بعد رفض إسرائيل تحويل أكثر من نصف المرضى.. بوابة الموت البطيء "إيرز" تحصد أرواح المرضى

أسامة الكحلوت


"معبر إيرز" شمال قطاع غزة والمنفذ الوحيد لقطاع غزة مع الضفة الغربية والأراضي المحتلة، لم يكن مجرد معبر لسفر التجار وتسهيل دخول الوفود لقطاع غزة، بل تخطى كافة المواثيق الدولية وأصبح مصدر معاناة لسكان قطاع غزة، وخصوصاً المرضى منهم.

فالحصول على موافقة لدخول الضفة الغربية والقدس عبر المعبر، أصبح أسمى أمنيات مرضى قطاع غزة، وخاصة الذين لم يتوفر لهم علاج داخل مستشفيات قطاع غزة، وبات أملهم الوحيد معلقاً على تخطي هذا المعبر.

وتستغل سلطات الاحتلال الإسرائيلي هذا المعبر لابتزاز المرضى، وممارسة الحصار على سكان قطاع غزة بشكل فعلي، من خلال رفض آلاف المرضى الذين يمتلكون تحويلات طبية للعلاج في مستشفيات الضفة الغربية، تحت ذرائع أمنية، ووصل الأمر لاستجواب المرضى لمقابلة مع ضباط الشاباك قبل حصولهم على موافقة للدخول، وفي حقيقة الأمر لم يكن الاستجواب سوى محاولة ابتزاز وضغط على المرضى مقابل السماح لهم بالدخول.

الشاب منصور مشعل (23 عاماً) لم يدخر جهداً منذ سنوات للتنقل بين المؤسسات الحكومية وغير الحكومية من أجل الحصول على موافقة لسفره عبر معبر "إيرز" للعلاج في مستشفيات الضفة الغربية لحاجته الماسة للعلاج، بعد حصوله على تحويلة طبية وجميع الأوراق اللازمة للعلاج، وتجديد التحويلة أكثر من مرة بعد انتهائها.

ويعاني مشعل من انسداد فتحة الشرج وفقدان الإحساس بالبراز والبول، مع وجود فتحة براز في جدار البطن، ويحتاج لرعاية طبية واجتماعية، كما يعاني من تشوه في القدمين منذ الولادة، ويعاني صعوبة في التنقل والحركة، ونصحه الأطباء بإجراء عملية لتصحيح التشوه قبل فوات الأوان.

وقال مشعل: إن تأخير علاجه وسفره وتحويله لإجراء العملية يهدده بالإصابة بشلل في المرحلة المقبلة، وقد رفضت إسرائيل دخوله للضفة الغربية عبر المعبر ثلاث مرات، ووقفت حائلاً بينه وبين علاجه.

ويجلس مشعل حالياً في بيته بدون حركة أو عمل أو دراسة نتيجة ظروفه الصحية، متأملاً من الجهات الرسمية الإسراع في تحويله للضفة الغربية لعلاجه، وذلك بعدما نصحه الأطباء في الفترة الأخيرة بعدم المشي، كما تقدم بشكوى في مؤسسات حقوق الإنسان لمساعدته في سفره ومتابعة ملفه، إلا أن جميع المحاولات باءت بالفشل، وجاء الرفض من إسرائيل.

ولا يختلف حال مشعل عن الشاب أحمد الكحلوت الذي يعاني من آلام في بطنه، حصل بعدها على تحويلة للعلاج في القدس والخليل، ولكن بعد فشل العملية وظهور مضاعفات تم تحديد موعد جديد لسفره للخليل من قطاع غزة، ورفضت إسرائيل دخوله من جديد لإجراء عملية جديدة لأكثر من سبع مرات.

ويعرب الكحلوت عن أمله بتدخل الرئاسة الفلسطينية والجهات المختصة للضغط على إسرائيل من اجل إنهاء قضية سفره للضفة الغربية، لعدم وجود علاج له في قطاع غزة ومن ضمن علاجه مادة السيلكون غير المتوفرة في قطاع غزة، وفي حال تأخر سفره قد تتضاعف أموره الصحية نحو الأسوأ للوصول لعقم كامل والتهابات مدى الحياة في البروستاتا والمثانة والخصية.

