل للشعب الفلسطيني هو النضال السلمي والدبلوماسي وقيادة الأنشطة السلمية القانونية والسياسية والمناصرة.

وندعو الجميع إلى زيارة فلسطين، والحج إليها، لدعم صمود شعبنا الفلسطيني. رسالة الأمل التي نوجهها هي أيضًا رسالة للمقاومة، ومقاومتنا هي وجودنا وحضورنا وصمودنا في فلسطين، وفيها سنبقى.

كما ننتهز هذه المناسبة للتعبير عن عزائنا لأهالي ضحايا الهجومين الإرهابيين الأخيرين في المملكة الأردنية الهاشمية وجمهورية ألمانيا، واغتيال السفير الروسي في تركيا، ونعرب عن تعاطفنا وتعازينا للكنيسة القبطية خاصة والحكومة المصرية والشعب المصري عامة على الهجوم الإرهابي الأخير على الكاتدرائية المرقصية في القاهرة. وقد زار وفد رفيع المستوى مؤلف من رؤساء الكنائس المسيحية ورجال الدين المسلمين على رأسهم مفتي الديار المقدسة للسفر من القدس إلى القاهرة لتقديم التعازي لنيافة البطريرك تواضرس والإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر الدكتور أحمد الطيب.

أتمنى لشعبنا وجميع شعوب العالم عيد ميلاد سعيد وسنة جديدة مباركة، وأحيّي أمّتنا وشعبنا وخاصة اللاجئين في سوريا ولبنان، بما فيهم اللاجئين في مخيم الضبية ومخيم مار الياس، وأحيي شعبنا وكل من يحتفل بعيد الميلاد المجيد في قطاع غزة والقدس الشرقية وكذلك أحيّي 13 رئيس كنيسة في القدس بما في ذلك جميع الطوائف. وأحيّي أسرانا الأبطال في سجون الاحتلال الإسرائيلي على صمودهم الاسطوري.

وإننا وشعبنا على ثقة أن رسالة الأمل والعدل والسلام التي جلبها رسول السلام من المغارة المتواضعة في بيت لحم ستنتصرعلى ظلم المنفى والفصل العنصري والاستعمار.

عدد الزوار 14169، أضيف بواسطة/ عبد الله إبراهيم الفرا