زياد التلاحمة.. شهيد العيد

ثلاث قبلات رسمتها على جبينه.. ثم احتضنته بقوة فهي المرة الأخيرة التي ستحضن نجلها لعل رائحته تعلق في ثوبها.. ودموعها تنهمر على الفراق، هكذا ودعت والدة الشهيد ضياء التلاحمة ابنها.

 

تتشبث والدة الشهيد ضياء بيد ابنتها الصغرى لعلها تزيد من عزمها، وتقف شقيقاته إلى جوارها ودموعهن تنهمر على وجناتهن، ينظرن ضياء لعله يستيقظ ويعودوا سوية إلى المنزل.

وفي هذه الأثناء، امتلأت أروقة المنزل وأرصفة الشارع المحيط به، وأسطح المنازل المجاورة، أناس وأصدقاء وأقارب احتشدوا جميعا يترقبون وصول جثمان الشهيد ليلقوا نظرة الوداع.

ووصل موكب جثمان الشهيد قريته خرسا بالقرب من دورا جنوب الخليل، بجنازة انطلقت من مسجد أبو الجياش، شارك فيها الآلاف، وجابت شوارع القرية حيث وري الثرى في المقبرة.

تنهال كلمات الرضى على الشهيد في لحظة وداعة الأخيرة من والدته، قائلة: 'ابني شهيد وأفتخر به، نرفع رأسنا عاليا، رحل فداء لفلسطين ونصرة للأقصى'.

وتضيف ودموع الحزب تملأ عينيها: 'كان نهارا ككل يوم، لم أكن أتخيل أن هذا هو اليوم الأخير الذي أرى فيه ابني على قدميه، خرج ضياء صباحا إلى جامعته القدس، يدرس هندسة حاسوب، ثم ذهب إلى عمله، وعاد مساء ليتناول معنا العشاء، جهز نفسه وغادر ككل ليلة إلى النادي الرياضي، وطرح السلام الأخير علي وخرج'.

وتتابع: 'سمعنا دوي انفجار كبير، ثم توالت الأخبار على صفحات الانترنت بوجود شهيد في منطقة مثلث خرسا، وكنت على يقين أنه ضياء، فلا قلب يشعر كقلب الأم، وصدق حدسي، فقد اختاره الله إلى جواره'.

الأم لم تكن وحدها، نساء قريتها استقبلن جثمان الشهيد معها بالزغاريد، وأمطرن على والدته عبارات التهنئة، وتقول أم محمد: 'ضياء شاب بشوش ومحبوب يحب المزاح وملتزم، رحل وبقيت في ذاكرتنا أنه يتعامل مع الصغير والكبير بحب، رحمه الله'.

فيما شقيقة الشهيد وفاء، تقول والكلمات تقتلها الشهقات، تحمد الله تارة على ما أصابهم، وأخرى تتمنى الشهادة: 'وردني اتصال من العائلة أن هناك خبر ليس مؤكد أن ضياء استشهد، عندما وصلت إلى منزل أهلي تفاجأت بوجود جيش الاحتلال حول المنزل، وعندها تيقنا جميعاً أن الشهيد هو ضياء'.

تضيف والدموع تحرق خدها: 'ذهب صاحب القلب الطيب، في كل عيد كنت وبناتي ننتظر دخول ضياء علينا، فضحكاته لنا عيد، اليوم ضياء رحل، وأخذ معه فرحتنا، كان هو الأخ والصديق الحنون'.

فيما الحاج عبد الحليم التلاحمة والد الشهيد، تجرع طعم الاعتقال مراراً، وهو والد لأسير آخر ما زال يقبع في سجون الاحتلال منذ عامين ونصف، اليوم بعد أن وارو جثمان ابنه الثرى تيقن أن جدران السجن ورائحة التراب، هي بوابة الحرية.

ويقول التلاحمة: 'هذه شهادة للعالم أجمع على جرائم الاحتلال، لم يرحموا أحدا، لا تميز بين مقاتل وشاب أعزل، لا يهمهم كبير أو صغير، كل الشعب الفلسطيني هو هدف للاحتلال'، ويضيف: 'قام الجنود الإسرائيليين بتصفية ابني بدم بارد ثم منعوا الإسعاف ووسائل الإعلام من الاقتراب منه لثلاث ساعات'.

وفي الوقت الذي انشغل فيه الجميع بتشيع الشهيد ضياء، استشهدت الفتاة هديل صلاح الدين الهشلمون (18 عاما)، متأثرة بالجروح التي أصيبت بها جراء إطلاق قوات الاحتلال الإسرائيلي الرصاص عليها أثناء عبورها الحاجز العسكري المقام على مدخل شارع الشهداء وسط مدينة الخليل، والمعروف بحاجز 'الكونتينر'.

هديل طالبة سنة أولى في جامعة الخليل، أصيبت صباحا بجروح في بطنها وأطرافها السفلية، عقب إطلاق قوات الاحتلال الرصاص عليها بشكل مباشر، أثناء عبورها البوابات الحديدية الدولابية على الحاجز المقام على مدخل شارع الشهداء.

قوات الاحتلال الإسرائيلي تركت هديل تنزف قرابة نصف ساعة، ومنعت طواقم إسعاف الهلال الأحمر من الوصول إليها لتقديم العلاج وإسعافها، ونقلتها لاحقاً إلى مستشفى بالقدس المحتلة قبل أن يعلن عن استشهادها مساء.

 

.

عدد الزوار 38434، أضيف بواسطة/ حسن عادل الفرا