أما الشاب أنور كساب، فيعاني من السكري بدرجة أولى وتضخم في الغدة الدرقية، مما أدى لانتفاخ في العينين على مدار الساعة، بالإضافة للشعور بالتعب والإرهاق الجسدي وعدم النوم، وتم منحه تحويلة طبية من مستشفى الشفاء بغزة بعد اكتشاف أمره في نفس اليوم الذي توجه فيه للمستشفى من أجل الحصول على علاج، ليكتشف الأطباء أن مرضه خطير ويحتاج علاجاً سريعاً، وبناء على ذلك تم منحه تحويلة في نفس اليوم، بعد اعتبار الغدة من الأورام.

وحصل كساب على تحويلة طبية منذ شهر 6/2016، وأصدر الأطباء الأوامر له بعدم تلقى العلاج تمهيداً للوصول للمستشفيات في الضفة الغربية وإجراء العملية لتعارض العلاج مع العملية، وتماطل إسرائيل في سفره، وتمنعه منذ ذلك الوقت حتى الآن، ووضعه تحت رحمة الله ثم الاتصال من الشاباك الإسرائيلي لإجراء مقابلة معه في معبر "إيرز".

ويعاني كساب كثيراً نتيجة توقفه عن الدواء في انتظار إجراء العملية المناسبة له، وتم تجديد تحويلته الطبية أكثر من مرة ولكن دون جدوى، وتتضاعف حالته الصحية يوماً بعد يوم.

وتحصل مضاعفات يومية مع مرضى السرطان الذين تماطل إسرائيل في سفرهم من قطاع غزة للضفة الغربية، لعدم وجود علاج مناسب لهم في مستشفيات القطاع، نتيجة حاجة المرضى للحصول على الجرعات الكيماوية في الضفة الغربية، في حين تتذرع إسرائيل برفض الكثير منهم تحت حجج أمنية.

من جانبه، قال مدير دائرة العلاج بالخارج الدكتور بسام البدري: إن قرارات الجانب الإسرائيلي مع مرضى قطاع غزة تتراوح بين الرفض أو تحت الفحص أو الموافقة أو عدم الرد، ولوحظ في الأيام القليلة الماضية أن عدداً قليلاً من المرضى يتم الموافقة عليه من الجانب الإسرائيلي والسماح لهم بالسفر عبر المعبر، وحسب آخر إحصائية بالأمس أن نسبة 45 بالمائة من المرضى هم من يتم الموافقة عليهم فقط في حين كانت النسبة سابقاً تصل إلى 80 أو 90 بالمائة.

وأكد أن أكثر من نصف الحالات المرضية يتم رفضها، وحين مراجعتهم للأمر يتضح عدم وجود مبررات للرفض، ولا يوجد على المرضى خلفيات أمنية، ويحصل الكثير منهم على الرفض أكثر من مرتين وثلاثة وأربعة، وقد حصل طفل مريض على رفض من إسرائيل 11 مرة، ولكن دائرة العلاج بالخارج منحته تحويلة وتجديد للمرة الثانية عشرة على أمل الحصول على موافقة وعلاجه في الضفة الغربية، لأنهم جميعاً مرضى حقيقيون.

وأفاد مدير دائرة العلاج بالخارج، بأن دائرته تصدر تقريباً 1500 تحويلة طبية شهرياً لمرضى يحتاجون للعلاج في مستشفيات الضفة الغربية والقدس، وقال: "لا يجوز للجانب الإسرائيلي معاقبة كل المرضى من أجل أربعة مرافقين أو مرضى اتجهوا للعمل بعد انتهاء فترة العلاج".

وأوضح بأن ما يدفع أبناء الشعب الفلسطيني للخروج والهرب من قطاع غزة وعدم العودة إليه هو الحصار المفروض، ومحاولة استغلال بعضهم للذهاب كمرافق مع مريض ويتجه للعمل داخل الضفة الغربية هرباً من ضيق الحياة والحصار الذي يفرضه الجانب الإسرائيلي على قطاع غزة، لأن إسرائيل هي سبب السلبيات في هذه الحالات النادرة.

