"صُم" في غزة يتحدون إعاقتهم بالتعليم الجامعي
في قطاع غزة لا شيئا مستحيلا يقف في وجه الكثير من ذوي الاحتياجات الخاصة، فـ"الصم" منهم قرروا تحدي إعاقتهم بالتعليم الجامعي، ولسان حالهم يقول "لا للاستسلام".
بإشارات سريعة بيدّيها، تناقش الفتاة الصماء ياسمين شاهين(22 عامًا) مدرّسها، حول موضوع المحاضرة التي يتلقونها في إحدى قاعات الجامعة الإسلامية.
وبعد حوار قصير صامت بين الطالبة وأستاذها، انتهى النقاش بإيماءة من رأسها، تدل على فهمها ما استفسرت عنه، لتبدأ بتطبيق درس قواعد برنامج "الفوتوشوب"(برنامج لتحرير ومعالجة الصور) على حاسوبها الشخصي.
وعبر مترجمة الإشارة التي استعانت بها مراسلة "الأناضول"، قالت شاهين التي تدرس دبلوم متوسط في تكنولوجيا التصميم والإبداع، إنها "تشعر بالسعادة، لأن حلم حياتها قد تحقق أخيرًا بعد التحاقها بالجامعة".
وأضافت لوكالة "لأناضول": "لم يكن مستقبلي واضحًا بعد أن توقف تعلمي عند المرحلة الثانوية، لعدم توفر التعليم الجامعي للطلبة الصُم في القطاع".
وتابعت: "الآن أرى مستقبلي بوضوح، وماذا عليّ أن أفعل، أصبح لدّي رؤية واضحة لحياتي".
وافتتحت الجامعة الإسلامية، في قطاع غزة، العام الماضي، أول برنامجي دبلوم متوسط للطلبة الصم من الذكور والإناث، في تخصصي تكنولوجيا التصميم والإبداع، وصيانة الحاسوب والأجهزة الذكية، الأمر الذي مكّن العشرات ممن يعانون إعاقات سمعية من إكمال مسيرتهم التعليمية.
وتخرّجت العام الماضي، أول دفعة من هؤلاء الطلبة من الثانوية العامة، في مدرسة "صادق رافعي" للصم، التي تعتبر المدرسة النظامية الوحيدة في غزة، وقد أُنشأت قبل نحو أربعة أعوام لأصحاب الإعاقات السمعية.
أما تعليم الصم في المرحلتين الابتدائية والإعدادية في القطاع، فيقتصر على الجمعيات الخيرية التي تستوعب الطلاب من كلا الجنسين حتى الصف التاسع، وتقدم لهم تعليمًا مهنيًا لبعض الحرف اليدوية.
ويبلغ عدد من يعانون من إعاقة سمعية في قطاع غزة 2409 أشخاص فوق سن الـ18 عاما، و1243 شخصاً تحت سن الـ18 عاماً، بحسب وزارة الشؤون الاجتماعية.
ومن حسن حظّها أن افتتحت الجامعة الإسلامية، تخصصًا له علاقة بموهبتها، كما تقول سمر أبو عصر (22 عامًا).
ونقلت مترجمة الإشارات عن سمر قولها: "تخصص دبلوم تكنولوجيا التصميم والإبداع، قريب جدًا من موهبتي في الرسم والأشغال اليدوية، لديّ حس فني يساعدني في تطبيق برامج الفوتوشوب وغيرها من البرامج التي تحتاج لإنشاء تصميمات وإعلانات".
ومضت قائلة: "خلال السنوات الماضية كنت أقضي وقتي في الرسم وتصميم المشغولات اليدوية فقط، ربما كنت أملّ من هذا الروتين أحياناً، أما الآن فأنا طالبة جامعية، ولدّي مهام جديدة".
وتشعر الفتاة التي ولدّت بإعاقة سمعية، بـ"الفخر" على حدّ تعبيرها، مضيفة: "أودّ أن أكون كما الأشخاص الناطقين، أساهم في بناء مجتمعي، ولي دور في تطويره، ومنذ التحاقي بالجامعة أصبحت أشعر بقيمة ذاتي، حقًا إنني سعيدة جدًا".
وتبدو فرص العمل للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، في غزة محدودة جدًا، كما ترى أبو عصر، مشيرة إلى أن الشهادة الجامعية، قد تعزز من فرص عملها، هي وزميلات مقعدها الجامعي.
وبحسب إحصائية أصدرها الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (حكومي)، منتصف العام الجاري، فإن عدد ذوي الاحتياجات الخاصة البالغين(أكثر من 18 عاماً)، يصل إلى نحو 27 ألفا.
سعدي أبو عمرة(31 عامًا)، مدرس مادة برنامج "الفوتوشوب"، في قسم دبلوم تكنولوجيا التصميم والإبداع للطلبة الصم، في الجامعة الإسلامية، يقول إن "افتتاح قسم لأصحاب الإعاقة السمعية في غزة خطوة هامة جدًا، وعلى الطريق الصحيح".
وأضاف عبر مترجمة الإشارة، بسبب ضعف حاد في حاسة السمع والنطق لديه: "مستوى الطلبة جيد جدًا، إنهم مقبلون على العلم بشغف وروح قوية مفعمة بالنشاط والحيوية".
ويعتمد أبو عمرة على وسائل تعليمية مساعدة له، كعرض الدروس على شاشة LCD، ووسائل أخرى، وفق قوله، لافتاً إلى أن تفاعل طلبته معه، قوي جدًا، خاصة وأنه من ذات الفئة.
وأوضح أبو عمرة أن المادة التعليمية التي يتلقاها الطلبة في الجامعة، مناسبة لوضعهم الصحي، ولا تحتاج لبذل مجهود كبير.
من جانبه، قال سعيد أبو قرن، منسق معهد التنمية المجتمعية، في دائرة برامج العلوم المهنية في الجامعة نفسها، إن جامعته افتتحت برنامج الدبلوم المتوسط للطلبة الصم، العام الماضي، في تخصصي تكنولوجيا التصميم والإبداع، لكلا الجنسين، وصيانة الحاسوب والأجهزة الذكية، للطلاب فقط، مشيراً إلى أن هذين التخصصين ملائمان للطلبة، لاعتمادهما على برامج الحاسوب بالدرجة الأولى، والجانب العملي بصورة أكبر من النظري، وقد يوفران لهم العمل على بعد عن طريق الانترنت.
و"منذ نحو عام ونصف، أخذت الجامعة على عاتقها تقديم الخدمات التعليمية للمعاقين سمعيًا، باعتبارهم جزء من المجتمع لهم حقوق، ويجب أن يندمجوا مع أفراده"، وفق أبو قرن.
ويُقدر عدد الطلبة الملتحقين بالجامعة العام الحالي، بـ80 طالب وطالبة، وفق أبو قرن، بينما وصل عددهم، العام الماضي، إلى 120.
أما المدرسين، فيبلغ عددهم، 20 مدرساً، تلقّوا تدريباً ودروات مكثفة، في لغة الإشارات.