ظاهرة العنف دوافع وأسباب .. والعقوبات سلاح ذو حدين !

تعددت الآراء واختلفت الأقلام وظهرت الروايات من هناك وهناك ما بين مؤيد ومعارض لجملة العقوبات المتواصلة التي يوقع عليها اتحاد كرة القدم الفلسطيني في المحافظات الجنوبية بحق الأندية والجماهير الخارجة عن اللوائح والقوانين.. حالة غير طبيعية يعيشها الوسط الرياضي نتيجة لظهور "شبح شغب الملاعب" والعنف المتزايد داخل وخارج المستطيل الأخضر مع أول خمس جولات ووصول ذلك لمرحلة خطيرة تؤكد وتدلل على نقص واضح في أحدى مكونات التنظيم الرياضي، نظراً لعدم البحث في أسباب ودوافع العنف ومعالجتها بعيداً عن العقوبات المتسرعة التي فرضت نفسها كسلاح ذو حدين.

 

ظاهرة واقعية ولكن ..

 

لعل التعمق جيداً في النظريات النفسية والاجتماعية المسببة للعنف ومقارنتها بالوضع الاجتماعي والإنساني الحالي في قطاع غزة يعطينا مؤشرات مُسبقة لظهور حالات شغب الملاعب الذي حدث في أكثر من مباراة لا سيما التدخلات العنيفة بين اللاعبين والتي ساهمت في رفع مؤشر عدد البطاقات الحمراء والصفراء لرقم غير مسبوق محلياً، وحالات الاعتراض والسب والشتم وظهور انماط سيئة من السلوك الغير مقبول وصولاً إلى التشابك والتراشق بالأيدي والحجارة، فلا يوجد دخان من دون نار ودخان شغب الملاعب خلفه نار  الحصار وما ينتج عنه والعدوان والقلق والتوتر  والإحباط  وعدم الشعور بالأمان وحالات التفكك الاجتماعي وغياب الثقافة الكروية والروح الرياضية فتزداد العدوانية مع زيادة الكبت ويخرج ذلك في ملاعبنا الغزية التي تعتبر متنفساً للجماهير المكبوتة بل تحولت للأسف لساحة تفريغ لكل تأثيرات ما ذكر سابقاً وهو الشيء الذي غاب عن أذهان الجميع بان كل ما يحدث على ساحتنا الرياضية في الآونة الأخيرة هو طبيعي إلى حد ما مقارنة بالنظريات العلمية النفسية والاجتماعية المسببة للعنف.

 

الحلقة المفقودة

 

أن ظهور ظواهر العنف وشغب الملاعب مبكراً كشف الحلقة المفقودة في التنظيم الرياضي للبطولات الرسمية وما يسبق ذلك من تجهيزات ليست لوجستية فقط بل تجهيزات خاصة بتهيئة الأجواء بين كافة عناصر المنظومة الرياضية وأهمها علاقة الجماهير ببعضها البعض وعلاقة الجماهير بالحكام والفرق الأخرى ووضع خطة كاملة تشمل اجتماعات مكثفة مع ادارات الأندية ولجان الاتحاد العاملة وروابط المشجعين واللاعبين والحكام والاعلام وعقد ورشات عمل لتوعيتهم وتحذيرهم ووضعهم أمام مسئولياتهم وتوزيع المنشورات داخل الملاعب وعلى المدرجات وغيرها من الوسائل ولكن ذلك لم يحدث،  فالوقاية خير من العلاج الذي لم يعد مؤثراً بالشكل المطلوب والفعال في هذه الأوقات.

 

سلاح ذو حدين

 

لن يختلف أثنان على ضرورة وضح حد لظاهرة شغب الملاعب ومعاقبة المتسيبين بهذه الظاهرة والخارجين عن اللوائح والقوانين التي تحكم البطولات والمسابقات المحلية ولكن هذه العقوبات يجب أن تؤخذ بشكل مدروس وبتأني لأن ذلك العقوبات أصبحت سلاح ذو حدين الحد الأول ردع الجماهير، والثاني زيادة تعنت الجماهير وتوسيع الفجوة بينهم وبين الاتحاد المنظم للبطولات وهو ما يسبب شرخاً كبيراً لن يلتئم بسهولة "فعملية صد العدوانية يؤدي إلى عدوانية لاحقة، بينما التخفيف عنها يقلل ولو مؤقتاً من حدتها"، فيجب ان نأخذ بعين الاعتبار خصائص مجتمعنا وطريقة تفكير وأن تكون العقوبات واقعية ومنطقية وتحقق اهدافها. 

 

حلول مؤقتة

 

لا يمكن أن نتهرب من واقع صعب فرض نفسه على البطولات المحلية والحالة التي اوصلتنا إلى مفترق طرق امامنا أن نختار طريق التعنت وهو ما سيؤدي بنا إلى توقف الدوري وعدم السيطرة على الجماهير في المستقبل، والمفترق الأخر هو البحث عن الحلول بعيداً عن منطق العقوبات المباشرة مع التأكيد على وجودها وبكل بطرق غير الطرق المتبعة، ويكون ذلك بمساعدة الجميع من وزارة الداخلية واتحاد الكرة والأندية واللجان العاملة وإدارات الأندية وروابط الجماهير والحكام واللاعبين.

 

ويتمثل ذلك في البحث عن أسباب العنف ومعالجته أو الحد منه ولو مؤقتاً من خلال تشديد الإجراءات الأمنية داخل وخارج الملاعب ووجود عناصر الشرطة بين الجماهير بالزي الرسمي والمدني، إضافة لضرورة وجود أعضاء مجالس إدارات الأندية بين جماهيرها ومتابعتها، وتنظيم ورشات عمل متواصلة لروابط مشجعي الاندية لتعزيز وتقوية العلاقات بينها كما حدث في الموسم الماضي، إضافة للدور الرئيسي المطلوب من اللاعبين داخل الملعب فما يحدث على المستطيل الأخضر ينعكس على المدرجات، وتحديد عدد تذاكر كل مباراة بما لا يتجاوز السعة الرسمية الملعب، ولا يقتصر الدور المطلوب على ما تم ذكره فقط بل يصل إلى لجان الاتحاد ومراقبين المباريات وهم مطالبين بتطبيق المهنية العالية في عملهم من خلال عدم التمييز بين الفرق وكتابة كل ما يحدث، ودور الإعلام الذي يعتبر من أهم عناصر توعية الجماهير وتمرير كل الأهداف التي من شانها أن تخفف من حدة التوتر وشغب الملاعب والعنف، فكل هذه الأسباب من شانها أن تساهم في عودة الحالة الرياضية إلى طبيعتها والحفاظ على مسيرة البطولات المحلية بعيداً عن التعنت والتشدد في أخذ القرارات الصارمة ضد الأندية والجماهير والتي لن ولم تكون حلاً لظاهرة العنف وشغب الملاعب.

عدد الزوار 23926، أضيف بواسطة/ حسن عادل الفرا