وأكد أن جميع المرضى هم مرضى حقيقيون منهم مرضى سرطان وقلب وكلى وعظام، و25 بالمائة منهم مرضى سرطان يحتاجون لعلاج كيماوي وإشعاعي وجراحي وعمل فحوصات، وجزء كبير منهم يحتاج لعمل جراحات قلب في القدس والضفة الغربية، وعمليات قسطرة سريعة للأطفال.

كما يحتاج الأطفال للعلاج في مراكز فيها إمكانيات وأجهزة حديثة وفحوصات طبية متقدمة، مثل مستشفى المقاصد وباقي مستشفيات الخط الأخضر، وعمليات جراحة قلب وجراحة أعصاب واستئصال أورام من الدماغ والعمود الفقري.

وأضاف: "لدينا جهود غير معلنة داخل أروقة السلطة ومؤسسات المجتمع المدني للعمل لصالح المريض وحقه في التوجه للعلاج، وتبذل الدائرة جهوداً كبيرة للتحقق من صحة التحويلات المرضية المحولة للخارج، ونهيب بالجانب الإسرائيلي النظر للمرضى لأنهم يتأملون في العلاج والعودة لذويهم وقد تحققت أمانيهم في العلاج".

وفي السياق، قال المحامي في مركز الميزان لحقوق الإنسان المحامي سمير المناعمة: إن المركز يتلقى شهرياً ما يقارب 30- 50 شكوى من مرضى قطاع غزة الذين يتلقون رفضاً من سلطات الاحتلال الإسرائيلي أو تحت الفحص، وهذا الحد الأدنى، كما توجد أعدد أخرى من المرضى لا يسجلون شكواهم في المؤسسة.

وأكد المناعمة أن هذا انتهاك صارخ لحق أصيل للمرضى وهو الحق في حرية الحركة والتنقل والحق في الصحة، وكل المعاهدات الدولية كفلت للإنسان حقه في الصحة والوصول للمستشفيات، وجميعها تلزم الاحتلال توفير الرعاية الصحية للمواطنين وضمان وصول الأدوية والمعدات الطبية للمواطنين في المستشفيات.

وأفاد بأن الحصار المفروض على قطاع غزة منذ العام 2007، رافقه منع لإدخال بعض المعدات الطبية وخاصة للأمراض المتقدمة، وكذلك يتم منع المواطنين من الوصول للمستشفيات دون إبداء أي أسباب، ودون أن يبلغ المريض بأسباب الرفض.

وأضاف:" نحن في المركز ممثلون في الوحدة القانونية نعمل على استقبال الشكاوي التي تتعلق في المرضى، وتتكون الوحدة من محامين موزعين في كافة محافظات الوطن، ولدينا محامون داخل دولة الاحتلال يعملون معنا، وبعد تسلمنا لشكاوي المرضى نخاطب قسم ارتباط التنسيق الصحي الإسرائيلي على معبر "إيرز"، ونقدم لهم الأسباب القانونية والتقارير الطبية وموعد المستشفى، وفي بعض الحالات نتلقى رداً بالموافقة، وفي حالات أكثر نتلقى رفضاً ومماطلة في الرد على الطلبات، وهذا يفاقم من معاناة المرضى".

وأوضح بان الأجهزة الرسمية الإسرائيلي على معبر بيت حانون/ إيرز تمارس المماطلة وعدم الجدية في الرد على طلبات المرضى الفلسطينيين، وهذه فئة حساسة تعاني من الموت البطئ وتعاني من أمراض متقدمة، وبالتالي يجب على سلطات الاحتلال الإسرائيلية التعامل مع طلبات المرضى بمزيد من الجدية والاهتمام، وأن تنسجم إجراءاتهم مع القانون الدولي الإنساني.

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

 

عدد الزوار 12668، أضيف بواسطة/ حسن عادل الفرا