التاكسي الفلسطيني.. مسرحية الواقع وواقع المسرحية

وجه ممثلون شبان انتقادات لاذعة إلى الرئيس محمود عباس من خلال عرض مسرحي جسدوا خلاله الواقع الفلسطيني عبر سيارة تاكسي تواجه العثرات المتلاحقة في إشارة إلى الوضعية الصعبة للقضية الفلسطينية.

"والله طول ما أنت راكبها ما تمشي سنتيمتر واحد".. كلمات وجهها أحد ممثلي مسرحية "التاكسي" للرئيس "السائق"، خلال عرض استمر نحو الساعة على خشبة مسرح "هولست" في مدينة غزة.

المسرحية من إخراج محمد خليفة، وتعالج الواقع الفلسطيني وما يعانيه من ضنك في العيش وانعدام للخيارات، عبر سيارة يقودها الرئيس يستقصي من خلالها نهجه والخيارات التي أقدم عليها.

وأثناء سير "التاكسي" يحمل الرئيس معه أحد العجائز، وهي ذاهبة لمركز "الشؤون الاجتماعية" لاستلام كبونة مساعدات، فيتسأل: "شو الشؤون"، في دلالة أن الرئيس لا يدرك حجم المعاناة التي يعانيها الشعب.

تنزل العجوز من السيارة بعد أن لفّ بها الرئيس من طرق ملتوية، لم توصلها إلى وجهتها، قائلةً له: "شكلك طول حياتك بدّوّر وبتلف".

يغور السلام

وتبتعد العجوز عن الطريق "بلاش يطخونا على الحدود"، فيجيبها الرئيس: شو يطخوكي يا حجة، احنا بمرحلة السلام، فترد عليه: وهذا اللي صار بأهلنا مش حرب، مات أبوي برصاص الإنجليز في عام 1948، وأخوي كان من الفدائية في 67، وجوزي قتلوه في 73 وما كان في سلام".

وتضيف: خرجنا من بيوتنا ومفتحنا بيّدينا بس بكرامتنا، وقلنا اليوم أو بكرا لازم نعود وتعود كرامتنا اللي ضاعت بعهد السلام.

وتتابع "شوّف يا حبيبي بعهد السلام: مات ابني ومرته، وأولاده الأربعة، وبنتي وجوزها وحماها.. ماتن بناتي الستة وأولادهم وجيزانهم وأسلافهم، برصاص السلام وصواريخ السلام، ودبابات السلام، وحصار السلام، وجدار السلام".

وتكمل: بيوتنا فوق رؤوسنا انهدمت، وأولادنا قُدام عينا انعقرت، وزروعنا في أراضينا انخلعت، كله في عهد السلام، يغور السلام، اللي ما في أمن ولا كرامة ولا سلام، يغور السلام.

و "إن كان على السلام، احنا أهل السلام، ودينا دين السلام، وأخلاقنا أخلاق السلام بس هما بعرفوا إشي عن السلام-تقصد الاحتلال الإسرائيلي-" تختتم العجوز وسط تصيف الحضور.

ويبرر الرئيس لها مواقفه من السلام، بأنه يدين ويستنكر ويعرب بشدة من خلال المحافل الدولية تجاه أفعال الاحتلال، فيقول شخص آخر له: "يا ريس في عهدك ثلاث حروب (على قطاع غزة)، وقتها ما بينفعش تدين".

خدعتني يا ريس

وفي مشهد آخر، يخرج ميكانيكي على خشبة مسرح وأمامه سيارة "التاكسي" وقد باتت معطوبة فيطلب منه الرئيس إصلاحها، فيتظاهر الميكانيكي بأنه يصلحها عبر الدق عليها من الخارج، فترتعد وجنات السائق غاضبًا: "شوف شغلك يا مكانيكي"، فيرد عليه: "شوف شغلك مزالك رئيس".

السيارة السابقة بمسرحية "التاكسي" هي سيارة يرجع تاريخ صنعها إلى الثلاثينيات-في دلالة على عمر من يقودها- يتخذها الرئيس الفلسطيني للاستقصاء حول منهجه وخياره في السلام مع الاحتلال.

