كثرة الأسف تذكّر بالذنب
بعد الاعتداء السافر الذي قاده نتانياهو ووزراء حكومته على المسجد الاقصى، أظهر الشارع الفلسطيني صحوة كبيرة في الدفاع عن الاقصى، والنزول الى الشارع تجاوبا مع نداء الوطن والدين. فيما اظهر غالبية قادة فصائل القوى الوطنية والاسلامية انهم نشطاء فيس بوك من الدرجة الاولى وللأمانة فان لهم "بوستات" جميلة، وتغرديات اجمل في الدفاع عن الاقصى. ليتضح الامر ان نشطاء الفيس بوك في فلسطين اي الفسيبوكيون هم الذين نزلوا الى الشارع وتصدوا لهجمة الاحتلال، اما القيادات فقد أبدعت في البيانات واعادة "شير" للصور عن الاقصى.
وانا لا أعرف كيف يمكن ان يكون المواطن الذي يذهب الى مكان عمله او أرضه أو وظيفته في الصباح الباكر حتى المساء "مواطنا ساذجا". فيما ان الذي يسهر طوال الليل يلهو ويشرب ويدخن السجائر ويتحدث في اعراض الناس "مسؤولا وطنيا كبيرا" !!!! والحقيقة ان الذي يعمل ووينتج هو المسؤول فيما الثاني هو "الطفيلي" الذي يعيش على اخبار حياة الاخرين.
ما سلف ذكره يمكن استيعابه، ولكن ما لا يمكن استيعابه هو طريقة استيراد الازمة من جمعة الغضب من أجل الدفاع عن الاقصى وافشال مخطط حصار غزة الى ازمات داخلية وضرب للمتظاهرين من اجل الكهرباء في خانيونس ورفح، وضرب المتظاهرين من أجل الاقصى في مخيم العزة. حتى ان تلفزيون اسرائيل الذي جهز خطة اعلامية لتغطية الانتفاضة نقل تقاريره الى تغطية التظاهرات الداخلية الفلسطينية ضد حكوماتنا وضد بعضنا بعضا / بل ان احد المواطنين وهو أسير سابق قال لي: هاي لحتي اذا عمركو بتحرروا الاقصى.
جرائم الاحتلال كبيرة لكن ذنوبنا كثيرة، وفي كل مرة لا نجيد الاستغفار، بل نكرر تذكار الذنوب والاعتذارات بطريقة ممجوجة تخلو من الاستفادة على طريقة المثل الشعبي ( كثرة الاعتذار تذكّر بالذنب ) .. وقد ظهر وهن الجبهة الداخلية الفلسطينية وتفتتها، وانعدام وجود قيادة موحدة للجماهير، بل ان اول اصطدام صغير بين القوى ادى الى نشر القوى لمسلحيها في الشوارع. وكأننا لم نستفد من تجربة الفلتان الامني في 2004-2005 ابدا.
وفيما لاتزال قوى كثيرة تتصارع على التفريغ والرواتب، تظهر قلة من الشباب تحمل الهمّ العام، وتعاند التيار وتسعى من اجل اعلاء قيمة القضايا الوطنية على حساب القضايا والخلافات الصغيرة، وان كانت هذه الفئة قليلة لكنها تبرز اكثر وأكثر وسط الجمهور وتلقى احتضانا وترحابا لا سيما انها معتدلة وغير بذيئة ومثقفة وديموقراطية ومؤمنة بعدالة قضية فلسطين.
ان الاداء السياسي الرسمي والشعبي عند العديد من القيادات الكلاسيكية لا يعدو عن كونه اصطيادا في المياه العكرة، ويخلو من الافق الوطني والطهارة الثورية وهو ينحى باللائمة على الفصيل الاخر وهو اسوأ منه في حالات كثيرة سلوكا ومبدئا ... كما ان طريقة معالجة الامور بعيدة كل البعد عن البوصلة.
نقطة اخرى وهي العدالة الاجتماعية والمالية، ويبدو ان النظام الاجتماعي الذي نعيشه ( أقصد الجميع ويشمل السلطة والفصائل والمؤسسات غير الحكومية والشبابية والنوادي الرياضية والدينية ) يملك مقومات البقاء والصمود، ولكن فشل ادارة الازمات أظهر عدم وجود عدالة توزيع في المخيمات وفي القرى والمدن، وبين القوى وفئات الشباب، عدالة التوزيع في فرص العمل وفي القروض وفي الاستثمار وحتى في توزيع المهام النضالية، فلا يجوز ان فئة من المجتمع تحمل كل الهم للدفاع عن القدس والاقصى فيما فئة اخرى من القيادات والرموز المخملية والمنعّمة يقتصر جهدها النضالي على تغريدة تويتر او بوست فيس بوك !!! ولم تكتف بذلك بل انها تشتم الاخرين وتمنحهم شهادات الوطنية والشرف وقد نصّبت نفسها القاضي على الاخرين.
لا أرى اي خلل في حركة الجماهير، او خروجها للتظاهر، او انتقادها للخطأ، او دفاعها عن المقدسات، وانما ارى خللا في الشريحة السياسية المسيطرة على القرار الفصائلي والحكومي، ولاننا لا نريد الفلتان الامني ولا تدمير الذات، فان نجاح الجهد الوطني مشروط بالمشاركة والشفافية وتحمّل النقد واصلاح الخطأ.
الجماهير في القدس والضفة الغربية ومدن غزة لا تحتاج لمن يعتذر لها ... بل تحتاج لمن يحمل همّها ويكبر بقضاياها الى مستوى المسؤولية والنجاح والتطور العلمي والتوزيع العادل.