يطلب الميكانيكي خلال المشهد من الرئيس أن يضغط على الزامور، فيجد أنه يعمل، فيقول له: "طالما بتزمّر وبتدوشّنا، ما في عندك أي مشكلة"، في رمزية إلى أن الرئيس يخرج بخطابات رنانة لا تحمل أي قيمة لمسيرة القضية.

يتفحص المختص مكان الماتور، فيقول للرئيس: "بس انت خدعتني يا ريس، قُلّتلي في ماتور، مش عيب عليك"، ثم يعدد ما بالسيارة من مشاكل: دقات القلب بطيئة جدا، والدم معدوم، والوريد الواصل للبنزين مقطوع، والبطارية فارغة، والعجال مهرية، والبودي مسوس، والشطيات ملوح.

ويضيف: وإذا اللي بفكر فيه مزبوط، عندك الروديتر بسرب، والراس بخلط بنزين، فبدنا نغير الرأس.. بدنا نغير الرئيس، فيرد عليه السائق: شو دخل الرئيس، فيقول له: كل مصيبة مسؤول عنها الرئيس، مش هو السواق.

يا خلبوص

أخر مشاهد المسرحية نادت برمزية ومواربة إلى أن يرحل الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن منصبه "لأن القضية لم تتقدم في عهده وباتت في تراجع خطير، وإيهامه الشعب بأن هناك طريق للسلام مع هذا المحتل".

إذ يخرج رجل يقدم يده لمصافحة الرئيس فلا يقدم الآخر يده، فيقول له: بتسلمش على إرّجال يا لئيم، ومن ثم يقول له: يا خلبوص، محركًا شففيه في إشارة إلى مصافحته لمسئولي وقادة الاحتلال والأمريكان.

ثم يتحدث الرجل ممثلًا الشعب عن واقعه مع الحروب وفقدانه للكثير من عائلته، وعدم مقدرته على البكاء في ظل حالة الفقد الكبيرة التي فقدها، مستذكرًا ابنته مريم التي طلبت منه "عروس لعبة" ولم يتمكن من توفيرها لعدم مقدرته على توفير ثمنها.

دون تخصيص

ويعتبر رئيس رابطة الفنانين عمر الراعي أن مسرحية "التاكسي" هي رسالة بدون تخصيص لأي مسؤول في أي مكان، وبما أن أعلى منصب ينصب به الإنسان هو رئيس الدولة، فالبلد التي تقودها كالسيارة بحاجة إلى متابعة ومعالجة للأمور.

ويرى الراعي أن السيارة تحمل بداخلها صنوف وشرائح مختلفة من الشعب، عارضة حقائق وواقع ما يعانيه الناس من مرض وجراح وانتهاكات ودمار، قائلًا: "نحن لم نجد من يمثلنا في كل هذه المعاناة، فما الحاجة للرئيس إذا لم يكن هناك من بتابع".

ويؤكد العمل على أنه تغيير بميزان الدراما في فلسطين "فما نعرضه دائمًا عبارة عن حقائق دون العاطفة، ولكننا هنا لامسنا الجانب العاطفي، فضحكنا من قلبنا ببعض المشاهد وبكينا وتأثرنا بأخرى، وهذا هو الفن البعيد عن المباشرة، فنحن وضعنا كل قضايانا على الطاولة وعرضتها بشكل فني".

وجاء عرض مسرحية التاكسي وما حملته من دعوة لرحيل عباس بعد أيام من تكرار تظاهرات في قطاع غزة والضفة الغربية تنادي برحيل الرئيس وذهبت حدا اتهامه بـ"العمالة"، خصوصا بعد قمع أمن السلطة تظاهرات في الضفة الغربية منددة للاعتداءات على المسجد الأقصى.

وكان أبرز هتافات الشبان: "يلا ارحل يا عباس"، و "يسقط يسقط حكم العسكر"، و "يا للعار ويا للعار باعوا الأقصى بالدولار"، وغيرها من الهتافات التي تتهمه بالخيانة.

عدد الزوار 27739، أضيف بواسطة/ محمد صلاح الفرا